الخليج الجديد-
"تبدو كتفاحة نيوتن.. تنتظرها عديد الدول لتسقط في نطاق مصالحها".. هكذا تنظر دول التأثير الإقليمي في محيط إثيوبيا إلى الحملة العسكرية التي يشنها الجيش من أجل استعادة السيطرة على إقليم تيجراي، الواقع عند الحدود مع إريتريا والسودان.
فالحملة دخلت مرحلة حاسمة تتمثل في محاصرة ميكيلي (مركز إقليم تيجراي)، التي يقطنها 500 ألف شخص، باستخدام الدبابات، ما يعني تراجع فرص الوصول إلى حلول سياسية، في ظل إصرار رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" على المضي قدما في استخدام القوة.
وأطلقت حكومة أديس أبابا حملتها العسكرية في الإقليم أوائل الشهر الجاري، محملة "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" المعارضة المسؤولية عن مهاجمة قواعد عسكرية للجيش بالمنطقة، في صراع تعود جذوره إلى احتجاجات شعبية في تيجراي أطاحت بحكومة الإقليم السابقة عام 2018، بعد نحو 3 عقود من هيمنة ساسة الإقليم على مقاليد السياسة الإثيوبية، رغم أنهم لا يمثلون سوى 6% فقط من سكان إثيوبيا.
ومع وصول "آبي أحمد" إلى سدة السلطة، كأول رئيس حكومة من عرقية "أورومو" الأكبر في البلاد، تراجع نفوذ ساسة الإقليم، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019 انسحبت جبهة تحرير شعب تيجراي من ائتلاف "آبي" الحاكم، وعاد قادتها من أديس أبابا إلى إقليمهم، ليتهمهم رئيس الوزراء لاحقا بمحاولة زعزعة استقرار البلاد.
وكان قرار الحكومة المركزية بتأجيل الانتخابات التي كان مقررا إجراؤها في أغسطس/آب الماضي، بدعوى تداعيات جائحة كورونا، بمثابة الشرارة التي أعادت إشعال الأوضاع في تيجراي، إذ قررت حكومة الإقليم تحدي سلطات "آبي" من خلال المضي في إجراء الانتخابات المحلية في 9 سبتمبر/أيلول الماضي.
وإزاء ذلك، صنفت أديس أبابا حكومة تيجراي بأنها غير قانونية، وقررت تقليص الأموال الفدرالية المخصصة للإقليم، وهو ما اعتربته "جبهة تحرير شعب تيجراي" بمثابة "عمل حربي"، ليعلن قادتها عدم اعترافهم بإدارة "آبي أحمد".
وصوّت البرلمان الإثيوبي في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، على تصنيف "جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي" كمنظمة إرهابية، ومع ذلك لا يبدو أن الجيش الإثيوبي لديه القدرة على هزيمة كاملة للجبهة والقوات المتحالفة معها بسرعة، ما سيؤدي إلى صراع طويل الأمد قد يسفر عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، بحسب تقدير مركز ستراتفور.
وتعد مصر والإمارات وإسرائيل أبرز القوى الإقليمية تأثيرا في تفاصيل مشهد الحرب في إثيوبيا، باعتبار امتلاكها لأدوات هذا التأثير من جانب، وارتباط مصالحها الاستراتيجية بأطراف الحرب من جانب آخر.
مصر وسد النهضة
ولأن الأحداث الدامية تقع بالقرب من موقع بناء سد النهضة، ومع دخول الصراع أسبوعه الثالث في ظل عدم وجود نهاية تلوح في الأفق، فإن الاتجاه المرجح هو إبطاء وتيرة بناء السد الإثيوبي، حسبما نقل موقع المونيتور عن "عباس شراقي"، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، المتخصص في دول حوض النيل.
واعتبر "شراقي" أن الصراع المسلح في إثيوبيا يعطي مصر فرصة لإعادة ترتيب أوراق التفاوض الخاصة بشأن سد النهضة وكسب الدعم الدولي والأفريقي.
كما يهدد التصعيد العسكري جاذبية إثيوبيا كوجهة استثمارية مع المخاطرة بالتصعيد نحو صراع إقليمي كبير، وبالتالي فإن مصر لها مصلحة في ما يدور في إثيوبيا، بحسب مراقبين، أشاروا إلى استفادة القاهرة من كبح تدفقات التمويل الخاصة بالسد الإثيوبي.
وفشلت المحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين إثيوبيا والسودان ومصر في وقت سابق من هذا العام في التوصل إلى اتفاق حول كيفية ملء خزان السد.
ويشير تحليل ستراتفور إلى أن القتال سيصبح أكثر صعوبة على جبهة تحرير تيجراي إذا تحول الصراع إلى حرب استنزاف، وعليه فإن حصول الجبهة على دعم خارجي، من مصر أو السودان على وجه الخصوص، سيكون مفيدًا لها على المدى الطويل.
ومن هنا تحاول القاهرة استغلال تنازع الخرطوم وأديس ابابا حول منطقة فشقا الحدودية وتقاسم مياه النيل، ويمكن أن تجد في دعم "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" أمرا مفيدًا لتحقيق هذه الغاية، بحسب تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي".
كما أن النفوذ الاقتصادي المصري في ميكيلي (عاصمة تيجراي) بارز، إذ ينشط مستثمرون مصريون في مجالات إنتاج محولات الكهرباء والأثاث المكتبي، ويمتلكون عقود تخصيص لأراضي مشروعاتهم موثقة من السلطات الأثيوبية.
ويدعم قصف الجيش الإثيوبي لسد تيكيزي بتيجراي، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني، موقف النفوذ المصري في إثيوبيا بقوة، إذ تسبب في قطع التيار الكهربائي عن المنطقة، وهو ما سوقته وسائل الإعلام الموالية لجبهة تيجراي باعتباره تعرية لمصداقية استهداف مشروعات "آبي" القومية لصالح الإثيوبيين، ومنها سد النهضة، الأمر الذي يضعف منسوب تجييش شعبي بنته الحكومة الإثيوبية على مدى السنوات الماضية.
وفي هذا الإطار يقرأ عديد المراقبين إعلان رئيس المنطقة الصناعية المصرية بإثيوبيا "علاء السقطي" أن مستثمري بلاده في ميكيلي يدرسون إقامة دعوى أمام التحكيم الدولي لحفظ حقوقهم جراء الخسائر التي لحقت بهم منذ اندلاع الحرب في الإقليم.
ويرى "هاني رسلان"، رئيس قسم دراسات السودان وحوض النيل في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن "موارد إثيوبيا نادرة. لذلك فعندما تنخرط الحكومة الإثيوبية في عملية عسكرية واسعة النطاق ضد تيجراي، فإن ذلك سيؤثر بالتأكيد على التمويل المخصص لبناء السد، لأن موارد البلاد ستوجه لتمويل الحرب".
وأشار إلى أن القاهرة قد تستغل قصف سد تيكيزي في استراتيجيتها التفاوضية لاحقا، من خلال التأكيد، عبر المحافل الدولية، على عدم ثقتها في قدرة إثيوبيا على حماية سد النهضة، لأنه إذا تعرض السد للخطر أو انهار، فقد يغرق السودان ويلحق الضرر بمصر.
الإمارات والبحر الأحمر
تنطلق طائرات الجيش الإثيوبي المسيرة من قاعدة عسكرية استأجرتها الإمارات في إريتريا (عصب)؛ بهدف تمكين نفوذها إلى البحر الأحمر، ما يجعل أبوظبي حاضرة وبقوة في الحرب، ليس فقط وراء الكواليس، بل في مسرح الإعلام الدولي، إذ أعلنت أبوظبي بوضوح دعمها لأديس أبابا في مواجهة "التمرد" في تجراي.
فالإمارات طورت مؤخرًا علاقاتها بإثيوبيا ضمن مخططها لتموضع جديد في منطقة القرن الإفريقي، وقدمت لأديس أبابا دعما اقتصاديا سخيا بلغت قيمته 3 مليارات دولار، ما مكن إثيوبيا من تحديث منظومة جيشها والحصول على منظومة "بانتسير إس 1" الروسية المتطورة للدفاع الجوي، لاستخدامها في حماية سد النهضة، وفقا لما أوردته صحيفة القدس العربي.
وتحظى الإمارات بحضور استثماري كبير في إثيوبيا، من خلال مشروعات متعددة يصل عددها الإجمالي إلى نحو 92 مشروعاً منها 33 مشروعاً قائماً، إلى جانب 23 مشروعاً قيد الإنشاء.
كما لعبت الإمارات، الباحثة عن منفذ دائم على البحر الأحمر، دور الوسيط في سياق التوصل إلى اتفاق سلام منتصف 2018 بين إثيوبيا وجارتها إريتريا، وهي متلقٍ آخر للمال من أبوظبي.
وفي هذا الإطار، التقى السفير الإثيوبي لدى أبوظبي "سليمان ديدفو" وزيرة الدولة للشؤون الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات "ريم الهاشمي"، لإطلاعها على تطورات الحرب، وهو ما علقت عليه الوزيرة الإماراتية بالإشارة إلى قبولها شرح السفير "ديدفو"، قائلة: "تمكنت من الحصول على التوضيح بشأن القضايا الجارية في إثيوبيا والتي تخالف تماماً الروايات المضللة لبعض وسائل الإعلام"، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية.
ونقل التلفزيون الإثيوبي الرسمي بياناً إماراتياً عبرت فيه أبوظبي عن تضامنها ووقوفها مع الحكومة الإثيوبية في إنفاذ القانون ودعم جهود الحكومة لفرض النظام.
وإزاء ذلك، اتهمت جبهة تحرير تيجراي، في وقت سابق، الإمارات بدعم الحكومة الإثيوبية، وذكر "جيتاتشو رضا"، مستشار رئيس الإقليم "ديبريتسيون جبريمايكل"، عبر تويتر أن "آبي أحمد يستخدم الطائرات الإماراتية المسيرة الموجودة في عصب في حربه المدمرة ضد شعب تيجراي. لذلك استهدفت قوات دفاع تيجراي منشآت في إريتريا بما في ذلك مطار أسمرة".
وتشير صور الأقمار الصناعية، حصل عليها موقع التحقيقات الاستقصائية "بيلنجكات"، إلى أن القاعدة الجوية للإمارات في عصب في إريتريا هي موطن لطائرات مسيرة تتوافق مع نموذج "وينج لونج-2" الصيني للمركبات الجوية غير المأهولة.
وسبق أن أدانت مجموعة المراقبة التابعة للأمم المتحدة بشأن الصومال وإريتريا بناء قاعدة عصب وتأجيرها للإمارات من قبل إريتريا باعتبار ذلك انتهاكًا لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على دولتي القرن الأفريقي.
إسرائيل وحلفها الإقليمي
وينسجم الموقف الإماراتي من الحرب في إثيوبيا مع نظيره الإسرائيلي، إذ ترتبط تل أبيب بمصالح اقتصادية استراتيجية مع أديس أبابا، فضلا عن خشية دولة الاحتلال على مصير 7 آلاف يهودي، ينتظرون الهجرة إلى إسرائيل في مخيمات بمدينة غندار شمالي إثيوبيا، بعدما تم إطلاق صاروخ على مطار المدينة، خلال الحرب.
ويشير "إبراهيم جلال"، من معهد الشرق الأوسط، في هذا الصدد، إلى أن تطبيع العلاقات بين الإمارات و(إسرائيل)، في سبتمبر/أيلول الماضي، بوساطة أمريكية مثّل تحولا في التفكير الاستراتيجي لأبوظبي لا ينبغي التقليل من شأنه.
واعتبر "جلال" أن اتفاق التطبيع يعبر عن الكيفية التي ترى بها الإمارات التهديدات والفرص في المشهد الإقليمي، إضافة إلى مجال نفوذها وشكل طموحاتها المتطورة، وهو ما انعكس على الأرض في واقع حرب اليمن، إذ رصدت عديد التقارير الغربية تعاون استخباراتيا وعسكريا بين أبوظبي وتل أبيب.
ومن هنا يمكن قراءة الإسناد الأمريكي للانحياز الإسرائيلي، إذ أدان مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون الإفريقية "تيبور ناجي" جبهة تحرير تيجراي بوضوح، واتهمها بالتسبب في مقتل المدنيين.
فالإدانة الأمريكية من شأنها وأد محاولات جبهة تيجراي لـ "تدويل" قضية الإقليم، وهو ما لا يصب في مصلحة إسرائيل والدول المتحالفة معها في المنطقة، حسبما يرى الخبير في شؤون القرن الإفريقي بمعهد العلوم الفرنسية "رولاند مارشال".