متابعات-
انخرط اليمن، العالق في أذهان العالم بوصفه بلداً يعيش أسوأ أزمة عالمية، في الاستقطاب الناجم عن الأزمة الخليجية التي أعلن انتهاؤها، وكان صراع اليمن مرتبطاً بها بشكل مباشر.
وأصبحت دول الخليج لاعباً رئيساً في المشهد اليمني إلى حد تعريف أطراف الصراع اليمنية بحسب موقفها من التحالف، وتسببت تداعيات الأزمة المباشرة لصراع دول الأزمة الخليجية بتفكك منظومة التحالف العسكري المدافع عن الشرعية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي.
وربما سيكون للمصالحة الخليجية انعكاسات مباشرة على اليمن، وأخرى غير مباشرة، إقليمياً ووطنياً، تعيد ترتيب الكثير من الأولويات المتعلقة بالبلاد، والتي رمت بها الأزمة الأخيرة إلى أدنى سلّم الأولويات الخليجية.
الخليج وحرب اليمن
تنهي حرب اليمن عامها السادس في مارس القادم، وسط تعقيدات مستمرة ومجاعة توصف بالأسوأ على مستوى العالم، وبرزت تلك التعقيدات بشكل واضح بعد الشرخ الذي حدث داخل التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية؛ بسبب التصدع داخل مجلس التعاون الخليجي، في يونيو 2017.
وبدأت الأزمة اليمنية يطول مداها عقب الخلافات التي نشبت بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، والتي دفعت على ضوء ذلك السعودية إلى إنهاء مشاركة دولة قطر من عضوية التحالف، وسحبت الأخيرة قواتها العسكرية.
ورغم أن الدور العسكري القطري كان محدوداً؛ حيث تركزت الجهود القطرية في الجانب الإغاثي، وتأهيل المستشفيات وعلاج الجرحى، فإن سحب قطر لقواتها العسكرية انعكس سلباً على منظومة التحالف.
ويُمكن القول إن إخراج قطر من التحالف العربي كان له نتائج سلبية على عمل التحالف في اليمن، حيث يرى مراقبون أن وجود قطر داخل التحالف كان سيؤدي دوراً كبيراً للتخفيف عن السعودية فيما يتعلق بتمويل الحرب وإعادة الإعمار؛ لكون قطر لديها إمكانية المساهمة في ذلك بصورة أكبر من أي دولة أخرى.
كما أدى الانقسام في البيت الخليجي إلى انعكاسات سلبية واضحة على الحرب في اليمن من خلال تداخل الأدوار وتعارضها، والتي كان بإمكانها أن تكون موحدة في مجلس التعاون الخليجي إزاء كافة القضايا الخليجية، وفي مقدمتها الحرب في اليمن.
وإلى جانب ذلك تضغط الحرب الدائرة في اليمن أكثر فأكثر على اقتصادات دول الخليج المنتجة للنفط، وشكلت استنزافاً مالياً لدول الخليج، لا سيما مع تكاليفها الباهظة التي من الصعب تحملها في ظل أزمة أسعار النفط المتراجعة مؤخراً، فضلاً عن تداعيات جائحة كورونا.
المصالحة وآمال اليمنيين
يعتبر اليمنيون أن أي خلافات في دول الخليج تنعكس سلباً على بلادهم، سواء بوجود الحرب أو في أيام السلم، فقد تسببت حرب الخليج عام 1990 بعودة نحو مليون يمني مغترب إلى بلادهم، والتسبب بأزمة أثقلت كاهل الحكومة اليمنية آنذاك.
ومع إعلان المصالحة الخليجية عقب أزمة 2017، كان لافتاً الترحيب الكبير من الحكومة اليمنية و13 من الأحزاب والقوى السياسية بهذه الخطوة، وأعربت عن أملها أن تنعكس إيجاباً على دعم الشعب اليمني وحكومته الشرعية في مواجهة جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
وقالت تلك الأحزاب في بيانات إن الأزمة الخليجية ألقت بظلالها على مختلف القضايا، ومن ضمنها الملف اليمني، معربة عن تطلعها إلى أن تعزز المصالحة الخليجية دور التحالف العربي، بقيادة السعودية، ومواجهة مشروع إيران و"أذرعها الإرهابية في المنطقة".
ووقع قادة الدول الخليجية ورؤساء الوفود، في 5 يناير 2020، على "بيان العُلا" الذي كان بمنزلة إعلان رسمي للمصالحة، ضمن فعاليات قمة دول مجلس التعاون الخليجي الـ41 التي عقدت في العُلا السعودية.
معالجة ملفات اليمن
وتعبيراً عن حالة اليمنيين يشير د. عادل المسني، الباحث في العلاقات الدولية، إلى أن المصالحة الخليجية ربما تنهي أزمة استنزفت بلدان الخليج، "وتفتح الباب لمعالجة ملفات وصفت بالمعقدة كالملف اليمني".
ويؤكد لـ"الخليج أونلاين" أن المصالحة "طوت مرحلة سيئة من العلاقات بين الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي، في خطوة من شأنها أن تعزز من آفاق المصالحات وتفتح الباب لمعالجة كثير من الملفات، ومن ضمنها ما يحدث في اليمن".
وأضاف: "جاء موقف السعودية نحو حلحلة الأزمة مع قطر بالتزامن مع الإسراع في تشكيل الحكومة اليمنية، بما يشكل مؤشراً مهماً على التحول في الاستراتيجية السعودية استجابة للتحديات التي تهدد أمن الخليج من ناحية، وآخر متعلقاً بالتطورات الدولية المرتبطة بمجيء إدارة جديدة للبيت الأبيض".
وتابع: "أتصور أن المصالحة الخليجية عكست إرادة القيادة السعودية، وأجبرت الدول الأخرى المقاطعة لقطر على المضي خلفها، وبنفس القدر فيما يتعلق بتشكيل الحكومة اليمنية".
وأشار إلى أن "هذا يشكل تطوراً إيجابياً في الموقف السعودي من شأنه أن يضعف من شهوة إثارة النزاعات والحروب في مناطق توصف بالمهمة للأمن القومي السعودي مثل اليمن".
وبرأي المسني فإن السعودية "تنتهج مساراً لا يعجب الإمارات فيما يتعلق بعودة الحكومة وتمكينها على الأرض؛ من خلال تنفيذ الشق العسكري والأمني في عدن".
ويعتقد في حديثه أيضاً أن من مزايا المصالحة الخليجية "تفكيك التحالف السعودي الإماراتي أو إضعافه، والاتجاه نحو بناء تحالفات أوسع تأخذ بالاعتبار التحديات التي تواجه الخليج وليس رغبات البعض".
لا تغيير في المشهد
أما المحلل السياسي سيف مثنى فهو يعتقد أن المصالحة أتت نتاج سياسة أمريكية لسببين؛ أبرزهما "فوبيا إيران"، مشيراً إلى أن هذا الأمر "يُعتبر الهاجس الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية، واستكمال بنود صفقة جاريد كوشنر وترامب عبر إقناع الدول بالمصالحة".
واستبعد "مثنى" في حديثه لـ"الخليج أونلاين "تغير قواعد اللعبة"، لكنه استدرك قائلاً: إن "التقارب بين قطر والسعودية يعني تخلي الأخيرة عن حليف استراتيجي، خاصة أن الإمارات ترى أن الحوثي لا يشكل خطراً عليها، وبالذات بعد إعلان الانسحاب من حربها عليه".
كما يعتقد أن المصالحة جاءت تخوفاً من الإدارة الأمريكية الجديدة التي قد تميل لإيران، "مما يعني تمدد الحوثي وبقاءه لاعباً إقليمياً في اليمن، وتصوير منطقة الشرق الأوسط على أنها دائماً بحاجة للتدخل الأمريكي لإبقائها تحت مسمى الدول النامية".
ويكمن أحد منافع المصالحة ربما فيما يتعلق بأثرها على الصراع اليمني في تهيئة الأجواء لإيجاد حل سياسي، من خلال تخفيف الحملات الإعلامية العدائية التي يقودها مختلف الأطراف.
وتهدف المصالحة بشكل كبير -وفقاً لبيانات الدول الست- في المصلحة العُليا لدول مجلس التعاون الخليجي، كلحمة واحدة وليس كدول فحسب، وموازنتها بحكمة وروية مع المصالح الأخرى، والتي تتمثل في أمن واستقرار المنطقة، والدفاع المشترك عنها من الطموحات التوسعية والقيادية لعدة دول، وفي مقدمتها إيران.