ستاسا سالكانين- إنسايد أرابيا – ترجمة الخليج الجديد-
يكتنف الغموض بناء قاعدة جوية جديدة في جزيرة ميون اليمنية ذات الموقع الاستراتيجي. وما يزال من غير الواضح تمامًا من يقف وراء البناء، إلا أن الكثيرين يوجهون أصابع الاتهام إلى أبوظبي، وفقًا لتقرير "أسوشيتد برس".
ورد التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن على مقال "أسوشيتد برس"، مشيرًا إلى أنه "أنشأ وجودًا على الجزيرة الاستراتيجية لمواجهة التهديدات الحوثية لحركة التجارة البحرية". ومع ذلك، فإن بيان التحالف لم يذكر اسم المسؤول الفعلي عن بناء المنشأة الجديدة.
ويجلب تقرير "أسوشيتد برس" المزيد من الغموض حول الجزيرة. وفي منتصف يونيو/حزيران، اعترف "طارق صالح"، ابن شقيق الرئيس اليمني الراحل، بأن مقاتليه المدعومين من الإمارات كانوا متمركزين في جزيرة في منطقة بحرية مهمة. في الوقت نفسه، تم رصد سفينتين إماراتيتين على الأقل في طريقهما إلى ميون.
وتقع ميون على بعد حوالي 3.5 كيلومتر (2 ميل) من الحافة الجنوبية الغربية لليمن. ولكن الأهم من ذلك أنها تطل على مضيق باب المندب، أحد أكثر الطرق البحرية ازدحامًا في العالم، وهو ضروري لحركة التجارة والطاقة. وقد استغلت القوى العظمى موقع الجزيرة الاستراتيجي منذ قرون، خاصة بعد افتتاح قناة السويس.
بدأت القصة الحديثة لقاعدة ميون الجوية في عام 2015، بعد أن استعادت الإمارات والقوات المتحالفة معها الجزيرة من ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران. وفي عام 2016، بدأت الإمارات في بناء مدرج ضخم بطول 3 كيلومترات مناسب لهبوط القاذفات الثقيلة. ومع ذلك، تم التخلي عن الأعمال في عام 2017، بعد أن قيل إن المهندسين واجهوا مشاكل فنية تتعلق بالطبيعة البركانية للجزيرة وعدم القدرة على دمج مهبط الطائرات القديم بالمهبط الجديد.
وبالفعل، فإن بيانات الشحن التي جمعتها شركة "ريفينيتف" التي تتعقب إشارات السفن، ربطت بوضوح دولة الإمارات بجهود إنشاء القاعدة الجوية في الجزيرة. ومع ذلك، لم يكن واضحًا من يقف وراء أعمال البناء الأخيرة.
أفادت وكالة "أسوشيتد برس" أن العمل في الموقع تواصل مرة أخرى في فبراير/شباط، ودعمت ادعاءاتها بصور الأقمار الصناعية للجزيرة، والتي تظهر بناء مدرج جديد بطول 1.85 كيلومتر، والذي سيكون كافيا لتنفيذد هجمات ولأغراض المراقبة ولخدمة طائرات النقل. لكن وكالة الأنباء لم تذكر أي وجود للقوات الإماراتية في الجزيرة.
ووفقًا لـ"ريمان الحمداني"، الزميل الزائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فمن المرجح أن القوات المدعومة من الإمارات والسعودية مثل "كتائب العمالقة" و"قوات طارق" و"قوات صالح" مسؤولون عن القاعدة الجديدة.
ويدعم "أليكس ألميدا"، محلل الأمن الرئيسي في "هوريزون كلاينت أكسيس" وهي شركة استشارية رائدة في مجال المخاطر، هذا الرأي. ويقول إنه بالرغم من انسحاب الإماراتيين مؤخرًا من قاعدتهم الجوية في عصب في إريتريا، فمن المحتمل أنهم ما زالوا يريدون الحفاظ على وجودهم لمراقبة باب المندب. وقال: "كل هذا مؤشر قوي على أن مهبط الطائرات إماراتي بالرغم من احتمال أن يكون هناك مكون سعودي أيضًا".
ولا يعتبر اهتمام الإمارات بجزيرة ميون مفاجأة، حيث كانت أبوظبي مهتمة للغاية بإنشاء قاعدة تجسس في سقطرى (جزيرة يمنية أخرى تقع بالقرب من خليج عدن في بحر العرب) بالتنسيق مع إسرائيل. كما تم التركيز على مضيق باب المندب لعقود.
لكن جزيرة ميون ربما تكون حلاً أكثر جاذبية من سقطرى، لأنها نائية جغرافياً ومعزولة عن الصراع الرئيسي في اليمن، وعدد سكانها ضئيل للغاية، وتقع مباشرة على باب المندب. ويعتقد "ألميدا" أن وجودًا صغيرًا في منطقة ميون سيسمح للإمارات بمراقبة باب المندب ونشاط التهريب البحري الإيراني حول اليمن والقرن الأفريقي دون الانجرار مرة أخرى إلى الصراع.
ويرى. "ألميدا" أنه لا توجد مؤشرات على أن الإماراتيين يستعدون لوجود طويل الأمد في ميون، مضيفا أن "أعمال البناء حتى الآن تشير إلى وجود صغير الحجم للغاية، وليس قاعدة جوية دائمة كبيرة قد تنطوي على إعادة تموضع للأصول التي كانت موجودة سابقًا في عصب في إريتريا".
وأشار "ألميدا" إلى أنه من الممكن أن يقوم الإماراتيون بتطوير مهبط طائرات ميون إلى موقع يمكن للقوات الإماراتية الوصول إليه بشكل دوري دون الحاجة إلى وجود دائم.
بطريقة مماثلة، تحتفظ الإمارات بقوة عمل صغيرة لمكافحة الإرهاب في اليمن تركز على الفرع المحلي للقاعدة مع تواجد فريق صغير في بلحاف في شبوة وقاعدة الريان الجوية في حضرموت. ومع ذلك، يدّعي "الحمداني" أن الإمارات قد أنشأت بالفعل وجودًا طويل الأمد في اليمن من خلال تمويل وكلائها، وتعزيز شبكات أقوى مع اليمنيين الجنوبيين، واستضافة وتمويل "المجلس الانتقالي الجنوبي" والجهات التابعة.
وقال بيان التحالف إن الإمارات "تقدم دعما جويا دفاعيا" لمدينة مأرب اليمنية، التي تحاصرها قوات الحوثي.
ومع ذلك، طالب العديد من المشرعين اليمنيين بإجابات بشأن القاعدة قبل يوم واحد فقط من إصدار بيان التحالف. وذهب "محمد قيسان"، وكيل وزارة الإعلام اليمنية، إلى أبعد من ذلك بقوله إن الإمارات "تلاعبت" بجزيرة ميون، وانتقد الإمارات على "دعمها المستمر للميليشيات المسلحة بشكل غير قانوني في المناطق المحررة".
وتثير هذه التعليقات شكوك حول التنسيق داخل التحالف المناهض للحوثيين بقيادة السعودية، لا سيما بين الإمارات والسعودية والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بقيادة الرئيس "عبدربه منصور هادي". لكن من وجهة نظر "ألميدا"، فإن انتقال الإمارات إلى ميون كان بالتنسيق مع السعوديين بشكل شبه مؤكد.
ومن الممكن أن يبدأ الإماراتيون العمل في جزيرة ميون دون إخطار حكومة "هادي" لا سيما وأن الإماراتيين حافظوا بالفعل على وجود متقطع ومكرر في الجزيرة منذ عام 2015. كما أن الحكومة التي تتخذ من الرياض مقراً لها لم يكن لها تأثير كبير على الأرض في هذا الجزء من اليمن منذ سنوات.
ومع ذلك، أشار "عبدالغني الإرياني"، الباحث الأول في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إلى أن هناك شائعات حول ضغوط إماراتية وسعودية على الرئيس "هادي" لتوقيع اتفاقيات تمنحهما حقوقًا واسعة داخل أراضي اليمن.
وفي حديثه إلى موقع "إنسايد أرابيا"، أوضح "الإرياني" أن "الدستور اليمني لا يمنح الرئيس أو أي فرد في الحكومة سلطة التوقيع على السيادة اليمنية أو أي جزء منها. ولن يكون لهذه الوثائق، إذا وقعها هادي، أي قيمة في القانون اليمني أو الدولي".
ولكن بالرغم من التعاون المحتمل للغاية بشأن قضية جزيرة ميون، أكّد "الحمداني" أن الإمارات والسعودية تتنافسان بهدوء في اليمن لتعزيز مصالحهما، كما يتضح من الحرب بالوكالة / الحرب الباردة في محافظة المهرة شرقي اليمن. كما تظهر خلافاتهما في فشلهم في إجبار القوات التي يدعمها الجانبان على تنفيذ اتفاق الرياض.
بحسب "الإرياني"، فإن الوجود الإماراتي في اليمن ليس فقط ضد رغبات الحكومة المعترف بها دوليًا، بل هو معادٍ لها بشكل علني، خاصة مع تذكر الضربات الجوية الإماراتية القاتلة ضد القوات الحكومية أواخر أغسطس/آب 2019.
وبالرغم أن الإمارات والسعودية يبدوان معا فمن الواضح أن هناك أهدافًا متعارضة في اليمن، نظرًا لأن "الإمارات نفذت الكثير من الخطوات التي تزعج السعوديين". وفي الوقت نفسه، كان الإماراتيون حريصين للغاية على عدم الانجرار مرة أخرى إلى الصراع الرئيسي مع الحوثيين.
ويمكن أيضًا تفسير القاعدة الجوية الإماراتية الغامضة في جزيرة ميون على أنها تحول أوسع في نهج السياسة الخارجية لأبوظبي، بعيدًا عن استخدام القوة الخشنة مباشرة وباتجاه نهج قوة أكثر ليونة، وفقًا لما ذكره "ألميدا". وأوضح أن هذا لا يعني أن الإمارات ستنفصل عن القرن الأفريقي، لكن الجهود العسكرية والأمنية تشغل مقعدًا خلفيًا لمشاريع الدبلوماسية والتنمية والبنية التحتية.
ومع تورط القوات العسكرية الإريترية في نزاع تيجراي في إثيوبيا، يشير "ألميدا" إلى أنه من المحتمل أن يكون قرار الإمارات بالانسحاب من عصب في إريتريا متأثرًا أيضًا بالرغبة في عدم الانجرار إلى هذا الصراع أيضًا.
وبالتالي فإن مطار ميون هو وسيلة الإمارات لمراقبة باب المندب دون الحفاظ على وجود عسكري كبير في المنطقة أو الانجرار إلى القتال في اليمن أو إثيوبيا وإريتريا.