يوسف حمود - الخليج أونلاين-
في وقتٍ يعيش اليمن أكبر أزمة في تاريخ البلاد منذ نحو نصف قرن، تمر عليه الذكرى العاشرة للمبادرة الخليجية التي هدفت إلى جمع مختلف الفرقاء السياسيين في اليمن بغرض إنهاء الأزمة التي دخلتها البلاد عقب ما عُرف بـ"ثورات الربيع العربي".
قادت المبادرة الخليجية اليمن نحو المرحلة الانتقالية، وهدفت إلى تذليل العقبات نحو انتقال سلمي للسلطة بعيداً عن الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وأيضاً مناقشة مطالب الشارع المتمثلة بإصلاحات ديمقراطية وتحقيق عدالة انتقالية، إضافة إلى تقوية مؤسسات الدولة اليمنية، وكذلك الحد من استخدام الفرقاء السياسيين للعنف، ومنع عودة النظام الاستبدادي.
لكن انقلاباً على الحكم قاده الحوثيون المدعومون من إيران، أدى إلى فشلٍ مستفحل للعملية الانتقالية في اليمن بدلالة الحرب الحالية في اليمن منذ نحو سبعة أعوام بدون توقف، على الرغم من التأكيدات الدولية بضرورة الالتزام بالمبادرة الخليجية، إلى جانب قرارات مجلس الأمن.
2011 والمبادرة الخليجية
شهد الربيع العربي في 2011 خروج مئات الآلاف من اليمنيين إلى الشارع متظاهرين لعدة أشهر ضد الرئيس صالح آنذاك، والذي بقي في السلطة لأكثر من 30 عاماً، حيث أعادت هذه الحركة الثورية تمكين المواطن اليمني العادي، ولكن في نفس الوقت زادت من زعزعة استقرار البيئة السياسية والأمنية والتي اتسمت بالخطورة قبل الاحتجاجات أصلاً.
على إثر ذلك، دشنت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية محادثات في الرياض وصنعاء بين الأطراف السياسية اليمنية المختلفة بهدف وضع حد للأزمة، وجرت المفاوضات بإشراف المبعوث الأممي والدول العشر.
تضمنت المبادرة تفاصيل عديدة لعملية التنفيذ، وألحقت بها آلية لتنفيذها، ورغم التباطؤ في التوقيع عليها من قبل الرئيس الراحل فإنه وقع عليها أخيراً في العاصمة السعودية الرياض، في 23 نوفمبر 2011، وكانت أولى مراحل تنفيذها تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في الثالث من يناير 2012، برئاسة محمد سالم باسندوة، ثم أعقبها انتخابات توافقية فاز بها الرئيس عبد ربه منصور هادي، في الـ21 من فبراير 2012.
وبموجب المبادرة خاض اليمنيون ماراثوناً لمدة عام فيما عرف بمؤتمر الحوار الوطني، خلال العام 2013، والذي خرج بوثيقة متكاملة للوضع في اليمن، وجرى الانقلاب عليها لاحقاً، مع إسقاط جماعة الحوثي للحكومة نهاية العام 2014 بالتحالف مع الرئيس السابق صالح.
أزمات واتفاقيات
عاش اليمن من 2011 إلى نهاية 2014 ثلاثة اتفاقات سياسية، بدأت بتوقيع المبادرة الخليجية وملحقها التنفيذي الأممي في 23 نوفمبر 2011، مروراً بمؤتمر الحوار في مارس 2013 وحتى يناير 2014، وصولاً إلى "اتفاق السلم والشراكة" الذي وُقع بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، في 21 سبتمبر 2014.
وشهد مؤتمر الحوار الوطني توقيع جميع الأطراف المشاركة على "وثيقة الحوار الوطني" بصورتها النهائية، وضمانات تنفيذ البنود الواردة فيها، التي كانت ستفضي إلى تشكيل دولة اتحادية من عدة أقاليم، حسبما توافقت عليه جميع الأطراف المشاركة في الحوار قبل انقلاب الحوثي.
ولا تزال المبادرة الخليجية إحدى المرجعيات الأممية، ومختلف القرارات الأممية الصادرة عن اليمن تنطلق من هذا الأساس، ومن ثم فإن بقاءها يعتمد على الدعم الأممي لها، واتخاذ التدابير اللازمة تجاه من يعرقل تنفيذها، كالعقوبات الأممية التي طالت الرئيس السابق نفسه ونجله وقيادات حوثية؛ بحجة عرقلة تنفيذ المبادرة الخليجية، حيث لا تزال تلك العقوبات مستمرة حتى اليوم.
غير أن هذه المبادرة تلاقي صعوبات ورفض أطراف حالياً الاعتراف بها، فبعد مقتل صالح نهاية 2017، انضمت قيادات من المؤتمر الشعبي العام للتحالف العربي، لكنها لا تزال ترى في الحكومة الشرعية التي تستند إلى المبادرة الخليجية جزءاً من المشكلة التي تمتد جذورها إلى العام 2011، وفق رؤيتهم.
والأمر نفسه ينطبق على قادة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يحظى برعاية من دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي لا يزال يرفض الحكومة الشرعية، ويرى أن المبادرة الخليجية انتهت.
جماعة الحوثي هي الأخرى أعلنت رفضها للمبادرة الخليجية، وقال القيادي في الجماعة، محمد علي الحوثي، لوكالة سبوتنيك الروسية قبل سنوات إن "المبادرة الخليجية انتهت ولا نؤمن بها"، وطالب بحوار مع التحالف العربي بعيداً عن هذه المبادرة.
[ض]
المرجعيات الثلاث
يقول الناشط اليمني منصور السلطان: "إن المبادرة الخليجية كادت تنجح عقب أزمة 2011، غير أن التمدد الحوثي الذي حدث في 2013 وصولاً إلى سيطرتهم على الحكم في 2014، أفقد تلك المبادرة أهميتها".
ويرجع هذا التراجع للمبادرة إلى أنها "منحت صالح ومعاونيه حصانة من أي ملاحقة قانونية، وتحاشت معالجة انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكِبَت في انتفاضة العام 2011. وهي لم تشترط على صالح أن يتخلّى في المقابل عن السياسة".
ويضيف: "كانت المبادرة الخليجية هي الأساس في العمل السياسي باليمن، لكن مع إطالة الوقت ودخول اليمن في الحرب، دخلت مبادرات وقرارات مختلفة، كمخرجات الحوار الوطني اليمني واتفاق السلم والشراكة الذي وقع بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، وقرارات مجلس الأمن عام 2015، وكذا اتفاق السويد 2018، إضافة إلى اتفاق الرياض 2019".
ويعتقد أن أن الأزمة اليمينة لا يُمكن أن تحل عسكرياً "بل سياسياً، بالارتكاز على المرجعيات السياسية الثلاثة، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومن ضمنها القرار رقم 2216"، غير أنه يرى أن تعدد تلك المرجعيات والاتفاقيات يفقد المبادرة الخليجية أهميتها.
ويضيف: "ما تضمنته المبادرة الخليجية ربما يكون صالحاً حالياً بعد هذه الحرب، لكن ليس بالشيء الكثير، فمع تغيرات الوضع باليمن ومقتل صالح واستمرار هذه الحرب منذ 7 سنوات، أصبحت أهميتها أقل مما كانت عليه قبل اندلاع هذه الحرب مطلع 2015 إلا في حال ضغط المجتمع الدولي لتنفيذها مع إجراء تعديلاتٍ عليها تتناسب مع ظروف الوقت الحالي عما كانت عليه سابقاً".
الدور الخليجي باليمن
ولا يمكن الحديث عن دور دولي في اليمن بمعزل عن دول الخليج، وفي الوقت ذاته لا يمكن أيضاً الحديث عن وساطة خليجية في اليمن بمعزل عن دور الفاعلين الدوليين، وخصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويصر الغرب على محورية الدور الخليجي في اليمن، حيث إن اليمن يمثل بالنسبة لدول الخليج، وخصوصاً للسعودية، الحديقة الخلفية، كما يرون أن الخليجيين وحدهم من يملك الموارد المطلوبة لمنع اليمن من الانزلاق إلى سيناريوهات غير مرغوب فيها، وهم وحدهم من سيتحمل فاتورة التكاليف في حال خرجت الأمور عن السيطرة.
كما يعكس الفراغ الأمني في اليمن مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي من فقد السيطرة على مضيق هرمز وخليج عدن ومضيق باب المندب، وتعرضها لمخاطر العمليات الإرهابية بالقرصنة البحرية، ولذلك لجأت إلى السيطرة عليه منذ بدء الحرب، في مارس 2015.
وكان للحرب الدائرة في اليمن، ومشاركة جميع دول الخليج خلال انطلاق الحرب بقيادة المملكة العربية السعودية، الأثر الأكبر في اقتصاد الرياض بشكل خاص، واقتصاد دول مجلس التعاون الخمس الأخرى بشكل عام.