الخليج أونلاين-
برعاية سعودية توصلت الحكومة اليمنية إلى اتفاق مع المجلس الانتقالي الجنوبي لإنهاء الخلاف بينهما، على الرغم مما يحمله من مخاطر محتملة على وحدة اليمن، لكن ذلك الاتفاق يسير نحو الفشل.
ولم يكن ما أقدم عليه المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، بإعلانه في 25 أبريل الماضي حكماً ذاتياً جنوب البلاد، مجرد استجابة متأخرة لحالة احتقان ناجمة عن تضاؤل فرص تنفيذ "اتفاق الرياض"، بل كان مؤشراً واضحاً لما يهدف له منذ وقتٍ مبكر نحو الانفصال.
وبدا ذلك واضحاً، فعلى الرغم من مشاركة الانتقالي ضمن الحكومة المشكلة مؤخراً، فإنه ومنذ اليوم الأول لوصولها إلى عدن وضع العقبات الكثيرة التي أفشلت أي تحركات لها، ما دفع أعضاءها لمغادرة البلاد، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما الذي يمكن أن تقوم به السعودية لإنقاذ هذا الاتفاق.
الحكومة تغادر عدن
مع تكثيف الانتقالي ضغوطه على أعضاء الحكومة اليمنية غادر أعضاء الحكومة اليمنية مدينة عدن (جنوب البلاد)، في الـ27 من مارس 2021، باستثناء الوزراء المحسوبين على المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً.
وقالت وسائل إعلام يمنية لقناة "الجزيرة مباشر" إن أعضاء الحكومة غادروا عدن، بعد دعوات محتجين لاقتحام قصر المعاشيق الرئاسي حيث مقر الحكومة.
في حين قال موقع "الحرف 28" اليمني إن وزير الداخلية، اللواء الركن إبراهيم علي حيدان، المحسوب على الرئيس اليمني، لم يغادر المدينة، وسط أنباء عن محاصرة مقر إقامته من قبل مسلحي الانتقالي.
لكن الحكومة اليمنية حاولت نفي تلك الأنباء، بقولها إنه لا صحة لما يتم الترويج له مما أسمتها بـ"الإشاعات المغرضة عن مغادرة الوزراء"، قائلة إن سفر أي عضو في الحكومة "يرتبط بالمهام الرسمية واحتياجات العمل ويتم العودة مباشرة إلى العاصمة المؤقتة حال انتهاء المهمة".
لكن موقع "إرم نيوز" الإماراتي نقل عن المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، علي الكثيري، قوله إن "وزراء المجلس الانتقالي لم يغادروا مدينة عدن باتجاه الرياض كما هو حال بقية وزراء الحكومة اليمنية"، في إشارة إلى مغادرة بقية أعضاء الحكومة، في وقتٍ تقول مصادر إن بعض الوزراء لا يزالون موجودين بعدن، أحدهم وزير الداخلية الذي تحاصره قوات الانتقالي في مقر إقامته.
وفي 18 ديسمبر الماضي، شكلت الحكومة اليمنية الجديدة مناصفة بين الشمال والجنوب، وحاز المجلس الانتقالي الجنوبي 5 حقائب فيها من أصل 24، ووصلت عدن أواخر الشهر ذاته.
اقتحام معاشيق
مغادرة أعضاء الحكومة اليمنية جاء بعد نحو أسبوعين من اقتحام محتجين من أتباع المجلس الانتقالي الجنوبي الممول من الإمارات، في 16 مارس 2021، قصر المعاشيق مقر إقامة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في العاصمة المؤقتة.
ويومها قالت وسائل إعلام يمنية إن "الانتقالي" دفع بأنصاره لاقتحام قصر المعاشيق، وانسحبت أمامهم قوات الحماية الخاصة بالقصر، التي تتبع المجلس نفسه، رافعين لافتات وشعارات تطالب برحيل الحكومة
وجاءت هذه الحادثة بعد يوم من اقتحام مماثل قام به أنصار "الانتقالي" لمقر السلطة المحلية بمدينة سيئون بمحافظة حضرموت (شرق)، قبل أن تتمكن قوات الجيش من طردهم.
كما جاء هذا التصعيد بالتزامن مع إطلاق قيادات الانتقالي تصريحات متكررة ضد الحكومة، كان آخرها في الـ15 من مارس 2021، حينما دعا القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي ناصر الخبجي، أبناء محافظات الجنوب إلى "الاستعداد لكافة الخيارات المفتوحة، وكبح جماح القوى المأزومة والفاشلة، التي تحاول إرباك المشهد واستهداف الجنوب وممثله السياسي والوطني والشعبي، المجلس الانتقالي الجنوبي".
الجانب العسكري
يعتقد مستشار وزير الإعلام اليمني مختار الرحبي أن تنفيذ اتفاق الرياض لن يحدث "ما دامت مليشيات الانتقالي ما تزال تسيطر على مدينة عدن".
الرحبي في حديثه لـ"الخليج أونلاين" يؤكد أن المليشيا التي تتهم الإمارات بدعمها "لا تزال تسيطر على كل مفاصل الدولة المدنية والعسكرية، وترفض تطبيق الجانب العسكري من الاتفاق".
ويرى أن بإمكان السعودية إنقاذ هذا الاتفاق من خلال "موقف حازم يجبر الانتقالي على تطبيق الشق العسكري والأمني من الاتفاق، الذي لا يزال يرفضه حتى الآن".
ويضيف: "بدون تسليم الجوانب الأمنية والعسكرية للحكومة تظل الحكومة حبيسة معاشيق ولا تستطيع التحرك بدون إذن المليشيات".
كما يرى أيضاً أن هناك فرصة سانحة لتنفيذ اتفاق الرياض، "خصوصاً في ظل حراك دولي من أجل إنهاء الحرب في اليمن".
اتفاق الرياض
الاتفاق بغالبية بنوده، لا سيما الأمنية والعسكرية، ظل يمثل مصدر إزعاج وقلق للمجلس الانفصالي، والإمارات، التي عمدت طيلة سنوات وجودها بمحافظة عدن جنوبي اليمن إلى بناء تشكيلات عسكرية وأمنية تدين فقط بالولاء لمصالح أبوظبي.
ويتضمن الاتفاق 29 بنداً لمعالجة الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية في الجنوب، بينها تشكيل حكومة كفاءات مناصفة بين محافظات الشمال والجنوب.
وقضى الشق السياسي بتشكيل الحكومة التي لم تستطع حتى اليوم تحقيق أي من أهدافها، لكن الشق العسكري والأمني الذي يعد الأهم لم يتحقق منه شيء حتى الآن.
وتدرك الحكومة أن مزيداً من التآكل لنفوذها السياسي والجغرافي يدفع أكثر بمخاوف تلاشيها خلال مدة قصيرة، ويعزز من هذه المخاوف الضغط العسكري المستمر من الحوثيين في الشمال، وتحديداً مأرب، ما ينذر بخسارتها لأهم وأكبر معاقلها الرئيسية.
إرباك السعودية
الناشط السياسي أحمد هزاع، يرى أن الانتقالي الجنوبي "يتحرك عادة في وقت حساس جداً"، لافتاً إلى ما تمر به مأرب من معارك على أشدها "والسعودية تتعرض يومياً للقصف وضغوط أمريكية وأممية على الرياض لإنجاز صيغة سلام مع الحوثي ولو حساب القضية اليمنية".
ويشير إلى أن هذا التحرك في توقيت كهذا "هدفه إرباك السعودية"، لافتاً في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن التخادم بين الحوثي والانتقالي "بات معروفاً فكلما تعرض الحوثي لنكسة أو انكسر مشروعه خرج الانتقالي من تحت عباءة الإمارات منتفضاً ضد الحكومة المشارك فيها وضد السعودية التي تدعمه، وضد الوحدة والجمهورية".
ويعتقد أن السعودية في هذه الحالة "لا يمكنها التعامل مع ضغوط اتفاق الرياض، خصوصاً أنها كانت تأمل قبل ثلاثة أشهر أنها أنجزته أو الكثير منه".
ويضيف: "نجحت أبوظبي في جعل الرياض في حالة تيه وبلا حيلة في اليمن، وفي الجنوب على وجه التحديد، ليتسنى لها العبث كيفما تريد".
وتابع: "الحكومة ستبقى خلال الفترة القادمة في الرياض، وعلى الأرض سيواصل الانتقالي افتراس الدولة والعبث بمقدراتها والذهاب بعيداً في مشروعه الانفصالي، وستفيق الرياض ولكن بعد فوات الأوان وسيكون الوقت قد تأخر والكلفة قد تضاعفت".