أنيل شيلاين | ريسبونسيبل ستيتكرافت - ترجمة الخليج الجديد-
عرضت السعودية، الإثنين، مبادرة لوقف إطلاق النار في اليمن، ولكن بشروط تشبه إلى حد بعيد ما تم عرضه سابقا. والأهم من ذلك، أن الحوثيين الآن في موقف المنتصر، ما يشجعهم على مواصلة مساعيهم للاستيلاء على مدينة مأرب الاستراتيجية قبل أي مفاوضات.
وإذا كان السعوديون والولايات المتحدة جادين في تنفيذ وقف إطلاق النار، فسيتعين عليهم تغيير نهجهم بشكل كبير، من خلال رفع الحصار بشكل كامل عن اليمن الذي يواجه خطر المجاعة.
وقال وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان" إن بلاده مستعدة لإعادة فتح مطار صنعاء الدولي أمام بعض الرحلات الجوية، والسماح لبعض البضائع بدخول ميناء الحديدة، إذا وافق الحوثيون على وقف إطلاق النار الكامل تحت إشراف الأمم المتحدة.
ودعا الاقتراح إلى إيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك في البنك المركزي اليمني، وهي خطوة حاسمة لإعادة إنعاش الاقتصاد اليمني ودفع رواتب الموظفين التي تأخرت لأعوام.
وشملت الشروط إجراء مفاوضات بموجب بنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، الذي يطالب الحوثيين بالتخلي عن أسلحتهم والأراضي التي استولوا عليها.
لذلك لم يكن من المستغرب رفض الحوثيين للمبادرة معتبرين أنها لم تقدم "شيئا جديدا".
وتعتبر شروط وقف إطلاق النار مشابهة لتلك التي اقترحها المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن "تيم ليندركينج"، وكذلك الاقتراح الذي قدمته الأمم المتحدة في أبريل/نيسان 2020. وجاءت مبادرة الأمم المتحدة بعد وقف إطلاق النار السعودي أحادي الجانب الذي أعلنته الرياض في 8 أبريل/نيسان 2020، والذي انهار على الفور.
ورفض الحوثيون كل هذه المبادرات، وبدلا من ذلك تمسكوا بمطلب رفع الحصار الذي تفرضه السعودية والولايات المتحدة قبل أن يوافقوا على وقف إطلاق النار، بينما يطالب السعوديون والحكومة اليمنية بوقف إطلاق النار قبل منح الامتيازات.
ومع ذلك، بالنظر إلى المكاسب الأخيرة التي حققها الحوثيون في جهودهم المستمرة للسيطرة على مدينة مأرب ذات الأهمية الاستراتيجية، فإن رفع الحصار من جانب واحد قد لا يقنعهم بوقف هجومهم الآن.
وتحظى مأرب باحتياطيات مهمة من النفط والغاز، ووفرت المدينة ملاذا لليمنيين الفارين من العنف والانتهاكات في أماكن أخرى، بما في ذلك العديد ممن يعارضون حكم الحوثيين. وتهدد هجمات الحوثيين بنزوح أكثر من مليون شخص إلى الصحراء، مدفوعين بالعنف والخوف من اضطهاد الحوثيين.
وتمثل المدينة آخر معقل للقوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من السعودية بقيادة الرئيس "هادي"، الذي لا يزال هو نفسه يعيش في المنفى في الرياض. وإذا استولى الحوثيون على مأرب، فسيعززون سيطرتهم على جزء كبير من شمال اليمن، وسيحبطون بشكل فعال حكومة "هادي". وسيكون الحوثيون بعد ذلك في وضع يسمح لهم بحكم الشمال، بينما يحكم المجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم من الإمارات، جنوب اليمن.
وقد عزز الحوثيون قوتهم على مدى 6 أعوام من الحرب، وجذبوا دعما إضافيا من إيران، وكذلك من اليمنيين اليائسين الذين لديهم استعداد للعمل لدى من يدفع من أجل إطعام عائلاتهم. ومن وجهة نظر الحوثيين، فإن وقف إطلاق النار الآن ليس في مصلحتهم بالنظر إلى موقفهم العسكري القوي. ويستفيد الحوثيون من الحرب كما يستفيدون من الحصار الذي يعزز سيطرتهم على الموارد القليلة التي تصل إلى أراضيهم.
وكذلك يستفيد الحوثيون من تصوير أنفسهم على أنهم يحمون اليمن من التدخل الأجنبي. ويتردد صدى هذه الرواية لدى العديد من اليمنيين، الذين يشعرون بالإحباط بسبب عقود من التدخل السعودي في شؤونهم وكذلك ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار التي تهدف إلى قتل أعضاء "القاعدة" ولكنها تقتل المدنيين أيضا.
وبعد 6 أعوام من الضربات الجوية السعودية المدمرة بمساعدة أمريكية، يعزز الحصار رواية الحوثيين بأنهم يدافعون عن اليمن ضد العدوان الخارجي. ومن شأن رفع الحصار وإنهاء القصف السعودي أن يقوض الرواية التي يبني عليها الحوثيون شرعيتهم، ما يؤدي بدوره إلى مزيد من الاستياء من عدم قدرتهم على الحكم بشكل فعال وانتهاكاتهم العديدة ضد المدنيين.
وبالنظر إلى أن اقتراح وقف إطلاق النار الأخير يكرر إلى حد كبير العروض التي كانت مطروحة بالفعل على الطاولة، فمن المحتمل أن يكون الهدف الأساسي للسعوديين هو إظهار أنهم يحاولون حل النزاع، وبالتالي إلقاء اللوم في الأزمة على الأعمال العدائية المستمرة للحوثيين.
وقد غرد "ليندركينج" عبر "تويتر" لدعم اقتراح السعودية لوقف إطلاق النار. ومع ذلك، إذا كان السعوديون والولايات المتحدة راغبين فعلا في إنهاء الحرب و"تخفيف معاناة الشعب اليمني"، كما ذكرت تغريدة "ليندركينج"، فكان عليهم رفع الحصار الذي يستمر في حرمان اليمنيين من الطعام والوقود. ولكن بدلا من ذلك، صعد السعوديون من الضربات الجوية على اليمن، وضربوا صنعاء وكذلك ميناء الحبوب في الصليف، ما أدى إلى تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي.
وبشكل عام، يستمر السعوديون وحكومة "هادي" في التصرف وكأن لهم اليد العليا. وتشتري الولايات المتحدة هذا الوهم بينما تتظاهر بأنها وسيط محايد، بدلا من الاعتراف بأنها تدعم جانبا واحدا في الصراع بشكل علني وتفتقر إلى المصداقية لدى الطرف الآخر. وإذا كانت إدارة "بايدن" جادة في محاولة حل الصراع في اليمن، فلا يمكن للولايات المتحدة أن تدعم السعوديين بهذا الشكل الصارخ.
وكلما طال أمد الحرب، يصبح موقف حكومة "هادي" أضعف، في حين يزداد الحوثيون قوة. وبالرغم أن السعوديين يأملون على ما يبدو في أن تتغير هذه الديناميكية، يجب على جميع الأطراف أن تدرك أن الحوثيين يواصلون تحسين موقفهم. وعلى غرار "طالبان" في أفغانستان، لدى الحوثيين مصلحة في وطن أقوى من أي تدخل أجنبي.
ويكشف الوضع في اليمن أن التدخلات العسكرية الأجنبية عادة ما تكون أطول وأكثر تكلفة مما يتوقعه المتدخل. علاوة على ذلك، يمكن لهذا التدخل الأجنبي أن يقوض الهدف الأولي. وفي حالة السعوديين، فإنهم كانوا يخشون التورط الإيراني في اليمن، ولكن عندما أطلق السعوديون عملية "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين قبل 6 أعوام، كان الدعم الإيراني للحوثيين أقل كثيرا مما عليه الآن، حيث رأت طهران أن دعم الحوثيين يتيح فرصة ذهبية لاستنزاف موارد السعودية.
ونأمل أن يكون ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" قد تعلم الدرس وعرف تكلفة إطلاق عمليات عسكرية غير ضرورية. لكن كان على اليمنيين أن يدفعوا ثمن هذا الدرس الصعب، من حياتهم وحياة أبنائهم.