الخليج أونلاين-
بدأت المملكة عملياتها العسكرية في اليمن في مارس عام 2015، دعماً للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وبعد مرور 6 سنوات على الحرب تجد نفسها وسط ضغوط دولية كبيرة تطالبها بوقف الحرب وسحب قواتها من اليمن.
ورغم كل الضغوط التي تتعرض لها المملكة فإنها تجدد رفضها الانسحاب في الوقت الحالي، حيث يُعتبر الوضع باليمن هشاً للغاية، ما قد يزيد من سوء الأوضاع هناك، ويجعل اليمن أمام حروب داخلية دموية.
ولعل الانسحاب الإماراتي، العام الماضي، أضعف التحالف وجعل الثقل الأكبر على السعودية، إلا أن ذلك لم يثنِ الرياض عن مواصلة دورها باليمن، ما يضع تساؤلات عن سر رفض سحب قواتها في الوقت الحالي.
لا انسحاب حالي
في مقال رأي نشرته صحيفة "تليغراف" البريطانية قال سفير السعودية في المملكة المتحدة، خالد بن بندر بن سلطان آل سعود، إن انسحاب قوات بلاده من اليمن لن يفضي إلى السلام المنشود في اليمن، مشيراً إلى أن المملكة لا تستطيع أن تنسحب ببساطة من هناك في الوقت الحالي.
وأضاف: "نحن بحاجة إلى أن نكون واقعيين بشأن ما سيحدث؛ إذا غادرنا من جانب واحد فلن ينتهي الصراع، وقد يبدأ فصل دموي جديد مع زيادة عدد القتلى من المدنيين، ولن تتمكن المساعدات الإنسانية المتاح لها أن تتدفق حالياً إلى المنطقة من الاستمرار".
وأشار السفير السعودي إلى استمرار وجود "أكثر من 2000 جندي أمريكي في أفغانستان اليوم، بعد ما يقرب من 20 عاماً من تدخل أمريكا لأول مرة في ذلك البلد".
وأردف أن بلاده جادة في تحقيق مبادرات السلام التي أعلنتها لحل أزمة اليمن واقتراح آخر لوقف إطلاق النار في ظل تهديد حقيقي بالمجاعة في البلاد، مؤكداً أن "هناك مجموعة من العقبات يجب تجاوزها أولاً، قبل أن نتمكن من إيجاد حل للحاضر، نحتاج إلى فهم الماضي".
وأكمل: "المملكة تدخلت في بادئ الأمر لدعم الحكومة اليمنية، بدعم من قرار من مجلس الأمن، ضد منظمة كانت تحاول الإطاحة بالحكومة بوسائل عسكرية، منذ ذلك الحين حاولنا مراراً وتكراراً جلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات، لإيجاد طريق لإنهاء الصراع".
ضغوط دولية
خلال العامين الأخيرين شدد الغرب موقفه المطالب بانسحاب القوات السعودية من اليمن، وتطالب هذه القوى بوضع نهاية للحرب التي أشعلها الحوثيين في سبتمبر 2014، وسقط فيها أكثر من عشرة آلاف قتيل ودفعت اليمن إلى شفا المجاعة.
وساهم في هذه الضغوط الدولية إعلان الإمارات، في منتصف 2019، سحباً جزئياً لقواتها، ثم في فبراير 2020، سحب جميع قواتها من اليمن والاكتفاء بالاعتماد على قوات محلية حليفة لها، لتنفيذ سياساتها والحفاظ على مصالحها.
وفي 21 فبراير 2021، صوت البرلمان الأوروبي بالأغلبية على مشروع قرار يدعو لانسحاب جميع القوات الأجنبية من اليمن لتسهيل الحوار السياسي بين أطراف النزاع، وقال إنه لا حل للأزمة إلا عبر مفاوضات بقيادة يمنية تشمل جميع مكونات الشعب.
وبسبب الضغوط الدولية على المملكة العربية السعودية قدمت الرياض، الاثنين 22 من مارس 2021، مبادرة بناء على مقترح الحوثيين الذين ظلوا لسنوات يتذرعون بالأزمة الإنسانية، التي قالوا إنها ناتجة عن إغلاق مطار صنعاء وموانئ الحديدة، ورحبت الحكومة اليمنية بالمبادرة السعودية مقدمة بذلك تنازلات كبيرة، لكن الحوثيين رفضوا ورفعوا سقف مطالبهم بوقف كلي للحرب.
سيناريو كارثي
السيناريو الذي يتم التحدث عنه بهذا الشكل "يعد كارثياً جداً"، هكذا وصف المحلل السياسي اليمني محمد المخلافي فكرة انسحاب القوات السعودية من اليمن حالياً، مشيراً إلى أن المملكة العربية السعودية تدرك هذا الأمر.
ويرى أن المبادرة السعودية للسلام التي طرحتها مؤخراً "كانت عبارة عن انحناء للرياح والعاصفة القوية التي هبت دولياً من الولايات المتحدة الأمريكية، التي جمعت حولها أصواتاً كثيرة في أوروبا، برغبة جامحة في السلام في اليمن وتجنب تداعيات استمرار الحرب الكارثية على الوضع الإنساني".
ويضيف لـ"الخليج أونلاين": "كانت المبادرة عبارة عن توضيح للصورة وقشع للضباب الذي حام حول القضية اليمنية لدى كثير من وسائل الإعلام، أكثر من كونها مبادرة حقيقية؛ لأن الحوثي من الصعب أن يقبل بها كما هي".
وتابع: "كما يقولون: الشيطان يكمن في التفاصيل، هذه التفاصيل التي يتم مناقشتها أو مناقشة بعض ملامحها، كفتح مطار صنعاء ورفع القيود الجوية على المطارات التي تحت سيطرة الحوثيين".
ويؤكد أن سيناريو الانسحاب "كارثي وغير مطروح؛ لأنه يعد أو سيفسر برفع الراية البيضاء من قبل المملكة لإيران في اليمن، والتي بدورها تحولت إلى حلبة صراع واضحة ما بين الشرعية ومن خلفها السعودية، وما بين الإيرانيين المساندين للحوثي، وبالذات بعد وصول حسن إيرلو إلى صنعاء".
ويلفت إلى ما أسماها بـ"النماذج الواضحة أمام السعودية في المنطقة، مثل ترك العراق لعقلية السياسي الأمريكي التي أدت في نهاية الأمر إلى تفاهمات مع إيران وتسليمها العراق، وأوصل الأمر إلى ما وصل إليه من إطلاق المسيرات على مناطق كان يفترض أن تكون آمنة في السعودية، بحكم أن العراق يمتلك جيشاً ودولة".
ويضيف: "من ثم فالمملكة لا تريد تكرار هذا السيناريو مجدداً فيما يسميها السياسيون الدوليون الفناء الخلفي للمملكة العربية السعودية، وهو اليمن بتأثيراته التاريخية في السياسة اليمنية، هذا السيناريو لا يمكن أن يتكرر في اليمن".
ويجدد تأكيده أن هذا السيناريو "مستبعد تماماً رغم المناورة السياسية التي تقوم بها الآن مع الحوثيين، التي لا بد أن يكون اللعب بها بذكاء؛ فبالتأكيد أن الحوثيين وإيران يمتلكون مهارة عالية في المراوغة في المفاوضات خلال المحادثات السياسية".
الانسحاب تسليم للحوثي
المحلل السياسي كمال السلامي يرى أيضاً أن انسحاب السعودية دون إتمام مهمة التحالف التي أطلق عمليته من أجلها، والمتمثلة بإعادة الشرعية إلى صنعاء، "يعني تسليماً واعترافاً بسلطة الحوثيين".
ويرى أن الانسحاب "في ظل المعطيات القائمة يعني فشلاً في الحرب، وهذا يمنح الحوثيين النصر الذي يسعون إليه"، حسب حديثه لـ"الخليج أونلاين".
ويضيف: "من أهم تداعيات هذا الانسحاب لو حدث هو منح الحوثي فرصة جديدة للاستفراد بالجبهات الداخلية، مع الإشارة إلى حال الجيش اليمني، وعدم دعم التحالف له والمساهمة في رفع كفاءته وتسليحه".
وأكد أن الرياض "لا تزال تقاوم الضغوط بغية تحسين شروط التفاوض، في ظل ارتفاع سقف مطالب الحوثي، وارتفاع وتيرة هجماته داخلياً وعلى الأراضي السعودية".
ويعتقد أيضاً أن السعودية "لم تحصل على الضمانات الكافية بوقف هجمات الحوثي".
وتابع: "يبدو أن الرياض تنظر للحوثي بطريقة مختلفة، تقوم على أساس البحث عن كيفية تحييد خطره على أراضيها، بعيداً عن هدف إقصائه عن المشهد في اليمن".