كمال صالح - الخليج أونلاين-
في الحروب تتجلى الحقائق والمواقف أكثر من أي وقتٍ آخر، ويصبح من الصعب على الكثيرين أن يثبتوا على موقف، ويبرز هنا دور العلماء في الوقوف على ثغر الفتوى والدعوة والدفاع عن الحق.
بالمقابل، ينشط "أشباه العلماء" و"حكام السلاطين" في تثبيط العزيمة من جهة، أو الصمت عن الحق من جهة أخرى، وليس من هؤلاء مفتي سلطنة عُمان الشيخ أحمد الخليلي، الذي يسارع في إعلان مواقفه من قضايا الأمة المصيرية بثبات ووضوح، ما منحه احتراماً واسعاً في الأوساط العُمانية والعربية والإسلامية على حدٍّ سواء.
ومنذ السابع من أكتوبر، كان مفتي عُمان في مقدمة العلماء المباركين لعملية "طوفان الأقصى"، داعياً إلى مساندة المرابطين في غزة، ومدهم بالمساعدات، وإنقاذهم من جبروت الطغيان الصهيوني، بل وكان بمنزلة السند للموقف الرسمي العُماني الواضح والرافض للعدوان الصهيوني على القطاع.
رفض التطبيع
ليست مواقف الشيخ الخليلي وليدة اللحظة، إذ لطالما عُرف بمواقفه الرافضة للاحتلال، والداعمة لفلسطين. وفي كل حدث ومحطة يتجدد فيها الصراع مع الاحتلال، سياسياً أو عسكرياً، كان صوته حاضراً.
ففي 15 أغسطس من العام 2020، وبعد أيام قليلة من التطبيع بين الإمارات و"إسرائيل"، الأول خليجياً، خرج الشيخ الخليلي بتصريح قال فيه: "إن تحرير المسجد الأقصى والأرض من حوله واجب مقدس على جميع الأمة، ودين في رقابها"، داعياً إلى عدم المساومة عليه في حال عجز العرب عن تحريره.
وأعلن مفتي عُمان، في ديسمبر 2022، تأييده المشروع الذي طرح في مجلس الشورى العماني، بإحكام مقاطعة الكيان الصهيوني مقاطعة مطلقة في التجارة وغيرها، مؤكداً أن "تمادي الاحتلال في العدوان وعدم مبالاته بحقوق الشعب الفلسطيني، يُدخل الأُخوَّةِ الواجبة بين المسلمين".
وفي أوقات أخرى من المواجهة بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، سارع الشيخ الخليجي إلى الدعاء للأخيرة وطلب دعمها من الدول الإسلامية "حتى يستردوا أرضهم"، وإسنادهم مادياً، الذي اعتبره "أفضل البر".
وهنأ مفتي السلطنة، في مايو الماضي، المقاومة الفلسطينية لنجاحها في تطوير قدراتها الدفاعية، بعد قصفها مستوطنات إسرائيلية، "حتى تمكنت من إرعاب عدوها المحتل، وثَنْيه عن مضيه قدماً في عدوانه الغاشم، وردّه على أعقابه"، حسب تغريدة له.
وكان للخليلي موقف بارز من العدوان الإسرائيلي في مايو 2021، الذي بدأ من محاولات الاحتلال إخلاء حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة واقتحام باحات المسجد الأقصى المبارك، وصولاً إلى القصف على غزة.
حيث قال حينها إن "المقاومة الباسلة ببطولتها النادرة، وتضحياتها العظيمة، وخططها الموفقة، غسلت عن جبين هذه الأمة عاراً تلطخت به ردحاً من الزمن، فتمرغت في أوحال الذل، وتساقطت في دركات الهون".
وتابع في منشور آخر: "من أسوأ ما وقعت فيه الأمة تخاذلها عن الدفاع عن مقدساتها في أرض الإسراء والمعراج وترك تعاونها على تحريرها".
طوفان الأقصى
وما إن أطلقت المقاومة "طوفان الأقصى" ضد جيش الاحتلال في محيط غزة، حتى كان الشيخ الخليلي من أول العلماء دعماً ومباركةً لهذه العملية، وقال في تدوينة على حسابه الرسمي بمنصة "إكس": "وفق الله المقاومة الفلسطينية في دفاعها عن حقوقها المشروعة، واستبسالها في مواجهة العدو الغاشم".
الخليلي واكب تصاعد الأحداث في قطاع غزة، وكثف من نشر البيانات المساندة لسكانها ومقاومتها، وأعرب عن أسفه لحالة الصمت والتخاذل التي تبذلها الدول العربية، وصمت المجتمع الدولي تجاه تلك الجرائم.
ولم ينس مفتي عُمان الإشادة بمواقف "الأحرار من ذوي الضمائر الحية، الذين انحازوا للحق في القضية الفلسطينية"، مشيداً أيضاً بالحشود التي خرجت في لندن وعواصم أخرى حول العالم دعماً لفلسطين.
وذهب أبعد من ذلك، بنقده الواضح لعلماء أو شيوخ المسلمين "الذين أفرزتهم السياسات المنحرفة، والذين لم يكتفوا بتثبيط المجاهدين، بل كالوا التهم للمجاهدين الأحرار في فلسطين".
وأكد أن هناك "بوناً شاسعاً بينهم وبين مواقف المتعاطفين مع القضية الفلسطينية في العالم الغربي، الذين خرجوا بمسيرات مساندة، وأبدوا إعجاباً بالمجاهدين في غزة وأنحاء فلسطين".
انسجام مع موقف السلطنة
مواقف مفتي عُمان لطالما كانت تنسجم بدرجة كبيرة مع مواقف سلطنة عُمان سواء في الماضي أو الحاضر، وتجلى هذا الانسجام مؤخراً من خلال دعمه وتأييده لبيانات السلطات ومواقفها من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وفي 2 نوفمبر الجاري، أبدى الشيخ الخليلي شكره واعتزازه بموقف السلطنة الداعي لمحاكمة قادة الاحتلال الإسرائيلي على جرائم الحرب التي يرتكبونها في غزة، مؤكداً أن هذا "موقف الشرف الذي تقتضيه الأخوة الدينية والوطنية".
وقبل ذلك أشاد بموقف السلطنة الذي قضى بإغلاق المجال الجوي في وجه طيران دولة الاحتلال، مؤكداً أنها خطوة طال انتظارها، وتمنى أن تستمر، لافتاً إلى أن هذا "هو المعهود من مواقف عُمان التاريخية".
وهذا ما ذهب إليه المحلل السياسي العُماني عوض باقوير، الذي أوضح أن مواقف الشيخ الخليلي تنسجم مع الموقف الرسمي لسلطنة عمان، وأيضاً الموقف الشعبي.
وقال باقوير، في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "هناك انسجام كبير في المواقف المناصرة لفلسطين وضد العدوان الإسرائيلي سواء من خلال مواقف سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام سلطنة عمان، أو من الحكومة العمانية والشعب العماني".
مثار إشادة ومتابعة
أصبحت مواقف الشيخ الخليلي حول القضية الفلسطينية والقضايا الإسلامية، مثار إشادة ومتابعة على صعيد العالم الإسلامي، وفقاً للمحلل السياسي العُماني.
واستطرد باقوير قائلاً: "هناك تأثير كبير لعلماء الأمة الإسلامية، وخاصة مواقف سماحة الشيخ مفتي سلطنة عمان".
وأشار إلى أن "هذه المواقف تعكس حرص سماحته على تبصير المسلمين بمركزية القضية الفلسطينية وفي القلب منها القدس الشريف ومسجدها الأقصى المبارك".
مواقف ثابتة
ومنذ اليوم الأول للعدوان سارعت سلطنة عُمان، حكومة وشعباً، إلى مساندة فلسطين، كما أن الجمعيات الخيرية فتحت أبوابها للتبرع للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفقاً للمحلل السياسي باقوير.
وأوضح أن "هناك فرقاً طبية جاهزة للسفر إلى غزة فور توقف الحرب"، متابعاً: "من هنا فإن المساندة الرسمية والدينية والشعبية تجسدت بقوة في موقف سلطنة عُمان".
وأشار إلى أن ذلك "ينسجم مع المواقف الثابتة وقرارات الشرعية الدولية وضرورة قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من يونيو 1967، وإرجاع الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني".
ولفت باقوير، في تصريحه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن السلطنة أكدت من خلال مجلس الوزراء ومن خلال بيانات وزارة الخارجية العمانية، إدانتها الشديدة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، "بل إن البيان الأخير لوزارة الخارجية طالب بتقديم مجرمي الحرب في الكيان الإسرائيلي إلى محكمة الجنايات الدولية نتيجة المجازر التي ارتكبت في حق الآلاف من المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء وكبار السن في غزة".
وتطرق إلى أن عدداً من المدن العُمانية شهدت تظاهرات شعبية ضد السلوك العدواني الإسرائيلي الذي يعد عدواناً على القانون الدولي الإنساني.