متابعات-
يُعاد اليوم، توازياً مع استمرار المفاوضات الإيرانية - السعودية التي تمضي بوتيرة ثابتة حتى الآن، الحديث عن مبادرة «وقف التصعيد الجوّي المتبادل» التي كانت صنعاء قد طرحتها في السابق ورفضتها الرياض. وإذ يبدو منطقياً بحْث الأخيرة عن تفاهمات، أقلّه موضعية، بالنظر إلى التطوّرات الميدانية الأخيرة في اليمن، والتي تسير لغير صالحها، إلّا أنه لا مؤشّرات إلى الآن على جدّية تلك التفاهمات وصدقيّتها
صنعاء | كشف عضو وفد صنعاء التفاوضي عبد الملك العجري، أمس، عن طرْح أطراف دوليّة لم يسمّها «مبادرات للسلام في اليمن»، لكنه شكّك في إمكانية سلوكها سكّة التنفيذ؛ ذلك أنه «من الطبيعي أن ترفض حكومة الفنادق والإصلاح عروض السلام، لأن عبء ومسؤولية العدوان يتحمّله غيرهم، أعني دول التحالف»، بحسب ما قال، مضيفاً: «يُطرح من أطراف دولية أن على التحالف تخفيف انخراطه في الحرب، خصوصاً وقف الغارات الجوية مقابل وقف المسيّرات والصواريخ، وعلى شرعية الفنادق تحمّل مسؤوليتهم أو قبول مبادرات السلام». وفي هذا السياق، تحدّثت مصادر مطّلعة، لـ«الأخبار»، عن وجود «نقاشات سعودية - عُمانية - إيرانية، قد ترقى إلى مستوى تفاهمات مبدئية حول وقف الغارات السعودية مقابل وقف هجمات صنعاء بالطائرات المسيّرة»، مستدركةً بأن «هكذا تفاهمات لن تدخل حيّز التنفيذ قبل الموافقة عليها من الأطراف المعنيّة بها بشكل مباشر». ولفتت المصادر إلى أن «استئناف الغارات السعودية على صنعاء بالأمس، بعد توقّف طويل، يناقض الحديث عن وجود اتفاق من هذا النوع». وجاء الحديث عن «وقف التصعيد الجوّي المتبادل»، بالتزامن مع تقدّم قوات صنعاء إلى مناطق قريبة من منشآت النفط في قطاع صافر النفطي في محافظة مأرب. لكن حتى الأمس، لم تُسجّل مؤشّرات عملية إلى صحّة تلك المعطيات، إذ إن الهجمات المتبادلة لا تزال مستمرّة.
وليست المبادرة التي يُعاد إحياؤها اليوم جديدة، إذ كانت صنعاء تقدّمت بها أواخر عام 2019، بعد أسابيع من نجاح عملية «نصر من الله» في مديرية كتاف في محافظة صعدة، حيث سقطت أربعة ألوية موالية للتحالف السعودي - الإماراتي، بكامل أفرادها وسلاحها تحت سيطرة الجيش و«اللجان الشعبية». وعلى رغم أن الرياض انفتحت على المبادرة آنذاك، وفعّلت خطوط تواصل في شأنها، إلّا أنها سرعان ما انقلبت عليها عقب انهيار القوّات التابعة لها في منطقة نهم شمال صنعاء مطلع عام 2020، ليعود الجيش و«اللجان» إلى شنّ هجمات صاروخية ضدّ مصالح ومنشآت سعودية. لاحقاً، وفي خلال اللقاءات غير المباشرة التي جرت عبر الوسيط العُماني، مع المبعوث الأميركي تيم ليندر كينغ، خلال زيارات الأخير إلى سلطنة عُمان منذ آذار الماضي، أعاد وفد صنعاء تقديم مقترحه كـ«مفتاح للسلام»، غير أنه قوبل من الجانب السعودي بالتجاهل والاستمرار في شنّ غارات يومية على عدد من المحافظات اليمنية. ومع ذلك، تَوقّفت حركة «أنصار الله» عن الإعلان عن عمليات «توازن الردع» الصاروخية ضدّ أهداف عسكرية واقتصادية سعودية، منذ أواخر حزيران وحتى مطلع أيلول من العام الجاري، لتفسح المجال أمام الوسيط العُماني لتحقيق اختراق في هذا الجانب.
بيد أن تمسّك الرياض بالنهج نفسه حمل صنعاء على تنفيذ «عملية الردع السابعة» في الرابع من أيلول الماضي، والتي مثّلت آخر عملية معلَنة في العام الجاري، فيما الهجمات غير المعلَنة لم تتوقّف خلال الشهرين الماضيين. وأدّى اشتداد هجمات الجيش و«اللجان» وتطوّرها، إلى جعل وقفها أولوية سعودية، وهو ما تُرجم في المبادرة التي أطلقتها وزارة الخارجية السعودية مطلع آذار الفائت، ومن بعدها المبادرة التي حملها ليندر كينغ إلى مسقط، لكن في مقابل شروط مِن مَثل وقف التقدّم صوب مدينة مأرب، وهو ما قوبل بالرفض من قِبَل صنعاء، التي أصرّت على فصل رفع الحصار عن مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، عن وقف إطلاق النار الشامل وبدء مفاوضات سياسية. وبالتزامن مع وصول مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، إلى الرياض ولقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أواخر أيلول الماضي، سرى حديث عن موافقة ابن سلمان على فتح مشروط لمطار صنعاء وميناء الحديدة مقابل وقف المسيّرات والصواريخ اليمنية، وفي الوقت نفسه ذكرت مصادر مطلعة أن دولة خليجية تدخّلت لدى صنعاء لتعليق هجماتها الصاروخية والجوّية، ووعدت بالتوصّل إلى حلول في شأن المطار والميناء. وبينما لم تظهر أيّ ترجمة عملية لذلك الحديث «الإيجابي»، ظلّت صنعاء على موقفها المرحّب بالجهود العُمانية، والرافض في الوقت نفسه لأيّ مقايضة بين الملفَّين الإنساني والعسكري، كما جاء في خطاب رئيس «المجلس السياسي الأعلى» مهدي المشاط، في الذكرى الـ58 لـ«ثورة 14 أكتوبر» الأسبوع الماضي.