(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
المراقب للمواقف الخليجيّة، إزاء بعض القضايا، يلمح انقسامات تثير القلق على وحدة العمل الخليجي المعهودة. ويتزايد هذا القلق مع تزايد التقارير التي ترصد صراعًا حقيقيًا في عدّة جبهات بين ما يبدو محاور خليجيّة، نشأت نتيجة الاستقطاب بين السعوديّة والإمارات.
شهد ملف عودة سوريا إلى الجامعة العربيّة خلافًا واضحًا بين قطر والسعوديّة، ولكن الملف الأبرز للتخبّط هو الملف السّوداني، والذي يشهد نوعًا من الارتباك يعلن بوضوح عن التناقض السّعودي الإماراتي، وهذا ما ينذر بفشل الجهود المبذولة لاحتواء الأزمة ونجاح الوساطة بين طرفي الحرب.
لكن مع ذلك؛ نستطيع أن نرصد هذا التخبطّ ودلالاته الظاهرة على النحو الآتي:
1- أعلن الأمين العام لجامعة الدول العربيّة، "أحمد أبو الغيط "، عن تشكيل لجنة تتكوّن من السعوديّة ومصر والأمين العام للتواصل مع أطراف النزاع في السّودان والمجتمع الدولي.
يأتي ذلك الإعلان تزامنا مع مبادرة أمريكيّة- سعوديّة استضافت وفودًا ممثلةً عن الأطراف السّودانيّة بالفعل في مدينة "جدة"، حيث أصدرت السعوديّة والولايات المتّحدة الأمريكيّة، في وقت سابق، بيانًا مشتركًا رحبتا فيه ببدء المحادثات الأوليّة بين ممثلي القوات المسّلحة السّودانيّة وممثلي قوات الدّعم السّريع في مدينة "جدة".
فماذا يعني وجود مبادرتين تشترك بهما السعوديّة؟
الأغرب أنّ "أبو الغيط" في إعلانه قال: "إنّ المبادرة السعوديّة- الأمريكيّة بإطلاق مفاوضات غير مباشرة بين ممثلي القوات المسّلحة السّودانية وقوات الدّعم السّريع في "جدة" للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النّار تستحقّ الدّعم"!
فهل شكلت الجامعة العربيّة لجنة خاصّة لدعم وساطة منفصلة؟ وهل تضم أيضًا السعوديّة لتدعم نفسها؟
لعلّ بعضهم يرى أنّ هناك خلافاتٍ أو تمايزاتٍ بين "مبادرة جدة" وبين رؤية الجامعة العربيّة؛ ولكن مع التدقيق في الوساطة السعوديّة -الأمريكيّة لا نجد ما يسوّغ التمايز، إذ أعلنت وزارة الخارجيّة السعوديّة مضمون المحادثات في "جدة"، وأكّدت أنّ السعوديّة والولايات المتحدة الأمريكيّة حثتا الطرفين على
الانخراط بجديّة في المحادثات؛ وذلك لتحقيق الأهداف الآتية:
- تحقيق وقف فعّال قصير المدى لإطلاق النّار.
- العمل على تسهيل وصول المساعدات الإنسانيّة الطارئة.
- استعادة الخدمات الأساسيّة.
- وضع جدول زمني لمفاوضات موسّعة للوصول إلى وقف دائم للأعمال العدائيّة.
تاليًا؛ هذه البنود العامّة، والتي لا تشكّل خلافًا بين أي رؤى للوساطة، تقول إنّ التفسير الوحيد لانفصال عمل الجامعة العربيّة عن المبادرة السعوديّة- الأمريكيّة هو وجود انقسام عربي يحول دون تبنّي الجامعة رسميًا لهذه المبادرة، وإلّا لكان هذا التبنّي بمثابة تقوية للوساطة.
2- في بداية الأزمة؛ أعلنت الإدارة الأمريكيّة أنّها تنسق مع كلٍّ من الإمارات والسعوديّة في محاولة لإنهاء الاشتباكات. وحاليًا توجد مبادرة أمريكيّة- سعوديّة لا تضمّ دول الإمارات العربيّة المتّحدة، كذلك اللّجنة المنبثقة عن الجامعة العربيّة لا تضم الإمارات، وهنا العامل المشترك المنطقي يعني أو يفيد بغياب الاتفاق السّعودي- الإماراتي عن الوساطة؛ بل وعدم الاتفاق على الرؤية وتناقض الأهداف والمصالح في السّودان.
يؤكّد ذلك تواتر التقارير عن مراقبين إقليميين ودوليين، بأنّ السعوديّة تفضّل رئيس المجلس العسكري "عبد الفتاح البرهان" في الصراع القائم بينه وبين رئيس قوات الدّعم السّريع "حميدتي"، بينما تدعم الإمارات الأخير.
3- يثار هنا، أيضّا، تساؤل عن الرباعيّة الدوليّة ومستقبلها. فقد أكّدت دول رباعيّة السّودان(السعوديّة والإمارات وبريطانيا وأمريكا) في بيان لها في بداية الأزمة، على وقوفها بجانب الشّعب السّوداني، وطالبت بعودة الحكومة المدنيّة الانتقاليّة ومؤسساتها فورًا.
حاليًا؛ اختفت بيانات الرباعيّة واختفى دورها، وهذا ما يؤكّد ما رُصد من خلاف سعودي - إماراتي من جهة، ومن جهة أخرى إعلان مبكر عن انتهاء دور هذه الرباعيّة. وهو أمر ربما يتخطّى الأدوار المشتركة والتكتلات التي تضمّ السعوديّة والإمارات في ملف السّودان وحده؛ بل ربما تتطوّر لتحالفات وأدوار مشتركة في ملفات أخرى.
أمر آخر بدأ يخرج إلى العلن، ويهدّد وحدة العمل الخليجي والعلاقات البينيّة، وهو ما أطلقه مغرّدون ونشطاء سعوديون من حملة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر" تحت وسم #ذيول-الامارات؛ وقالوا إنّها حملة "لفضح مرتزقة أبوظبي"، والتشهير بهم في ظلّ انخراطهم بدعم مؤامرات الإمارات، بحسب تعبيرهم.
كما تناول المغرّدون صورًا لمن أطلقوا عليهم "سعوديو الإمارات"، ووصفوهم بأنّهم أقلام مأجورة للدفاع عن الإمارات على حساب بلدهم.
هذه كلّها علامات مقلقة تستدعي علاجًا فوريًا، وحكمة في احتواء هذه الوضع التعيس للعمل الخليجي المشترك.