يوسف حمود - الخليج أونلاين-
وصلت الهدنة الأممية في اليمن إلى مفترق طرق مع انتهاء فترة تمديدها الأخيرة مساء الـ2 من أكتوبر 2022، بعدما رفضت جماعة الحوثي مقترحاً محدثاً من المبعوث الأممي إلى اليمن، وتهديدها بعودة الحرب، واستهداف شركات النفط المحلية والسعودية والإماراتية.
ويضغط الحوثيون لتنفيذ طلباتهم للموافقة على تمديد الهدنة، ويبدو أنه يرى أن التهديد باستهداف الشركات النفطية المحلية والدولية في اليمن والدولتين الخليجيتين، هو السبيل الوحيد لإجبار المجتمع الدولي على الضغط لتحقيق مطالبه تفادياً لأي خطوة قد تهدد إنتاج النفط والتسبب بارتفاعه عالمياً.
وتعيد هذه التهديدات التذكير بالتصعيد الحوثي الذي استبق الهدنة الأممية التي بدأت مطلع أبريل الماضي، والتي استهدفت المنشآت النفطية السعودية، وصولاً إلى مواقع إماراتية، وسط مرحلة حساسة بالنسبة لسوق الطاقة العالمية، خاصة سوق النفط، ما يطرح سؤالاً حول أسباب تلك التهديدات.
تهديدات متتالية
بعد ساعات من انتهاء الهدنة الأممية في اليمن، حذّر المتحدث العسكري باسم مليشيا الحوثي اليمنية، يحيى سريع، جميع الشركات النفطية العاملة في السعودية والإمارات من استهدافها.
وكتب سريع في حسابه على "تويتر"، (2 أكتوبر 2022)، تغريدة قال فيها إن الحوثيين يمنحون شركات النفط العاملة في البلدين فرصة لترتيب أوضاعها، لكنه لم يحدد مدة معينة، ولا ما الذي يمكن للمليشيا القيام به ضد هذه الشركات.
وأضاف سريع أن الحوثيين "قادرون على حرمان السعودي والإمارتي من موارده إذا أصر على حرمان شعبنا اليمني من موارده، والبادئ أظلم".
وجاء التهديد الحوثي بعد يوم من تهديدٍ مماثل للشركات النفطية التي تستخرج النفط في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، عشية انتهاء الهدنة بعد ستة أشهر من إعلانها.
وأفاد بيان مقتضب للحوثيين: "ننبه الشركات الملاحية التي لها وجهات إلى دول العدوان، والشركات التي تعمل في الأراضي اليمنية، إلى متابعة تحذيراتنا وتعليماتنا".
فشل الهدنة
وبعد انتهاء الهدنة في اليمن، المستمرة منذ ستة أشهر، والتي مُدِّدت مرتين، وإعلان الحوثيين عن "وصول تفاهمات الهدنة لطريق مسدود"، تطرح تساؤلات عن السيناريوهات والبدائل المتوقعة، وسط دعوات عربية وأممية ودولية لضرورة تمديدها وتوسيعها منعاً لعودة القتال.
ويقول الحوثيون إن هناك تأخيراً في فتح مطار صنعاء وتأخيراً متعمداً للسفن لفترات طويلة بقصد زيادة الكلفة في ميناء الحديدة، ومشاكل تتعلق بصرف رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين، ومشاكل بملف الأسرى والمعتقلين، وفتح الطرق في تعز وعموم المحافظات، وقضايا أخرى.
فيما اتهمت الحكومة اليمنية، جماعة "الحوثي" بالتعامل مع الهدنة كـ"فرصة للابتزاز وتقديم مصالح إيران على مصالح الشعب اليمني".
وقال عضو مجلس القيادة الرئاسي، عبد الله العليمي: إن "مليشيات الحوثي الانقلابية تعاملت مع الهدنة الإنسانية كمعركة سياسية وفرصة للابتزاز، وقدمت مصالح إيران على مصالح الشعب اليمني"، وفق وكالة "سبأ" للأنباء الرسمية، مضيفاً: "اتضح للعالم أجمع أن المليشيات الحوثية أبعد ما تكون شريكاً في السلام".
بدوره، عبّر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن أسفه لعدم التوصل إلى اتفاق حول تمديد الهدنة في اليمن، مشيراً إلى أنه سيواصل جهوده الحثيثة للانخراط مع الأطراف بُغية التوصل وعلى وجه السرعة إلى اتفاق بشأن الوسيلة للمضي قدماً.
وأشار إلى أنه قدم مقترحاً لتنفيذه يتمثل في "دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، وفتح طرق محددة في تعز ومحافظات أخرى، وتسيير وجهات إضافية للرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء، ودخول سفن الوقود إلى ميناء الحُديدة دون عوائق، وتعزيز آليات خفض التصعيد من خلال لجنة التنسيق العسكرية والالتزام بالإفراج العاجل عن المحتجزين، كما تضمن الشروع في مفاوضات لوقف إطلاق النار واستئناف عملية سياسية شاملة، وقضايا اقتصادية أوسع، بما في ذلك الخدمات العامة".
موافقة مرتقبة
يرى المحلل السياسي اليمني ناشر العبسي، أن هذه التهديدات "تمثل أعلى مستويات الابتزاز، وهي تعبر عن مأزق الحوثيين أكثر من كونها تعبر عن قوّتهم رغم أنهم جاهزون لتوجيه ضربات عبر الحدود"، مشيراً إلى أن أي هجمات حوثية "لن تكون متاحة في كل وقت إذا قرر التحالف دعم معركة حسم عسكرية حقيقية كما لم يفعل من قبل".
ويشير، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن التهديد الحوثي كان متوقعاً، وأن السيناريو الحالي "هو عودة الحرب التي سيحاول الحوثيون أن تكون مزدوجة في حال لم تتدخل دول كعُمان مثلاً للتهدئة، من خلال التصعيد العابر للحدود أملاً منهم في دفع التحالف إلى القبول بشروط تجديد الهدنة".
لكنه في ذات الوقت يرى أن "الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية لن تتوانى في الضغط على الحكومة اليمنية والسعودية والإمارات لتنفيذ كل ما يريده الحوثي، خشية أن تتسبب أي هجمات في توقف أو التقليل من إنتاج النفط، والذي سيؤثر على نسبة الإنتاج العالمي الذي يعاني حالياً بسبب حرب أوكرانيا".
ويضيف: "لذلك ما يحدث من تهديدات عبارة عن مساومات، حتى وإن هاجم الحوثيون فستكون محدودة للغاية بهدف الضغط لتحقيق ما يريدون".
ويعتقد أن أسوأ شيء تقدمه الهدنة المفروضة بضغط أمريكي في اليمن "هو أنها تعمق وتوسع نفوذ وسطوة النسخة الأكثر سوءاً من التنظيمات الإرهابية، المتمثلة في جماعة الحوثي الطائفية المدعومة من إيران، التي تمضي قدماً في تكريس نموذجها الإرهابي العنيف في اليمن وبدول المحيط الخليجي".
أسباب المخاوف
تخشى أسواق الطاقة العالمية عودة الهجمات الحوثية، واحتمال تعرض منشآت أكثر حيوية تؤثر على إمدادات النفط السعودية والإماراتية لدول العالم، خصوصاً مع الأزمة الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، وتسبب ذلك في ارتفاع أسعار النفط.
وتنبع أهمية السعودية من تصنيفها أول مصدّر للنفط الخام في العالم، بإجمالي 6.5 مليون برميل يومياً في الظروف الطبيعية، وفق بيانات دولية.
وتملك السعودية قدرة أكبر على التصدير، حيث وصلت لمتوسط 7.5 مليون برميل يومياً وحتى 8 ملايين برميل خلال الأشهر الماضية، في الظروف الطبيعية، قبل أن تعلن لاحقاً في مايو الماضي رفع إنتاجها إلى 11 مليون برميل يومياً، وتخطط لرفعه إلى 13 مليوناً.
فيما وصل حجم صادرات الإمارات إلى نحو 3.5 مليون برميل يومياً.
ويعني أي ضرر في إمدادات السعودية والإمارات عالمياً ارتفاعاً غير متوقع في سعر برميل النفط، وزيادة المخاوف من إمكانية تذبذب سلاسل إمدادات الخام للأسواق، إلى جانب العقوبات على النفط الروسي الذي تسبب في الارتفاع وتجاوز أسعار النفط 130 دولاراً للبرميل.