متابعات-
يبدو أن الهدنة المُمَدّدة في اليمن شارفت على الوصول إلى نقطة تحوّل تفصل ما قبل التمديد الثاني عمّا بعده، لناحية تقييم ثمارها وآثارها على الوضع العام في البلاد، وخصوصاً على الشقّ الإنساني الذي كان الدافع الرئيس خلف إقرارها، ومن ثمّ تمديدها لمرّة أولى. حالياً، يمكن اعتبار مفاوضات فتح الطرقات في تعز وغيرها من المحافظات اختباراً حاسماً لمدى جدّية الأطراف في المضيّ قدماً نحو تنفيذ بنود الهدنة أولاً، والسعي الحقيقي لتثبيتها، ثانياً. إلّا أن هذه المفاوضات التي شهدت العاصمة الأردنية فصولها، لم تُثمر أيّ تفاهمات على فتح طرقات ولو لدواعٍ إنسانية، أو كبادرة حُسن نيّة.، إذ عرقل الطرف الموالي لـ«التحالف» كلّ المحاولات والمبادرات الرامية إلى حلحلة الملف، وهذا يمكن اعتباره مؤشراً إلى ما يمكن أن تفضي إليه «الجهود» المبذولة لتنفيذ هدنة سارعت السعودية إلى اقتراحها، ما يطرح الكثير من التساؤلات حول حقيقة موقف الرياض وأهدافها من هذه «الاستراحة بين المعارك» في اليمن.
في صنعاء، يجزم المسؤولون بأن لا نيّة لدى الطرف الآخر الموالي لـ«التحالف» بتسهيل جهود تنفيذ بنود الهدنة، كما أن أداءه في المفاوضات الخاصة بفتح الطرقات في تعز وغيرها، يؤكد نيّة العرقلة الواضحة لديه. لا تفصل صنعاء أداء الحكومة الموالية لـ«التحالف» عن إرادة السعودية نفسها، إذ «لا يُعقل أن يؤدي فريق حكومة المجلس المُشكّل في الرياض بعكس رغبات القيادة السعودية». التصريحات الأخيرة لنائب وزير الخارجية في حكومة صنعاء، حسين العزي، أكّدت أن صنعاء لن تنتظر إلى ما لا نهاية، وأن مرحلة جديدة وفق «معايير مختلفة للهدنة» لا بدّ أن تأتي لتضع حدّاً لهذه المماطلة الحاصلة اليوم، إذ أعلن العزي، في تصريحات إعلامية، أنه «إذا لم تتحقّق اتفاقات صادقة فلن يكون هناك مجال لأيّ تمديدات زائفة للهدنة»، مؤكداً أنه «سيكون الجميع مع الجيش واللجان الشعبية لاستئناف معارك التحرير دفعة واحدة من دون أيّ توقف».
البداية الجديدة التي انطلقت مع تجديد الهدنة في الثاني من حزيران المنصرم، وسبقها بأيام انطلاق مفاوضات عمّان، لم تحمل جديداً حتى اليوم، على رغم الحديث عن استئناف المفاوضات التي تغيّب الوفد التابع لـ«التحالف» عن آخر جولة منها الأسبوع الماضي، بحجّة عدم تحقيق أي تقدّم. إلا أن التعقيدات الحاصلة في مفاوضات عمّان، مُضافة إلى ما تصفه صنعاء بـ«استنسابية التحالف وفريقه» في تنفيذ بقية بنود الاتفاق، من الرحلات عبر مطار صنعاء وصولاً إلى ملف النفط، وأخيراً تسريبات «مريبة في التوقيت والمضمون» حول لقاء سرّي بين قيادة «حزب الله» ووفد سعودي زار الضاحية الجنوبية في آذار الماضي، قدّم خلاله نائب الأمين لعام للحزب، نعيم قاسم، للسعوديين، قائمة مطالب كشرط للالتزام بوقف إطلاق نار مباشر في اليمن، أبرزها إقالة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، ورفع الحصار المفروض على ميناء الحديدة ومطار صنعاء، وتبادل الأسرى.
لا يُعقل أن يؤدي فريق حكومة المجلس المُشكّل في الرياض بعكس رغبات القيادة السعودية
مصادر «حزب الله» نفت، لـ«الأخبار»، حصول الاجتماع المزعوم مع الجانب السعودي، وأوضحت أن لا لقاءات مع موفدين سعوديين منذ نحو خمس سنوات. وإذ استغربت المصادر بثّ مثل هذه المعلومات «المختلَقة تماماً»، اعتبرت أن الهدف منها القول إن قرار «أنصار الله» ليس بيدهم بل في الضاحية الجنوبية، وهذا لا أساس له من الصحة. وكشفت أن «الطرف السعودي حاول مراراً خلال محادثاته مع القيادة السورية حثّها على دفع حزب الله إلى التدخّل لدى أنصار الله في مراحل معينة سابقة». وفي السياق نفسه، اعتبرت مصادر «أنصار الله»، في حديثها إلى «الأخبار»، أن ما نُشر «غير صحيح، بل مندسّ ويستبطن في طيّاته غايات غير برئية»، وأوضحت أن «موقف أنصار الله واضح ومعلن بحصر التفاوض حول الملفّ اليمني بها، وهذا هو موقف إيران الواضح والمعلَن أيضاً، وكذلك موقف حزب الله». وكشفت المصادر أن «السعودية طلبت من إيران بإلحاح وإصرار لعب دور الوسيط بينها وبين الحركة ووضعت الأمر في خانة المساعدة الإيرانية لها، إذ إنها غير قادرة على التواصل المباشر معها، إلا أن موقف طهران كان واضحاً بأن أيّ كلام بخصوص الملف اليمني يجب أن يُوجّه إلى الطرف المعنيّ به بشكل مباشر، وهو أنصار الله وصنعاء»، معتبرة أن «القصد من هكذا تسريبات مفبركة التقليل من شأن أنصار الله باعتبارهم ليسوا أصحاب قرار، وهذا يفيد الرياض في الهروب من استحقاق التفاوض المباشر معهم».
بالتوازي، تؤكد طهران في كلّ مناسبة رفضها التفاوض بالنيابة عن «أنصار الله»، وتؤكد مصادر مواكبة لجولات التفاوض بين السعودية وإيران، أن المفاوضين الإيرانيين يرفضون في كلّ جولة توسيع هوامش التفاوض لتطاول الملف اليمني، وينصحون نظراءهم السعوديين بالتوجّه مباشرة صوب صنعاء. وتقول المصادر إن رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، تناول في الجولة الأخيرة من المفاوضات الإيرانية السعودية، موضوع الهدنة في اليمن، وضرورة إنجاحها، رابطاً الأمر بـ«دور إيراني مساعد». وكما بات واضحاً، فإن الطرف السعودي يكثّف محاولاته من أجل «فتح ثغرات» في جدار الجمود الحاصل في الملفّ اليمني، وهو لهذا الغرض طرق سابقاً بابَي دمشق وطهران، وعبرهما حاول قرع باب الضاحية الجنوبية. لكنّ المعطيات الواردة من صنعاء تشير إلى أن انتهاء الهدنة الحالية مع نهاية تموز الجاري وبداية آب المقبل، من دون تنفيذ بنودها المتفق عليها، وخصوصاً في ما يتعلّق بالشق الإنساني بكلّ مندرجاته، يعني بالضرورة أن أيّ حديث عن تمديد ثانٍ للهدنة لن يخضع للشروط السابقة نفسها، ولا لـ«التسهيلات» نفسها، إذ تتحضّر صنعاء لخوض «تجربة هدنة جديدة مسنودة بتحضيرات نوعية أنجزتها، تُمكّنها من فرض شروط أكثر حزماً وبضمانات أكثر تشدّداً».