متابعات-
"الحسم خلال أيام".. هكذا روجت وسائل الإعلام الموالية للمملكة العربية السعودية إعلان الحملة العسكرية ضد جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيين) في 25 مارس/آذار 2015، غير أنه بعد مرور 6 سنوات لم تفلح فيها آلة الحرب التي شاركت فيها المملكة دولا عربية أخرى، على رأسها الإمارات، في تحقيق أهدافها.
فالعملية العسكرية الخاطفة، كما جرى الإعلان عنها، لم تكن كذلك، وعمقت أزمة البلد المضطرب أصلا، وفاقمت الفاتورة الإنسانية، بحسب تأكيدات منظمات دولية، بينها الأمم المتحدة، التي أعلنت أوضاع اليمن كأسوأ أزمة إنسانية في العالم بعدما قتلت آلة الحرب نحو 9 آلاف مدني بحسب "مشروع بيانات اليمن"، فضلا عن عشرات آلاف المسلحين، بجانب ضحايا الأمراض والأوبئة والجوع وغياب الرعاية الصحية.
ومع قدوم إدارة الرئيس الأمريكي الجديد "جو بايدن"، في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، تعمقت الأزمة بإعلان واشنطن وقف دعم الحرب السعودية في اليمن وتجميد صفقات تسليح المملكة، فضلا عن إزالة جماعة الحوثيين من قوائم "الإرهاب"، وهو ما عزز من تحول السعودية من موقع الهجوم قبل 6 سنوات، إلى موقع الدفاع.
وفي هذا الإطار، جاء إعلان السعودية، الإثنين الماضي، رسميا مبادرة لإحلال السلام في اليمن، عبر مؤتمر صحفي عُقد بالرياض بمشاركة وزير الخارجية الأمير "فيصل بن فرحان بن عبدالله"، وسفير المملكة لدى اليمن "محمد بن سعيد آل جابر" والمتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العسكري العقيد الركن "تركي المالكي"، ما اعتبره مراقبون بمثابة إعلان هزيمة.
فالأهداف السياسية المعلنة لـ"عاصفة الحزم" تمثلت في تنفيذ القرار الأممي 2216، بهدف إعادة الأوضاع على الأرض إلى ما قبل انقلاب الحوثيين، في سبتمبر/أيلول 2014، واستيلائهم على صنعاء، وهو ما لم يتحقق حتى اليوم.
وبذلك تحولت الحملة العسكرية السعودية في اليمن من تطبيق حرفي لشرعية الأمم المتحدة التي تنص في فصلها السابع على أنه "يجوز استخدام القوة لثني المعتدي عن اعتدائه وإجباره بقوة القانون على الدخول في حوارات سلام مشتركة"، إلى مسارعة لإضفاء شرعية دولية على عملية انسحاب تبدو الرياض مضطرة لتنفيذها.
هذا الانعكاس في الأوضاع عبرت عنه دعوة مجلس الأمن الدولي، بإجماع أعضائه (15 دولة)، في 18 مارس/آذار الجاري، جميع الأطراف إلى "العمل مع المبعوث الأممي إلى اليمن، دون شروط مسبقة من أجل وقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية شاملة".
فما الذي خسرته السعودية لتصل إلى حد قبول تسوية بغير الثمن المعلن لـ"عاصفة الحزم"، وهو ما يصنفه خبراء الاستراتيجية والعسكرية عالميا باعتباره إعلان هزيمة؟
مأزق عسكري
الزاوية الأولى للإجابة تعود إلى تطورات المشهد الميداني اليمني والضعف الذي تعانيه القوات السعودية وحلفاؤها على الأرض، إذ يواصل الحوثيون هجومهم العنيف على مأرب، ويواصلون شن ضرباتهم في عمق المملكة حتى باتت نهجا معتادا.
وصل هذا التراجع إلى حد "الانقِلاب" في موازين القِوى على الأرض خلال العامين الأخيرين، إلى حد ترسيخ "معادلة ردع" لصالح الحوثيين، خاصة بعد تمكنهم من امتلاك طائرات مسيرة، نجحت في استهداف عديد الأهداف داخل العمق السعودي.
وفي هذا الإطار جاء إعلان وزير الدولة للقوات المسلحة البريطانية "جيمس هيبي" أن بلاده قررت وضع منظومة دفاعية متطورة في السعودية لمساعدة المملكة على التصدي لهجمات الحوثيين، مؤكدا أنه "يجب انهاء الحرب في اليمن"، وفقا لما أوردته قناة الجزيرة.
وتكشف بعض الإحصائيات التي أعلنها الحوثيون أن أزمة السعودية ميدانيا لم تعد خاصة باليمن فقط، بل في تعرض شريطها الحدودي الجنوبي لخسائر ضخمة، فضلا عن استهداف عمق المملكة بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية.
وتفيد الإحصائيات بأن قوات الحوثيين دمّرت نحو 173 آلية سعودية داخل الحد الجنوبي للمملكة، بينها 119 آلية في جيزان و31 آلية في نجران و23 في عسير، وفقا لما أورده موقع "راصد اليمن" الموالي للحوثيين.
الطائرات الحربية التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية كان لها نصيب أيضاً من الخسائر، رغم ضعف الدفاعات الجوية للحوثيين، حيث تم إسقاط طائرتين من طراز F16 اعترفت السعودية بواحدة، والأخرى أعلنت أنها سقطت بخلل فني، كما تم إسقاط 3 مروحيات حربية من نوع أباتشي، جميعها في المناطق الحدودية، إضافة الى 3 طائرات استطلاع.
وفي السياق، ذكر المغرّد الشهير "مجتهد"، المعروف بتناوله كواليس الديوان الملكي السعودي، أن خسائر القوات المسلحة السعودية الإجمالية في حرب اليمن بلغت 3500 قتيل، 6500 جريح، و430 مفقودا، فضلا عن تدمير أو تعطيل 450 دبابة ومدرعة و4 طائرات أباتشي وطائرة ف-15 وتدمير 3 زوارق واصابة 2.
الرواية الرسمية السعودية لإجمالي الخسائر المدنية والعسكرية غائبة، لكن الألم من الحرب بات الأضخم بعد قصف الحوثين بالصواريخ الباليستية والمُسيرات المُلغمة للأهداف والبنى التحتية الاقتصادية للمملكة، لاسيما شركة النفط العملاقة (أرامكو) ومصافيها وموانئها، في الرياض وجدة وخميس مشيط وأبها وجيزان والدمام ورأس تنورة.
فشل سياسي
ولا يبدو الموقف السعودي على مستوى التسوية السياسية أفضل حالا من نظيره العسكري، إذ قوبلت مبادرة المملكة لإحلال السلام في اليمن بالرفض والتّشكيك من قبل الحوثيين، وعاد الحِوار بالغارات الجوية والصاروخية بين الجانبين قبل أن تُكمِل المُبادرة 24 ساعة من عمرها.
كما أن بنود المبادرة صبت باتجاه اعتبارها بمثابة إعلان هزيمة من قبل عديد المراقبين، إذ تضمّنت تّنازلات على درجةٍ كبيرةٍ من الأهمية مِثل إعادة فتح مطار صنعاء جُزئيًّا، ورفع حِصار مشروط على ميناء الحديدة، ووضع العوائد من الرّسوم والجمارك في حِساب مصرفي مُشترك بالمدينة.
كما تضمنت المبادرة بدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية برعاية الأمم المتحدة، وهو ما اعتبره مدير تحرير صحيفة يافع نيوز "أديب السيد" بمثابة تجاوز عملي لشرعية الرئيس اليمني "عبدربه منصور هادي".
ويتوقع "السيد" أن تؤول المبادرة السعودية في النهاية إلى نقل صلاحيات "هادي" عمليا إلى الحكومة اليمنية بما يمهد لتقاسم سلطة على أساس تغيير نائب الرئيس اليمني لصالح تعيين بديل "حوثي" له، وهو المقترح الذي سبق أن قدمه "جون كيري"، وزير الخارجية الأمريكي إبان عهد الرئيس الأسبق "باراك أوباما".
ويعزز من هذا التوقع أن الخارطة السياسية للتحالف الذي تقوده السعودية انفطر تقريبا، بعدما تركت الإمارات حليفتها وحيدة، وباتت طبيعة مشاركة السودان بالتحالف محل شك.
فالإمارات، رغم تحالفها الوطيد مع السعودية، استقلت بمشروعها الخاص في اليمن، وعملت على إنشاء قوى موالية لها، وسط اتهامات لها من الحكومة اليمنية الشرعية بـ"محاولة احتلال" مناطق من البلاد، أو إعادة تقسيمها إلى شمال وجنوب.
والعام الماضي، انسحبت القوات الإماراتية من اليمن، تاركة وراءها قوى موالية لها في الجنوب اليمني، وسط غموض بشأن مدى تواجدها إلى جانب الرياض منذ ذلك الحين في إدارة الملف، وما إذا بقيت في "التحالف" أطراف أخرى مع السعودية.
ولذى يرى رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم "عبدالباري عطوان" أن المبادرة السعوديّة لإحلال السلام في اليمن جاءت في التّوقيت الخطأ، واعتبرها مُحاولةً لتقليص الخسائر، واعتِراف مهم بفشل الحرب وعدم إعطائها النّتائج المأمولة.
ونقل "عطوان" عن خبير عسكري غربي تقديرا مفاده أن الحوثيون أداروا أزمة حرب الأعوام الستة بكفاءةٍ عالية، عبر تبنّيهم لسياسة "الصّبر الاستراتيجي طويل النّفس"، حتى أصبحوا هُم من يحدد "قواعد الاشتباك".
أزمة اقتصادية
وإذا كان الوضعين العسكري والسياسي ضاغطين باتجاه تنازلات سعودية لإنهاء حرب اليمن، فإن خسائر المملكة الاقتصادية جعلت من الصعب عليها تمديد عملياتها العسكرية بأي حال، وهي الخسائر التي أورد "مجتهد" أنها بلغت 200 مليار ريال، أي بمعدل 750 مليون ريال يومياً.
وتمثل تلك الكلفة وقود العمليات العسكرية وخسائر الآليات وإدارة العمليات، فضلا عن المساعدات الإنسانية وغيرها، وهو ما يرشح عديد المراقبين تفاقمه عبر "الثمن" الذي يُتوقع أن تدفعه الرياض نظير إبرام تسوية سياسية في اليمن.
فالحوثيون لا يطالبون فقط بتعويضاتٍ ماليّة عن خسائر الحرب، بل إن متحدثهم "محمد الحوثي" طالب ببندين في أي تسوية سياسية، أحدهما يضمن دفع السعوديّة لرواتب اليمنيين لمُدّة 10 سنوات مقبلة، والثاني يوفر الأموال اللازمة لإعادة إعمار اليمن وتحمّل كُل تكاليفه، وفقا لما أوردته شبكة BBC.
الخلاصة في كشف حساب السعودية في 6 أعوام أن من أشعل فتيل الحرب لم يعد بإمكانه وقفها، ما يعني دفع أن إنهاء تلك الحرب سيكون كلفة بحد ذاتها، فضلا عن كلفة دفعتها الرياض فعليا، وأدت إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخ المملكة تزامن مع تراجع كبير لأسعار النفط.
ومع تداعيات جائحة كورونا منذ بداية العام الماضي، تبدو السعودية أمام مأزق اقتصادي يدفعها باتجاه أسرع إنهاء ممكن لاحتمالات استهداف عمقها بصواريخ وطائرات الحوثيين المسيرة.