المعهد الملكي للخدمات المتحدة - موسى الخروصي وتوبياس بورك - ترجمة الخليج الجديد-
بينما تراوح الجهود الدولية لإنهاء الحرب في اليمن والأزمة الإنسانية المصاحبة لها مكانها، يمكن أن توفر جهود الوساطة العمانية بعض الأمل في إحراز تقدم.
فعمل المبعوث الجديد للأمم المتحدة إلى اليمن "هانز جروندبرج" متعطل. ويبدو أن المفاوضات لإنهاء الحرب التي عصفت بالبلاد منذ عام 2014، وتسببت في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، قد توقفت.
إذ يطالب الحوثيون، الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ومساحات شاسعة من شمال غربي البلاد، بفتح جميع "المطارات والموانئ" قبل النظر في أي عرض لوقف إطلاق النار.
كما لا تريد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والتحالف العربي الذي تقوده السعودية الذي يدعمها رفع القيود المفروضة على الطرق البحرية والجوية المؤدية إلى الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون قبل الاتفاق على وقف إطلاق النار.
وللخروج من هذا المأزق، سيحتاج "جروندبرج" إلى كل مساعدة يمكنه الحصول عليها.
ويبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" مستعدة لزيادة جهودها، بما في ذلك الإعلان مطلع أغسطس/آب عن زيادة مخصصاتها من المساعدات الإنسانية لليمن بمبلغ إضافي قدره 165 مليون دولار. كما زار المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن "تيم ليندركينج"، ونائبة وزيرة الخارجية الأمريكية "ويندي شيرمان" منطقة الخليج في الأسابيع الأخيرة للدفع باتجاه تحقيق اختراق دبلوماسي في الأزمة اليمنية، وإن لم يسفر عن ذلك حتى الآن إلا نتائج هزيلة.
كما تحرص المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي (الذي مثله "جروندبرج" كسفير في اليمن قبل تعيينه في الأمم المتحدة) على إيجاد حل، وروسيا والصين لديهما القليل من الاهتمام بإطالة أمد الحرب أيضا.
في ظل ذلك، تعد سلطنة عُمان أحد الفاعلين الذين قد يكونون قادرين على تقديم مساهمة مهمة.
فقد تفتقر السلطنة إلى القوة لممارسة تأثير مباشر على الصراع في اليمن، لكنها واحدة من الدول القليلة في المنطقة التي تحافظ على علاقات بناءة مع الأطراف المتحاربة الرئيسية من جميع الأطراف.
وقد شارك وزير الخارجية العماني "بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي" حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد "إبراهيم رئيسي" في أغسطس/آب؛ ما جعله أرفع ممثل من دول الخليج في ذلك الحدث.
وتتمتع مسقط أيضا بعلاقات جيدة مع حكومة الرئيس اليمني "عبدربه منصور هادي"، وكذلك مع جماعة "الحوثي"؛ حيث زار وفد من المكتب السلطاني العماني زعيم الجماعة "عبدالملك الحوثي" في يونيو/حزيران الماضي.
علاوة على ذلك، يبدو أن السلطان "هيثم بن طارق"، الذي خلف السلطان "قابوس" في يناير/كانون الثاني 2020، حريص على إحياء دور عُمان كواحدة من أهم ميسري الحوار والوساطة في المنطقة.
فعلى مدار نصف قرن مضى، حرصت عُمان بشكل عام على البقاء على الحياد في العديد من النزاعات السياسية والصراعات العنيفة في الشرق الأوسط.
ورفضت الانضمام إلى الدول العربية الأخرى في قطع العلاقات مع مصر بعد أن أبرمت الأخيرة اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1978.
كما احتفظت السلطنة بعلاقاتها مع النظام السوري خلال العقد الماضي، ولم تنحز إلى أي طرف في الأزمة الخليجية (2017-2021) بين قطر من جانب وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جانب آخر.
ولعقود، حافظت مسقط بثبات أيضا على علاقة ودية مع إيران، حتى مع أن معظم دول الخليج الأخرى رأت أن طهران تعمل على تأجيج نيران عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك اليمن.
وفي عام 2012، مكن ذلك عُمان من المساعدة في التوسط في المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، التي أدت في النهاية إلى توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني عام 2015.
لم تنضم عُمان أيضا إلى التحالف الذي تقوده السعودية، والذي تدخل في اليمن عام 2015.
لكن بخلاف تقديم بعض الدعم الإنساني، لا سيما على طول حدودها المشتركة مع اليمن، لم تتمكن السلطنة في الغالب من إيصال صوتها في الجهود الدولية المبذولة لانهاء الحرب هناك.
وكان هذا نتيجة لعوامل داخلية؛ حيث كانت البلاد تعاني من مشاكل اقتصادية وتقترب من انتقال معقد للسلطة مع مرض السلطان "قابوس" في السنوات القليلة الماضية من حكمه.
وفيما يتعلق بالحرب في اليمن، تم اعتماد مستوى تحرك محدود خُصص لإدارة أي تداعيات مباشرة على الأمن القومي العماني.
قد يتغير هذا الآن. فبعد أكثر من 18 شهرا في السلطة، مع تشكيل حكومته بالكامل، واستنادا إلى خلفيته الخاصة كأمين عام سابق في وزارة الخارجية، يبدو أن السلطان "هيثم" عازم على الوفاء بوعده في خطاب التنصيب بـ"الاستمرار على نهج السلطان الراحل قابوس" في مسائل السياسة الخارجية، وتوجيهه الدبلوماسيين العمانيين بأن "يظلوا وسطاء سلام ومساهمين في حل النزاعات" بالمنطقة.
وقد يكون التوقيت ملائما أمام نجاح السلطنة في هذا الدور.
إذ تعني التحولات الأخيرة في البيئة الإقليمية والدولية أن عُمان قد تجد جمهورا أكثر تقبلا لعرضها القيام بدور الوسيط في اليمن مقارنة بالماضي.
والأهم من ذلك، أن السعودية تبدو أكثر حرصا من أي وقت مضى على تخليص نفسها من الحرب، وأكثر انفتاحا على مبادرات الحوار - حتى من جيرانها مثل عُمان الذين لم يدعموا التدخل بشكل كامل في اليمن عام 2015.
وبعد العمل بشكل أساسي في شراكة مع الإمارات لمعظم العقد الماضي، لا سيما فيما يتعلق بالمسائل الأمنية، تبدو الرياض الآن حريصة على إعادة الانخراط مع جيرانها الآخرين.
في هذا السياق، كان هناك دفء ملحوظ في العلاقات السعودية مع عمان على مدى الأشهر التسعة الماضية.
ففي أوائل يوليو/تموز الماضي، استضاف الملك "سلمان" السلطان "هيثم" بالرياض في أول رحلة دولية للأخير منذ توليه منصبه.
كانت الأمور المتعلقة بالتعاون الاقتصادي على رأس جدول أعمال الاجتماع، لكن المزاج العام بشأن عرض عُمان لتولي دور دبلوماسي أكثر أهمية في اليمن بدا مشجعا.
وإذا كانت الرياض على استعداد بالفعل للمشاركة بشكل أكثر نشاطا من خلال القنوات العُمانية، فإن "جروندبرج" سيحقق أقصى استفادة من هذا الوضع.
وخلال إحاطة إعلامية أخيرة أمام مجلس الأمن، قال سلف "جروندبيرج"، "مارتن جريفيث": "كلنا أمل في أن تؤتي الجهود التي تقوم بها سلطنة عُمان وغيرها، وسلطنة عمان بشكل خاص... ثمارها".
قد لا تتوسط مسقط في اتفاق نهائي من تلقاء نفسها، لكنها يمكن أن تكون بمثابة وسيط لا يقدر بثمن وراء الكواليس وتثق به جميع الأطراف.