(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
تتّسع يوماً بعد يوم الفجوة بين التّصريحات والبيانات السعودية وبين الواقع وحقيقة الموازين على الأرض وعلى الجبهات الحربية التي افتعلتها المملكة بعدوانها على اليمن، وإذا أضيف لذلك أزمة المصداقيّة بعد الفبركات الكارثيّة والفضائحيّة للإعلام الحربي السعودي، فإنّنا أمام مستوى غير مسبوق من التّراجع السعودي على مستوى السّمعة والهيبة.
وفي أخر التّطورات، كشفت صحيفة فاينانشيال تايمز، أنّه ومع تصاعد هجمات المقاومة اليمنيّة، تواجه الرّياض "وضعًا عاجلاً" حيث تنفد صواريخ نظام الدّفاع الجوي لديها، حيث قالت الصحيفة أنّ صواريخ المملكة العربية السعودية الاعتراضيّة لنظام الدّفاع الجوي باتريوت الأمريكي الصنع قد تنفد في غضون "أشهر"، وفقًا لمسؤول أمريكي كبير استشهدت به الصحيفة، وهو ما دفع الرّياض إلى مناشدة الحلفاء الإقليميين للمساعدة في تجديد المخزون.
ونقلت الصحيفة عن المسؤول الأمريكي قوله: "إنّه وضع عاجل"، وأنّ واشنطن تدعم التحرّكات الرامية إلى الحصول على صواريخ من دول الخليج، مضيفاً: "قد يكون ذلك البديل الأسرع لمبيعات الأسلحة الأمريكية".
كما استشهدت "فاينانشيال تايمز" بقول أحد مصادرها، أنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ألمح إلى هذه القضية خلال قمّة مجلس التّعاون الخليجي في الرّياض في ديسمبر / كانون الأوّل، واتّصلت المملكة بعد ذلك بدول المنطقة بشكلٍ مباشر.
وذكر التّقرير أنّه ليس من الواضح ما إذا كان جيران المملكة العربية السعودية قد تمكّنوا من إمدادها بالذّخائر حتّى الآن.
وهنا نحن أمام عدّة حقائق، أوّلها أنّ هناك نقصاً في مخزون الصواريخ بدول الخليج الأخرى وهو ما عطّل تنفيذ الطلب السعودي، والأخطر أنّنا أمام قرار أمريكي بسحب منظومات الصواريخ وتقييد مبيعات الأسلحة للسعودية، حيث قال بايدن في فبراير من العام الماضي ، أنّه سينهي الدّعم الأمريكي "للعمليات الهجومية" للسعودية في اليمن ، بما في ذلك "مبيعات الأسلحة ذات الصلة".
ورغم أنّه بعد عدّة أشهر، وافقت إدارته على بيع 650 مليون دولار لصواريخ جو - جو للمملكة، إلّا أنّه وفي يونيو الماضي، نقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أمريكيين أنّ واشنطن قرّرت سحب 8 بطاريات صواريخ باتريوت من دول بينها السعودية والكويت والأردن والعراق.
وأشارت الصحيفة نقلاً عن المسؤولين قولهم، إنّ "إدارة الرئيس جو بايدن تقلّل بشكلٍ حادّ من عدد الأنظمة الأمريكية المضادّة للصواريخ في الشّرق الأوسط، في خطوة لإعادة تنظيم تواجدها العسكري في المنطقة، حيث تركّز القوات المسلّحة على التّحديات من الصين وروسيا".
وأضاف المسؤولون: "سيسحب البنتاغون ما يقرب من 8 بطاريات باتريوت من دول بينها العراق والكويت والأردن والسعودية، ومنظومة (ثاد) من السعودية، وسيتمّ تقليص أسراب المقاتلات المخصّصة للمنطقة".
وفي سبتمبر، كشفت وكالة "أسوشيتد برس" أنّ الولايات المتّحدة سحبت بعض منظوماتها الدّفاعية المتطوّرة بما فيها بطاريات صواريخ "باتريوت" من السعودية، وذكرت الوكالة أنّ صورة تمّ التقاطها في التاسع من أغسطس الماضي واطلعت عليها الوكالة تظهر أنّ بعض البطاريات سحبت.
وبدورها، أقرّت وزارة الدّفاع السعودية في بيان أصدرته لـ"أسوشيتد برس" بسحب بعض المنظومات الأمريكية، موضحة أنّ هذه الخطوة جاءت ضمن إطار "التّفاهم المشترك ومراجعة الاستراتيجيّات الدّفاعية"!
ورغم التصريحات الدبلوماسية السعودية التي تؤكّد على متانة العلاقات مع أمريكا، فقد ربط الرئيس السابق للاستخبارات السعودية وسفير المملكة لدى واشنطن سابقاً، الأمير تركي الفيصل، في حديث إلى شبكة CNBC بين ملفي الأسلحة الأمريكية المنتشرة في المملكة والعلاقات بين الدولتين.
وقال إنّ السعودية تحتاج إلى الاطمئنان بخصوص التزام الأمريكيين تجاهها، وذلك مثلاً من خلال إبقاء صواريخ "باتريوت" في المملكة فيما تتعرّض البلاد لهجمات صاروخية وبواسطة طائرات مسيرة.
الشاهد هنا أنّ هناك تغيّرات في أولويّات الإدارة الأمريكية، كما أنّ هناك خلافات داخل الحزب الحاكم حول سلوك السعودية وملف مقتل خاشقجي وملف تسليح السعودية، كما هناك تحليلات تشي بقلق أمريكي حول سمعة منظومة باتريوت والتي قد تُظهر فشلاً أمام الصواريخ والمسيّرات اليمنيّة.
وهنا نرى أنّ السعودية تورّط نفسها في مزيد من الفشل العسكري مضافاً إلى الفشل السياسي وتفتح جبهة حرب غير مبرّرة مع شقيق لم يهدّدها ولم يبادر بعدوان عليها، وهو ما يجب أن يشكّل دافعاً عاجلاً لإنهاء هذا العدوان وإلّا ستكون ارتداداته العكسيّة موجّهة مباشرة نحو العرش السعودي.