يوسف حمود - الخليج أونلاين-
عام ثامن مضى، ويدخل عام تاسع وحرب اليمن تراوح مكانها، حيث يحل شهر رمضان لهذا العام وقد خلفت الحرب التي اندلعت في 26 مارس من عام 2015، آثاراً كارثية على حياة الغالبية العظمى من اليمنيين، في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية وتدهور أسعار العملة المحلية أمام الدولار.
كما يأتي العام التاسع من الحرب في ظل تغيرات إقليمية تمثلت في الاتفاق السعودي الإيراني، الذي يلقي بثقله على الأزمة اليمنية التي تعتبر إحدى أبرز الخلافات بين الجانبين خلال السنوات الماضية، بسبب دعمهما لطرفي الصراع في اليمن المتمثل بجماعة الحوثي المسلحة، والحكومة اليمنية.
وإلى حد بعيد تتحكم الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الملف اليمني وفي مسار الأزمة العميقة التي تعيشها البلاد، وهو ما يطرح مزيداً من التساؤلات حول مصير حرب اليمن وما إذا كان هناك بوادر لانتهائها؟
معارك وتبادل الأسرى
مع قدوم شهر رمضان المبارك، وعلى بعد أيامٍ محدودة من دخول السنة الـ9 من الحرب، كانت محافظتا مأرب وتعز على موعدٍ مع معارك جديدة أشعلتها مليشيا الحوثي، وسط تحركات دولية لإنهاء الحرب.
ويواصل الحوثيون، منذ منتصف شهر مارس الجاري، محاولاتهم التقدم نحو مركز مدينة مأرب حيث السلطات التابعة للحكومة اليمنية الموالية للتحالف العربي بقيادة السعودية، وسط معارك عنيفة بين الجانبين لم تشهدها المحافظة منذ نحو عام.
وفي تعز قالت وسائل إعلام يمنية، إن معارك اندلعت في جنوب المحافظة، بعد قصف عنيف شنه الحوثيون بمختلف الأسلحة الثقيلة على مواقع القوات الحكومية بالتزامن مع المعارك الدائرة في مأرب.
وبموازاة المعارك، وبرعاية من الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، أعلن منتصف مارس أيضاً عن توصل طرفي الصراع في اليمن إلى اتفاق يقضي بإطلاق مجموعة جديدة من الأسرى والمختطفين لدى كل من المليشيا الحوثية والحكومة اليمنية.
وتنص الصفقة، التي استغرق التفاوض بشأنها عشرة أيام، على إطلاق سراح 887 محتجزاً والعودة إلى الاجتماع مجدداً في شهر مايو لاستكمال تنفيذ بقية الاتفاق، في وقتٍ قالت مليشيا الحوثي إنها ستفرج عن 181 محتجزاً، بينهم 15 سعودياً و3 سودانيين، مقابل 706 سجناء ستفرج عنهم الحكومة اليمنية.
هدنة ومجلس رئاسي
لكن الأبرز خلال فترة الهدنة والعام الثامن للحرب، كان إعلان الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي استقالته من منصبه، ونقل سلطاته إلى مجلس رئاسي بقيادة رشاد العليمي، ويضم قيادات سياسية مختلفة بينها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات والذي يطالب بالانفصال.
وعلى الطرف الآخر ركزت الأمم المتحدة منذ أشهر على تمديد وقف إطلاق النار في اليمن، والذي صمد جزئياً منذ أبريل 2022، خصوصاً بين الحوثيين والسعودية التي توقفت عن قصف المليشيا، فيما أوقفت الأخيرة قصفها الذي كان يستهدف منشآت نفطية وسيادية.
الهدنة التي تم تجديدها مرتين انتهت في أكتوبر من العام الماضي، ومنذ ذلك الحين ألقت أيضاً الأمم المتحدة والولايات المتحدة والرباعية الدولية، بثقلها من أجل التوصل إلى حل سياسي في اليمن، وكانت العاصمة العُمانية مسقط مسرحاً للتحركات واللقاءات المكثفة، وكان معظمها يدور بين الحوثيين والسعودية، وسط غيابٍ كلي للحكومة اليمنية.
وطورت السعودية اتصالات مباشرة مع الحوثيين وقياداتهم في صنعاء، لا من خلال مكتبهم للاتصال الخارجي في مسقط، وتعاطت بإيجابية مع طروحاتهم، وذهبت الرياض بعيداً نحو التواصل مع النظام الإيراني للبحث في إمكانية حل الأزمة اليمنية.
وفتح الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته الصين في 10 مارس الجاري، وينص على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، الباب أمام احتمالات أن يساهم في حل الأزمة اليمنية، وأن يكون الملف الأكثر تركيزاً للجانبين لإنهائه.
ما يزال بعيداً
يعتقد الباحث السياسي اليمني عدنان هاشم، أن انتهاء الحرب في اليمن "ما يزال بعيداً"، مشيراً إلى وجود عدة أسباب تؤكد ذلك.
وحول سبب اعتقاده ذلك، يقول هاشم، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "حتى لو تم التوصل إلى اتفاق سلام شامل وهو بعيد المنال في المستقبل القريب -سواء بين الحوثيين والسعودية أو الحوثيين والحكومة- فإن ديناميكيات الحرب ستنتج حروباً صغيرة مجدداً".
ويضيف: "تسببت إطالة الحرب لتصبح في أكثر من طبقة محلية وأنتجت أطرافاً محليين متعددين لذلك من الصعب توقع نهاية قريبة لها".
ويؤكد أن الحرب "أدت إلى عمليات فرز للمجتمع، واقتصاد محطم، وعشرات الآلاف من اليتامى والأرامل، وهو أمر يصعب على أي سلطة قادمة التعامل معه".
ويستبعد "هاشم" إمكانية أن يغادر التحالف العربي بقيادة السعودية اليمن، قائلاً: إن "مصير أي قوة هو الخروج من البلاد، وهو شأن جميع التدخلات في أي بلد، لكن الاختلاف حول متى سيحدث ذلك، ولا أعتقد أن البيئة مواتية لمغادرة التحالف في الوقت الحالي".
ويكمل موضحاً: "الاضطرابات قرب الحدود السعودية تسبب صداعاً لصناع القرار السياسي في الرياض، وهو ما يؤجل مغادرتها".
ويلفت إلى أنه "لا يعتقد أن المجتمع الدولي يملك قرار استمرار الحرب من عدمه؛ لأن الأمر متعلق بالأطراف المحليين والإقليميين بشكل خاص".
لا إشارات على نهايتها
بدوره يرى رئيس مركز يمنيون للدراسات، د.فيصل علي، أن الشعب اليمني "تكبد ويلات الحرب في اليمن بين الطرفين الإقليميين".
ويعتقد "علي"، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن بوادر إنهاء الحرب "هي ما خرجت به لقاءات السعودية بإيران ومليشيات الحوثي في مسقط وبغداد وبكين، وكلها تشير إلى انتهاء حرب الرياض وطهران في اليمن".
لكنه في ذات الوقت يرى أن حرب إيران ومليشياتها مع الشعب اليمني "لن تنتهي، ولا توجد بوادر على انتهائها أو قرب نهايتها"، مضيفاً: "جماعة الحوثي لم تبدأ بتغيير تعاملها مع الشعب اليمني باعتبارها سلطة وحكومة، بل لا تزال تتعامل بصفتها المليشياوية وبسلوك قطاع الطرق والقتلة؛ كقيامها بعمليات اختطاف وتعذيب وقتل على الهوية، وقتل في السجون خارج القانون".
وأضاف: "هي تعرف حجمها أنها مجرد مليشيات، وحتى لو رأت أنها انتصرت على السعودية فهي تعلم أنها لم تنتصر على الشعب اليمني الذي لا يرغب في حكمها فله سوابق تاريخية مع امتداداتها الطائفية والسلالية والعرقية، ولن يسلم أمره لها".
أما مليشيات "الانتقالي" التي تدعمها الإمارات، فيرى المتحدث أنها "تمارس دوراً سيئاً في معاناة الشعب اليمني وزعزعة الأمن والاستقرار في مناطق سيطرتها وفقاً لسياسة الإمارات وما نتج عنها من اختلافات بدت واضحة مؤخراً مع السعودية حول اليمن".
ويؤكد أن أي حديثٍ عن بوادر لانتهاء الحرب لن يكون إلا "عندما تقدم كافة المليشيات تنازلات لأجل الشعب اليمني، وقيام حوار يمني يمني يفضي إلى سلام يمني يمني، تتنازل فيه مليشيات الحوثي عن ادعاء الحق الإلهي في الحكم وتسريح فرق الموت والقتل الطائفي، وتقدم مليشيات الانتقالي تنازلات مثل ترك إسطوانة الانفصال وأحقيتها في حكم جنوب الجمهورية اليمنية".
وإلى جانب ذلك فإنه في حال حدث ذلك، على "الشرعية بأحزابها ونخبها كافة أن تقدم تنازلات عن أيديولوجياتها التي كانت جزءاً من الصراع طيلة المراحل الماضية، ويقدم الجميع الولاء للجمهورية اليمنية ودستورها والنظام الجمهوري، حينها فقط ستكون بوادر نهاية الحرب قد بدأت"، يقول علي.
وديعة مالية.. واقتصاد متدهور
أما اقتصادياً فتستمر الاختلالات المالية بالتوسع في اليمن، مخلّفة تبعات جسيمة تضاعف تدهور الاقتصاد الوطني، مع ارتفاع عجز الموازنة ونسبة الدين المحلي، في ظل تفاقم الفساد والإنفاق العشوائي.
ويرجع كثيرون أسباب ذلك إلى غياب حكومة مركزية فعالة، وتعدد السلطات الحاكمة في اليمن، وتنامي دعوات الانفصال الجهوية والمناطقية، وما نجم عنها من انحسار السيطرة الفعلية لأجهزة الدولة الرسمية.
وبعد نحو 10 أشهر من تعهد سعودي إماراتي بتقديم وديعة بـ3 مليارات دولار (أبريل 2022)، أعلنت الرياض تقديم دعم جديد للحكومة اليمينة التي تدير شؤون البلد من العاصمة المؤقتة عدن، من خلال إيداعها مليار دولار في البنك المركزي يوم (21 فبراير 2023).
وجاء هذا الإعلان بعد خطوة سابقة قامت بها الرياض؛ ففي أواخر نوفمبر الماضي، أعلنت السفارة السعودية لدى مصر أن صندوق النقد العربي وقع اتفاقاً مع الحكومة اليمنية، لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي بمليار دولار.
وقبلها بأسبوع، وتحديداً في 23 نوفمبر 2022، أعلن رئيس الحكومة اليمنية، معين عبد الملك، أنه تم إيداع مليار و100 مليون درهم إماراتي (300 مليون دولار) في حساب البنك المركزي اليمني.
ويعاني اليمن عجزاً كبيراً في العملة الصعبة من الدولار، وهو ما يجعله غير قادر على مواجهة المتطلبات المتعلقة بتوفير العملة الصعبة للتجار للاستيراد.
ومنذ اندلاع الحرب في اليمن، لم يشهد الريال اليمني غير الهبوط المتواصل مقابل العملات الأجنبية، والذي قابله ارتفاع بأسعار السلع والمواد الغذائية.