(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
منذ أن بدأت السّعودية العمليّة العسكريّة التي أطلقت عليها "عاصفة الحزم"، في المرحلة الأولى (بين 25 مارس/أذار و21 أبريل/نيسان العام 2015) من التدخّل العسكري الذي قادته السّعودية في اليمن، وشكلت تحالفًا من عشر دول بقيادة القوات المسلّحة السّعودية، كان الدور الإماراتي هو الأبرز من بين أعضاء التحالف كافة. فقد ضمّ التّحالف، والذي أُطلق عليه "تحالف دعم الشرعيّة اليمنيّة إلى جانب السّعودية"، مشاركات رئيسة من الإمارات العربيّة المتّحدة والكويت وقطر والبحرين والسّودان ومشاركات رمزيّة محدودة من الأردن والمغرب ومصر.
لكن ومع تطوّر الوضع؛ بات واضحًا للعيان أنّ الإمارات هي الشّريك الأكبر في التدخّل العسكري في اليمن، للدرجة التي ظهرت معها خلافات وصراعات على النفوذ بين السّعودية والإمارات! .. ومؤخرًا، كشفت صحيفة الغارديان البريطانيّة عن إيعاز من دولة الإمارات إلى مرتزقتها في اليمن لإفشال اتفاق سلام محتمل، في ظلّ محادثات بين جماعة الحوثي والمملكة العربيّة السّعودية. وذكرت الصحيفة، في التفاصيل، أنّ قادة المجلس الانفصالي الجنوبي، والمدعوم من "أبو ظبي"، اشتكوا من تهميشهم في المحادثات الحاسمة التي عقدت في الرياض بين السّعودية والحوثيين بشأن مستقبل اليمن.
ووفقًا للصحيفة، فقد حذّر هؤلاء من أنه لا يمكن فرض أي اتفاق سلام على الجنوب، وصرّح اللواء "عيدروس الزبيدي" زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي، وهي المجموعة المدعومة من الإمارات والسّاعية إلى استقلال الجنوب:" لقد هُمّشنا ودفعنا إلى جانب واحد في هذه المحادثات، نحن نعرف ما يحدث من خلال وسائل الإعلام".
كما تفيد التقارير بأنّ وزير الخارجية الأمريكي "توني بلينكن" يضغط على السّعودية والإمارات للعمل معًا. ولكنّ الإماراتيين، والذين يدعمون المجلس الانتقالي الجنوبي، يخشون أن تكون المملكة مستعدة لإبرام أي اتفاق طالما أنّ الحوثيين يضمنون وقف الهجمات، وخاصة ضربات الطائرات من دون طيّار عبر الحدود بين اليمن والمملكة. وهو ما يعني بشكل مباشر، غياب التنسيق السّعودي الإماراتي، والأخطر من ذلك هو غياب الرؤية المشتركة، بل ووجود تضارب في المصالح والأجندات.
ففي تقرير نشره معهد كارنيجي، يقول "نيل بارتريك" إنّ الإمارات سوف تستمرّ في ترسيخ دورها في الجنوب وفي البحر الأحمر، أملاً بأن تتمكّن، في خضم ذلك، من زيادة تأثيرها إلى أقصى حدّ في التطورات السياسية في اليمن، وبصورة غير مباشرة، في السّعودية. وعليه، سوف يستمر خطر حدوث خلافات في الرأي بين الإمارات والسّعودية التي ينظر إليها الإماراتيون بأنّها الفاعل السياسي الأول، والذي لا غنى عنه في الشؤون اليمنيّة، إنّما أيضًا، وفي الوقت نفسه بأنّها طرف عسكري حذر يفضّل الهجمات الجويّة على الالتزام جدّيًا بتحقيق تغييرات على الأرض.
ولم تكن الصّحف الصهيونية غائبة عن هذا الملف. فقد نشر، في وقت سابق، "عنبال نسيم لوفطون" و"موران زاغا" تقريرًا في صحيفة هآرتس، وقالتا إنّ وسائل الإعلام الدوليّة تتناول الحرب في اليمن على السّياق الإقليمي، وإيلاء أهمية حاسمة للاعبين الرئيسيين المنخرطين فيها: السّعودية وإيران، لكن من دون التقليل من أهمية الاثنين، يجدر أيضًا تسليط الضوء على الديناميكيات بين اليمن والإمارات، وكذلك معالجة التداعيات المحتملة على العلاقة بين الإمارات و"إسرائيل" بشأن هذه الحرب.
أضاف التقرير الصهيوني أنّ الإمارات قاتلت في اليمن بقواتها من المشاة والجويّة والبحريّة، إضافة إلى توظيف مرتزقة، ودعم قوات غير نظاميّة انضمت إلى التحالف، ويبلغ عددها نحو مئة ألف شخص. وشمل الدعم الإماراتي نقل الأسلحة والتدريب العسكري والمساعدة اللوجستيّة وإنشاء قواعد عسكريّة ودفع الرواتب.
وبنت الإمارات موانئ بحريّة تحت تصرف أسطولها البحري، وحاولت التأثير على النظام السّياسي في اليمن، وتشكيل الترتيبات التي تبلورت في البلاد بعد الإطاحة بــــ"هادي" وحكومته.
من المنظور الصهيوني؛ يرتكز اهتمام الإمارات باليمن على عدد من المصالح الرئيسة، بعضها تتواءم مع السّعودية وأخرى تعبر عن وجهات نظر مستقلة، مثل: مسألة الدولة اليمنيّة أو موقفها من التدخل الإيراني. يعد التحالف مع السّعودية، ومن خلاله تعزيز المحور البراغماتي، هو الدافع الأساسي والمهم لــــ"أبو ظبي" في اليمن. لكن اتضح، مع تقدّم الحرب، وجود مصالح أخرى للإمارات، ومنها: الرغبة في تدريب جيشها على القتال الفعلي.
كان الدافع الآخر هو الفرصة الاستراتيجية التي أتيحت لها لتطوير أنشطتها البحريّة الواسعة، خارج حدودها، والحصول على موطئ قدم في نقاط المراقبة البحريّة لأغراض اقتصاديّة وعسكريّة واستراتيجيّة. وقد ضمن النفوذ الإماراتي في جنوب اليمن، ولاحقًا في جزيرة سقطرى (وربما أيضًا في جزيرة بريم)، السّيطرة على ما يحدث في مضيق باب المندب، والسّيطرة على السّاحل المقابل في القرن الأفريقي.
هنا؛ نحن بصدد معضلة خطيرة قد تعوق الوصول إلى حلّ سلمي في اليمن، وإنهاء هذه الكارثة التي قد تتطوّر لتجدّد القتال بشكل أكثر حدّة وخطورة على الأمن الخليجي والعربي، بل والدّخول في خضم الصراع الدّولي ولاسيما مع وجود دور أمريكي يبدو محرّكًا للأحداث، وعلى صلة بالصراع الأمريكي مع إيران وروسيا والصين.
بإمكان اليمن أن تكون بؤرة للتهدئة الإقليميّة، أو أن تكون جبهة صراع دولي ينكوي الإقليم بنيرانها, وهنا؛ فإنّ العلاقات السّعودية- الإماراتية ووجود رؤية مشتركة وتنسيق يقوم على مبدأ وحدة الأراضي اليمنيّة وحماية السيادة اليمنية، هي الضامن للخروج الآمن من هذه الكارثة.