الخليج أونلاين-
تحولت الدعوات الدولية لوقف الحرب اليمنية من مجرد خطابات إلى تحركات أكثر جدية، فللمرة الأولى تعين الولايات المتحدة الأمريكية مبعوثاً لها إلى اليمن وسط جهود دبلوماسية أممية وبريطانية تدعم تلك التحركات.
ومع اللقاءات المكثفة والمكوكية التي أجراها كلٌّ من المبعوثين الأمريكي والأممي خرجت السعودية معلنة مبادرة من طرفها لإيقاف الحرب ورفع الحظر عن مطار صنعاء، مقابل إنهاء الحوثيين تحركاتهم العسكرية، والمضي نحو مفاوضات تنهي حالة القتال المستمرة منذ 6 سنوات.
وبينما سارعت حكومة الرئيس اليمني المعترف بها دولياً إلى الترحيب بمبادرة الرياض، جاء الرد الحوثي سريعاً، رافضاً تلك المبادرة، وطارحاً شروطاً محددة قد تنهي أي آمال بإنهاء الاقتتال الذي ازدادت حدته مؤخراً في مأرب وتعز.
مبادرة سعودية
بعد نحو شهر من تحركات مكثفة أجراها المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندر كينغ، ومبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث، أعلنت السعودية على لسان وزير خارجيتها، فيصل بن فرحان، مبادرة لإنهاء الأزمة في اليمن بهدف الوصول إلى اتفاق سياسي شامل.
وقال الوزير السعودي إن مبادرة بلاده تشمل "وقف إطلاق النار في اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة"، كاشفاً في الوقت ذاته عن أن "وقف إطلاق النار في اليمن سيبدأ بمجرد موافقة الحوثيين على المبادرة"، ومعرباً عن أمله في التوصل إلى وقف إطلاق نار في اليمن بشكل فوري.
وبين أن تحالف دعم الشرعية سوف يسمح بـ "إعادة فتح مطار صنعاء لعدد محدد من الوجهات الإقليمية والدولية المباشرة".
وأشار إلى أن المبادرة السعودية تتضمن إعادة إطلاق المحادثات السياسية لإنهاء أزمة اليمن، متوقعاً "دعماً أمريكياً للمبادرة، والعمل مع الرياض لإنجاحها".
وأعرب عن أمله في أن يستجيب الحوثيون للمبادرة "صوناً للدماء اليمنية ولمعالجة الأزمة الإنسانية".
من جانبه كشف السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، في تصريح لقناة "الجزيرة" الإخبارية، أن المبادرة سبقتها اتصالات للمملكة مع أطراف إقليمية ودولية عديدة، وأنها جاءت متماشية مع مقترحات المبعوثين الأممي والأمريكي إلى اليمن، ومع جهود المجتمع الدولي لإيجاد حل فيه.
ترحيب ورفض
بعد أقل من ساعة على الإعلان السعودي، أعلن الحوثيون رفضهم للمبادرة، وقال كبير المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام: إن "المبادرة السعودية لإنهاء الحرب في اليمن لا تتضمن شيئاً جديداً".
وأضاف، في حديثه لـ"رويترز": إن "السعودية جزء من الحرب، ويجب أن تنهي الحصار الجوي والبحري على اليمن فوراً".
أي مواقف أو مبادرات لا تلحظ أن اليمن يتعرض لعدوان وحصار منذ ست سنوات وتفصل الجانب الانساني عن أي مقايضة عسكرية أو سياسية وترفع الحصار فهي غير جادة ولا جديد فيها .
— محمد عبدالسلام (@abdusalamsalah) March 22, 2021
لكنه في الوقت عينه أبقى باب الحوار مفتوحاً عندما أشار إلى أن الحوثيين سيواصلون "الحديث مع السعودية وعُمان والولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق سلام".
فيما أشادت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً "بموقف السعودية تجاه كل ما قدمته لليمن بمختلف المجالات"، مشددة على أن إنهاء معاناة اليمنيين سيكون بـ "إنهاء الانقلاب والحرب التي أشعلها الحوثيون".
كما لقيت المبادرة السعودية لإنهاء الحرب الدائرة في اليمن صدى وتفاعلاً واسعاً بعد وقت قصير من إعلانها، وسط ترحيب خليجي وإسلامي ودولي متزايد.
ورحب مجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية، والولايات المتحدة الأمريكية، والأمم المتحدة، وقطر والبحرين والكويت والإمارات وعمان والأردن بالمبادرة السعودية.
مبادرة أممية
يقول المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي، إن المبادرة التي طرحتها السعودية بالأساس "تنقل الأفكار الأممية بشأن الوقف الشامل لإطلاق النار إلى مستوى التبني من أهم لاعب في هذه الحرب وهي السعودية".
ويعتقد أن المبادرة المطروحة "لن تنجح"، مرجعاً ذلك إلى "عدم وجود ما يشير إلى أنها ستجد طريقها إلى التطبيق".
ويوضح لـ"الخليج أونلاين" قائلاً: "السبب يعود إلى وضوح الرؤية لدى الحوثيين الذين لا يرغبون في سلام يعيدهم إلى لاعب ثانوي أو طرف من أطراف الصراع اليمنية، فهم يعتقدون أنهم حازوا كثيراً من المكاسب، ولا يمكن أن يتنازلوا عنها إلا بالحرب التي حققت لهم هذه المكاسب".
ويرى أن السعودية "تحللت من الضغوط الدولية عبر هذه المبادرة"، فيما يرى أيضاً أن الحكومة اليمنية "ظهرت طرفاً هامشياً ولا قيمة له، في مقابل ترسيخ مكانة الحوثيين كطرف أساسي في المعادلة اليمنية".
أما الخيار الوحيد المتاح حالياً، حسب التميمي، فيكمن في "إجبار الحوثيين على التسليم بضرورة السلام والعودة إلى مسار التفاوض والحلول السلمية، وهذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا عبر القوة العسكرية".
لا جديد
ويشارك الباحث اليمني نجيب السماوي التميمي فيما تحدث عنه، من أن المبادرة لن تنجح، قائلاً: "الحوثيون يريدون مرجعيات أخرى تتوافق مع خططهم في أن يكون لهم اليد العليا في اليمن، لا مثلما تقره القرارات الدولية".
ويضيف لـ"الخليج أونلاين": "لا جديد في الأمر؛ فالمبادرة تشبه ما طُرح سابقاً، وفي حال وافق الحوثيون فلن ينفذ منها إلا ما يتعلق بفتح مطار صنعاء، أما المعارك مثلاً في مأرب فستستمر".
ويؤكد أن القرار الحوثي "مصدره في طهران، فإيران تريد تحقيق أكبر قدر من النجاح في أي مفاوضات بما يجعل الحوثيين نداً للسعودية وخنجراً مغروساً في ظهر السعودية".
ويرى أيضاً أنه في حال وافق الحوثيون بعد تقديم عروض أخرى ربما غير معلنة، "فإن النجاح سيحسب للسعودية أمام العالم، لكونها صاحبة المبادرة، وإن رفض الحوثي فإن ذلك سيلقى عليهم بأنهم من لا يريدون السلام".
تحركات دولية وتصعيد ميداني
هذا الإعلان جاء بعد نحو شهرين من تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكم، وكان قد أعلن، بعد مرور أسبوعين على توليه المنصب، إيقاف مبيعات الأسلحة المتعلقة بالهجوم على اليمن، ووقف دعم بلاده للأعمال التي تؤدي إلى استمرار تلك الحرب.
وعين بايدن أيضاً، مطلع فبراير الماضي، ليندر كينغ مبعوثاً إلى اليمن، في خطوة تعد الأولى من نوعها، وشدد على ضرورة وضع حد للحرب في اليمن، فقد كانت تحركات ليندر كينغ متزامنة مع تحركات للمبعوث الأممي مارتن غريفيث، الذي زار، خلال فبراير 2021، لأول مرة طهران لبحث الحل السياسي للأزمة اليمنية.
كما حظي إعلان الرئيس الأمريكي الجديد، الذي تضمن أيضاً التزامه بالمساعدة في الدفاع عن الأراضي السعودية، بترحيب من قبل الحكومة اليمنية والسعودية والإمارات والبحرين، إضافة إلى الأمم المتحدة.
وفي مقابل ذلك على الأرض، ما زالت المواجهات العسكرية مستمرة في عدة جبهات بين الحكومة اليمنية والحوثيين، خصوصاً في مأرب الغنية بالنفط التي يحاول الحوثيون السيطرة عليها والدخول في مفاوضات من منطلق القوة، لكونها آخر محافظة شمالية تسيطر عليها الحكومة.