حتى مساء أمس، لم يكن ثمّة ردّ رسمي من صنعاء، على ما سُرّب عبر وكالة «رويترز» قبل يومين، من أن «مجلس التعاون الخليجي» يدرس إمكانية دعوة حركة «أنصار الله» وأطراف يمنية أخرى لإجراء مشاورات في الرياض هذا الشهر، في إطار «مبادرة ترمي إلى تعزيز مساعي السلام التي تقودها الأمم المتحدة». المصادر المعنيّة في العاصمة اليمنية قالت، لـ«الأخبار»، في وقت سابق، إن الردّ الرسمي «لا يكون على تسريبات بل على دعوة رسمية». وفي انتظار هذه الدعوة التي يُفترض أن تأتي من «التعاون الخليجي»، بحسب التسريبات الإعلامية، جرى الاعتماد على تغريدة عضو «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء، محمد علي الحوثي، والتي قال فيها إنّ «الرياض طرف في الحرب وليست وسيطاً»، كمؤشّر يمكن البناء عليه في محاولة استشراف موقف صنعاء ممّا يبدو أنه محاولة سعودية جديدة للظهور بمظهر الوسيط بين اليمنيين «المتقاتلين» منذ أكثر من سبع سنوات، بينما هي في الحقيقة طرف أصيل في عدوان طال أمده حتى باتت كلّ مسارات إيقافه تؤدّي إلى نتيجة واحدة تحاول الرياض منذ فترة طويلة تفاديها، وهي الهزيمة. وفي الاتجاه نفسه، برز مساء أمس حديث مصدر مسؤول إلى وكالة «سبأ» في صنعاء، جاء فيه أنه «من غير المنطقي ولا العادل ولا الجائز أن يكون الداعي والمضيف للحوار الدولة الراعية للحرب والحصار». لكن المصدر أكد «(أننا) نرحّب بأي حوار مع دول التحالف في أي دولة محايدة وغير مشاركة في العدوان سواء من دول مجلس التعاون الخليجي أو غيرها»، مضيفاً «(أننا) نرحب بأي حوار تكون الأولوية فيه للملف الإنساني ورفع القيود التعسفية على ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي».
وكان تزامَن تسريب خبر الدعوة مع عدّة مؤشرات إلى عودة السخونة إلى الجبهات، وخصوصاً في مأرب، حيث تقدّم الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» في اتّجاه المدخل الجنوبي للمدينة. وفيما احتدمت المعارك مع القوات السعودية والمرتزقة السودانيين الموالين لها في جبهات جيزان وعسير، بثّت صنعاء، أمس، مشاهد هجوم واسع على مواقع للتحالف السعودي - الإماراتي في محافظة حجة. وأثناء هذه التطوارت، كان «مسؤول سعودي كبير» يؤكد إلى «وول ستريت جورنال» الأميركية، أنّ سيطرة «أنصار الله» على محافظة مأرب ستعني خسارة «التحالف» الحرب، وسيُفتقد الأمن والاستقرار في المنطقة، ما فُسّر على أنه «نداء استغاثة» أخير لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، التي «تشتبك» مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على هامش الحرب الروسية - الأوكرانية، بأدوات أهمّها أسعار النفط، مقابل أولويات الأمير الشابّ لتمهيد طريقه إلى العرش، وأهمّها الحصانة الأميركية و«انغماس أميركي أكبر» في اليمن.
تزامن تسريب الخبر مع عدّة مؤشرات إلى عودة السخونة إلى الجبهات، وخصوصاً في مأرب
وكان لافتاً في حديث «المسؤول السعودي الكبير»، الذي لم تفصح الصحيفة الأميركية عن هويّته، قوله إنّ «الحوثيين يرفضون التفاوض أثناء محاولتهم السيطرة على مأرب»، ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول معنى الدعوة إلى الحوار تحت اسم «مجلس التعاون الخليجي»، فيما «أنصار الله» تستعيد زخم مكاسبها في الجبهات. كذلك، يبدو فارقاً الحديث عن إمكانية دعوة قيادة صنعاء إلى حوار في الرياض، ولو وُضعت في إطار الحوار اليمني - اليمني، بعد أيام على اعتماد الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب تصنيف الحركة «جماعة إرهابية»، وإدراجها ضمن «القائمة السوداء العربية»، وذلك بعد أكثر من أسبوعين من تبنّي مجلس الأمن الدولي قراراً «رعته» الإمارات والسعودية، وصَف «أنصار الله» في إحدى فقراته بأنها «جماعة إرهابية»، واحتفلت به وسائل الإعلام الخليجية مطوّلاً.
على أيّ حال، وبصرف النظر عن النوايا وراء تسريب خبر كهذا، وما إذا كان لمجرّد «جسّ النبض»، أو للاستثمار السياسي، أو لفرملة الاندفاعة الجديدة التي تشهدها الجبهات، أو حتى في إطار التمهيد الفعلي لخلق الظروف المؤاتية لوضع حدّ للعدوان والالتفات إلى إعادة استثمار ثروة النفط والطاقة بما يتناسب وحاجات إدارة جو بايدن، في حربه مع روسيا على الأراضي الأوكرانية، فإن صنعاء تَعتبر الرياض طرفاً أساسياً في العدوان، ما يُسقط عنها تلقائياً صفة الوسيط. وبالتالي، فإن «حكومة الإنقاذ» في العاصمة اليمنية، ومَن يشارك فيها من أطراف وقوى، تكرّر عند كل مناسبة موقفها الثابت من مسألة الحوار، إذ ترى بأن لا جدوى منه في ظلّ العدوان والحصار، ولا جدوى منه أيضاً إنْ لم تكن الرياض وأبو ظبي، إلى جانب أدواتهما في اليمن، أطرافاً صريحة فيه.