يوسف عجلان - الخليج أونلاين
منذ تأسيس مجلس التعاون عام 1981، ومواقفه تجاه القضية الفلسطينية وعملية السلام واضحة في دعم حقوق الشعب الفلسطيني، ولم تتغير حتى اليوم مع تطورات الأوضاع في غزة وتصعيد العدوان الإسرائيلي ضد القطاع المحاصر.
وفتحت الدبلوماسية الخليجية جميع أبوابها عربياً ودولياً، حيث يتصدر التحرك الخليجي الواسع الداعم للقدس والفلسطينيين ردود الفعل العربية والإسلامية والعالمية والتحركات الدبلوماسية، التي لم تتوقف منذ بدء الحرب الإسرائيلية الأخيرة غير المسبوقة على غزة.
وبينما كانت قطر والكويت والسعودية تتصدر تلك التحركات سابقاً، تعمل دول الخليج الست حالياً من خلال عقد مؤتمرات مكثفة، واتصالات ولقاءات مع قيادات ومسؤولين دوليين، فهل تساهم بوقف التصعيد في غزة؟
قمم بمشاركة الخليج
لم تتوانَ دول الخليج عن تكثيف جهودها من أجل غزة، حتى إنها لم تتجاهل في قمم محددة مواعيدها سابقاً كقمة دول الخليج ورابطة "آسيان"، تأكيد ضرورة وقف إطلاق النار وفك الحصار عن غزة.
وفي القمة التي عقدت بالعاصمة السعودية الرياض (20 أكتوبر 2023)، أكد بيان مشترك عن القمة "إدانة جميع الهجمات ضد المدنيين، ودعوة جميع الأطراف المعنية إلى وقف دائم لإطلاق النار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية وإمدادات الإغاثة وغيرها من الضروريات والخدمات الأساسية إلى غزة".
كما دعا البيان جميع أطراف النزاع إلى حماية المدنيين والامتناع عن استهدافهم والالتزام بالقانون الدولي الإنساني، وخصوصاً مبادئ وأحكام اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.
ودعمت القمة "مبادرة المملكة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط بالتعاون مع مصر والأردن، وحل النزاع بين (إسرائيل) وجيرانها وفقاً للقانون الدولي".
وكانت الرياض أيضاً على موعدٍ مع عقد قمة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي (18 أكتوبر)، والتي استهجنت في ختامها "المواقف الدولية التي تساند العدوان الغاشم على الشعب الفلسطيني، وتمنح (إسرائيل) الحصانة والإفلات من العقاب، مستفيدة من ازدواجية المعايير التي توفر الغطاء للمحتل".
وعلى المستوى الجماعي دعت الدول الخليجية إلى وقف فوري لإطلاق النار، ووقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، وإنهاء الحصار الإسرائيلي له.
وجاء ذلك في ختام الاجتماع الوزاري الخليجي الذي عقد في العاصمة العمانية مسقط (17 أكتوبر)، حيث دعا إلى إنهاء "الحصار غير القانوني، وضمان توفير وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية والاحتياجات الأساسية، واستئناف عمل خطوط الكهرباء والمياه، والسماح بدخول الوقود والغذاء والدواء لسكان غزة".
وإلى جانب ذلك يشارك زعماء قطر، والإمارات، والبحرين، والكويت، والسعودية، في أعمال قمة مصر الدولية للسلام 2023 (السبت 21 أكتوبر)، وذلك بمشاركة العديد من الدول، لمناقشة خفض التصعيد في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.
حراك لا يتوقف
ولم يتوقف الحراك الدبلوماسي الخليجي عند المشاركة في قممٍ فقط، بل تجاوز ذلك إلى الانخراط الدبلوماسي ومحاولة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة من خلال الاتصالات واللقاءات المكثفة.
ومنذ اليوم الأول للعدوان (7 أكتوبر) أجرى المسؤولون الخليجيون على كافة المستويات اتصالات ومشاورات حول وقف الحرب بين "إسرائيل" وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة.
وتلقى أمير دولة قطر اتصالات بحث خلالها التطورات في غزة، خلال الأسبوعين الأولين من الحرب، شملت اتصالات مع الرئيس الإيراني، ورئيسي وزراء هولندا وإسبانيا واليابان وبريطانيا، فيما استقبل في الدوحة وزراء خارجية أمريكا وإيران وبريطانيا، وعقد لقاءات معهم.
كما أجرى رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية لقاءات واتصالات، كان من بينها لقاء جمعه بميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط ودول أفريقيا، ورئيس الوزراء البريطاني.
وأجرى "آل ثاني" مباحثات هاتفية حول التطورات في فلسطين مع وزراء خارجية السعودية، وعُمان، ومصر، والأردن، وتركيا وإيران وبريطانيا، وهولندا، إضافة إلى مسؤول الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي.
أما ولي العهد السعودي فقد أجرى مباحثات هاتفية مع زعماء دول خليجية وغربية وعربية، ومع رئيس الوزراء البريطاني، قبل أن يلتقيه في الرياض.
كما التقى وزير خارجية أمريكا، وبحث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع نظيرتيه اليابانية والألمانية، ونظيريه السويسري واللبناني، إلى جانب وزراء خارجية التعاون الخليجي ومصر والأردن ودول المغرب العربي، وإيران والعراق، التطورات في غزة.
كما أجرى سلطان عُمان، وملك البحرين، والرئيس الإماراتي، وولي العهد الكويتي، ووزراء خارجية الدول الأربع، مباحثات مكثفة تركزت جميعها على تطورات الأوضاع في غزة، وسبل وقف العدوان الإسرائيلي.
وساطة قطرية
وكما كان للدبلوماسية القطرية دور في بحث وقف العدوان في غزة، كان التركيز على دور الدوحة في الوساطة بين حماس والغرب للإفراج عن أسرى لدى المقاومة في غزة، خصوصاً من قبل الولايات المتحدة التي كثفت جهودها من أجل حل هذا الملف.
وكشفت القناة الـ12 الإسرائيلية عن وجود جهود دولية تشترك فيها دولة قطر لإطلاق حركة "حماس" سراح النساء والأطفال ضمن صفقة، الذين تقول "تل أبيب" إن عددهم في قطاع غزة بحدود 200 شخص.
كما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن الولايات المتحدة طلبت من قطر التوسط للإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم حركة "حماس" في غزة.
وبحسب ما ذكرت الصحيفة (19 أكتوبر)، فإن قطر تعمل كوسيط بين "حماس" ومسؤولين أمريكيين في محادثاتها "المعقدة"؛ لوجود أشخاص من أكثر من 30 دولة من بين الرهائن.
كما أوضحت أنه "على اعتبار أن غزة منطقة حضرية مكتظة بالسكان ومليئة بالأسلحة والمقاتلين، وكيلومترات من الأنفاق تحت الأرض، فإن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن الإنقاذ العسكري أمر مستحيل، ما يعني أن الدبلوماسية تظل هي الجهد الرئيسي لإعادة الرهائن (الأسرى)".
من جانبه قال مسؤول عسكري إسرائيلي للصحيفة: إنه "بناء على المحادثات التي أجرتها الولايات المتحدة مع قطر هناك احتمال أن تقوم حماس بإطلاق سراح ما يقرب من 50 مواطناً من مزدوجي الجنسية بشكل منفصل عن أي صفقة أوسع".
تأثير كبير
يؤكد المحلل السياسي محمود علوش أن الجهود الإقليمية الجارية "مهمة من أجل إظهار رفض دول المنطقة والعالمين العربي والإسلامي لهذا التصعيد الإسرائيلي، لكنها غير كافية"، حسب قوله.
ويرى أن الدولة الوحيدة التي يمكن أن تمارس ضغطاً على "إسرائيل" حالياً من أجل وقف عدوانها على غزة هي "الولايات المتحدة الأمريكية".
ويلفت في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إلى أنه رغم ذلك فإن الموقف الإقليمي والخليجي "أعطى رسالة واضحة للولايات المتحدة و(إسرائيل) بأن الجميع لا يرغب بأن تذهب الأمور باتجاه تصعيد أكبر يؤدي إلى انفجار شامل في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويؤدي إلى حرب إقليمية واضطراب واسع النطاق".
ويؤكد أن دول الخليج اليوم "بطبيعة الحال مؤثرة إقليمياً بشكل كبير، ولديها تأثير بالطبع على ديناميكية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
وحول خطواتها الجارية قال: إن "ما قامت به من تنديد واضح بالجرائم الإسرائيلية، وتجميد الرياض لمساعي إبرام اتفاقية سلام مع تل أبيب كرد على التصعيد الإسرائيلي، هي خطوات إيجابية ومهمة".
وأضاف: "لا شك أن كل ذلك يمكن البناء عليه لممارسة مزيد من الضغط على أمريكا و(إسرائيل) للتوقف عن التصعيد وتحذير تل أبيب من عواقب مواصلة هذا العدوان على الشعب الفلسطيني، وأن علاقتها الجديدة التي بنتها، خصوصاً مع دول الخليج، مهددة إذا ما استمر التصعيد وقتاً أطول".
ومع ذلك يرى علوش أن الجهود الخليجية والإقليمية رغم أنها مميزة "لكنها غير كافية، وتجب ممارسة مزيد من الضغط على (إسرائيل) لوقف الحرب الهمجية؛ لأن المخاطر من حدوث حرب إقليمية تتزايد بشكل كبير".
وأضاف: "هذا ما يفسر الهواجس الكبيرة لدول الخليج من هذا الانفجار إن حدث، لأنه سيكون له تأثير سلبي على أمن واستقرار دول الخليج"، مدللاً على كلامه بالحديث عن الهجمات التي كشف عنها في العراق واليمن.
وخلص في ختام حديثه إلى أن "ما حدث يشير إلى إمكانية أن تندلع حرب بالوكالة، وهذا بطبيعة الحال سيكون له تأثير على أمن واستقرار منطقة الخليج".