كمال صالح - الخليج أونلاين-
يفرض عدوان "إسرائيل" المستمر على قطاع غزة منذ الـ7 من أكتوبر الماضي تحديات خطيرة في الشرق الأوسط، خصوصاً على المستوى العسكري، ليصبح ملف "تسليح" دولة الاحتلال مثار نقاش واهتمام قادة دول المنطقة.
ومؤخراً تزايدت المواقف المطالبة بوقف تسليح جيش الاحتلال، الذي ألقى بأكثر من 32 ألف طناً من المتفجرات على قطاع غزة، بواقع 87 طناً من المتفجرات لكل كيلومتر مربع، وبما يعادل قوة قنبلتين نوويتين شبيهتين بقنبلة "هيروشيما".
أحدث تلك المواقف كانت لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي دعا صراحة أمام قمة مجموعة "بريكس" الافتراضية الاستثنائية، يوم الثلاثاء 21 نوفمبر، دول العالم لوقف تسليح دولة الاحتلال رداً على جرائمها بغزة.
وحشية غير مسبوقة
دمار غير مسبوق أحدثه ولا يزال جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ الـ7 من أكتوبر، ومجازر أدمت قلوب العالم، فحتى نهار الأربعاء، الموافق 22 نوفمبر، استشهد 14 ألفاً و532 شخصاً، بينهم 6 آلاف طفل، إضافة إلى 7 آلاف مفقود بينهم 4700 طفل وامرأة، كما أسفر العدوان عن إصابة أكثر من 34 ألف جريح، 70٪ منهم أطفال ونساء.
هذا الدمار الهائل طال أكثر من 60٪ من مباني القطاع، مستشفيات ومساجد ومدارس وكنائس استُهدفت بقنابل وصواريخ شديدة التدمير، بعضهما حصلت عليها "إسرائيل" عبر جسر جوي دشنته واشنطن مع بداية العدوان على غزة.
وفي الوقت الذي كان العالم الحر يندد ويطالب بوقف الحرب، وتهتز مدن وعواصم العالم بالأصوات المناوئة للمجازر، كان البيت الأبيض وحكومات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، يصرون على حق "إسرائيل" في القتال "دفاعاً عن نفسها"، غير مكترثين بجرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال، وتجاهله لقوانين الحرب والمواثيق الدولية.
دعوة عربية وإسلامية
ومع وصول العدوان إلى الذروة، وتوغله في القطاع، ومسح أحياء كاملة شمال غزة، بعد تهجير سكانها إلى الجنوب، بدأ الحديث يتزايد حول ضرورة تأديب "إسرائيل"، وهذه المرة بوقف تسليحها.
وقبل دعوة الأمير محمد بن سلمان لدول العالم كانت القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، المنعقدة في 11 نوفمبر الجاري في الرياض، قد تضمنت قراراتها بنداً حول "مطالبة جميع دول العالم بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال، التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي والمستوطنون الإرهابيون في قتل الشعب الفلسطيني، وتدمير بيوته ومستشفياته ومدارسه ومساجده وكنائسه".
ومن غير الواضح ما إذا كانت تلك الدعوات والقرارات يمكن أن تمثل ضغطاً على الحكومات الغربية وعلى رأسها الأمريكية، لكنها قطعاً ستمثل إنذاراً مهماً للحكومات الحليفة لـ"إسرائيل"، وخصوصاً الولايات المتحدة ودول أوروبا، والتي بدأت تدرك كارثية استراتيجياتها القائمة على دعم دولة الاحتلال بشكل مطلق.
سلاح أمريكي وغربي
وبالرغم من تزايد الضغوط والدعوات لوقف دعم واشنطن اللامحدود لـ"إسرائيل"، فإن البيت الأبيض ثابت على موقفه، وهذا ما أكده في أحدث بياناته، مساء الأربعاء 22 نوفمبر، والذي جاء فيه أن الولايات المتحدة "مستمرة في دعم إسرائيل والتأكد من حصولها على ما تحتاجه من قدرات".
ومنذ اليوم الأول للحرب وجه جو بايدن إدارته برفع مستوى الدعم العسكري المباشر لدولة الاحتلال، وخلال الأيام الأولى أقامت الولايات المتحدة جسراً جوياً لنقل السلاح والذخائر الدقيقة إلى تل أبيب.
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أكدت، منتصف أكتوبر الماضي، أن "الإدارة الأمريكية أعطت الضوء الأخضر لبيع أسلحة دقيقة التوجيه لإسرائيل بقيمة 735 مليون دولار".
كما وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على تزويد "إسرائيل" بأسلحة دقيقة التوجيه "PGMs"، بقيمة 320 مليون دولار، من بينها قنابل "سبايس"، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية يوم 6 نوفمبر الجاري.
وكذلك ساهمت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في تسليح "إسرائيل"، كما أنها لم تفرض قيوداً على استخدام تلك الأسلحة والمعدات ضد الأهداف المدنية في غزة، ما جعلها شريكة في الإبادة، وفق مراقبين، في حين وضعت ألمانيا طائرتين مسيرتين من طراز "هيرون تي بي" تحت تصرف "إسرائيل" بعد أيام من عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر الماضي.
ضغوط متزايدة
تسبب إفراط "إسرائيل" في استخدام القوة العسكرية بشكل تجاوز حدود المعقول، بمأزق أخلاقي خطير للإدارة الأمريكية وحكومات غربية أخرى، أهمها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، تلك الحكومات التي رفدت الاحتلال بقدرات عسكرية دقيقة خلال الأسابيع الماضية.
ولأول مرة يصبح الحديث عن تسليح "إسرائيل" محور الاهتمام الإنساني والحقوقي داخل وخارج الولايات المتحدة ودول أوروبا، وانتقل الأمر إلى جدل داخل مؤسسات صناعة القرار، حتى في البيت الأبيض.
وفي 19 من أكتوبر الماضي، أعلن جوش بول، الذي كان يشغل منصباً في وزارة الخارجية الأمريكية يتعلق بعمليات نقل الأسلحة، استقالته، احتجاجاً على استمرار إدارة بايدن بتزويد "إسرائيل" بالأسلحة والذخائر.
كذلك خرج رئيس الوزراء الإيطالي السابق جوزيب كونتي، مطالباً بوقف إمدادات الأسلحة إلى "إسرائيل"، خلال جلسة للبرلمان الإيطالي قبل أيام، قائلاً: "لا نريد أن تحمل القنابل اسم إيطاليا، لا نريد أن يكون هذا القتل باسمنا".
وفي فرنسا، قرر ائتلاف قانوني ولجنة محاماة حقوقية رفع دعاوى ضد مسؤولين أوروبيين وشركات أسلحة لتورطهم في تصدير أسلحة لـ"إسرائيل" بشكل يسهم في قتل المدنيين بقطاع غزة.
وعلى ذات الصعيد، طالبت منظمات حقوقية ومجموعات غير حكومية إدارة بايدن بوقف خطط تزويد "إسرائيل" بقذائف المدفعية، في حين أعربت أكثر من 30 منظمة إغاثة وجماعات أخرى عن قلقها من استمرار وزارة الدفاع الأمريكية بتزويد القوات الإسرائيلية بقذائف من عيار 155 ملم.
قاعدة غربية متقدمة
بالنظر إلى طبيعة علاقة دول الغرب مع "إسرائيل"، يتضح أنه من المستحيل أن تتخلى هذه الدول عن دولة الاحتلال، أو أن تتوانى عن تقديم الدعم اللازم لها، وهذا ما ذهب إليه الخبير العسكري والاستراتيجي إسماعيل أيوب.
وقال أيوب، في تصريحات لـ"الخليج أونلاين": إن "الدول التي أسست "إسرائيل"، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا، حتى منتصف الستينيات، كانت تدعمها بشكل كبير جداً، وأسست لها صناعات عسكرية، ومن ثم انتقل الدعم الأكبر لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، في أواسط الستينات، مع بقاء الدعم البريطاني الفرنسي، وبعض الدول الأوروبية الأخرى لها".
وأضاف: "ومن ثم فهم يعتبرون "إسرائيل" قاعدة غربية متقدمة لهم في هذه المنطقة المهمة من العالم، وجو بايدن عندما أتى بعد 7 أكتوبر إلى فلسطين المحتلة، لزيارة قادة الكيان، قال جملة مشهورة جداً: "لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها"، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أنه لا أحد يستطيع التأثير على أمريكا لمنع تسليح إسرائيل".
ويوضح أيوب أن "البيان الخُماسي الصادر عن أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا (بعد بدء الحرب لتأييد الاحتلال)، يكفي لأن نستنتج أن لا أحد يستطيع أن يوقف دعم "إسرائيل" من قبل هذه الدول".
وكانت الدول الخمس أصدرت بياناً بعد يومين من هجوم "طوفان الأقصى" على مستوطنات الاحتلال؛ رداً على انتهاكاته، أكدت فيه تعهدها بـ "دعم إسرائيل في جهودها للدفاع عن نفسها"، متجاهلة جرائم "إسرائيل" في غزة.
وأشار إلى أن "إسرائيل" أصبح لديها مصانع أسلحة كبيرة جداً، واستطرد قائلاً: "تصور أن ألمانيا، أم المكننة، وأم الصناعة، تستورد نظام آرو 3، للدفاع الجوي الفضائي من "إسرائيل"، بقيمة 3.5 مليار دولار، من أجل حماية الأجواء الألمانية".
ضغوط بلا تأثير
وحتى لو كان هناك ضغوط عربية وإسلامية على الغرب لوقف تسليح "إسرائيل" فإنه لن يفلح، والسبب، وفقاً للخبير العسكري أيوب، أن الغرب ينظر إلى المجتمع المسلم على أنه "إرهابي"، حتى لو كانت الأنظمة السياسية حليفة لهم".
واستطرد قائلاً: "وبناء عليه فهم يدعمون "إسرائيل" من أجل هذا الغرض، السيطرة على الدول المحيطة بفلسطين المحتلة، سياسياً واقتصادياً وفكرياً وثقافياً وما إلى ذلك".
وقلل أيوب من جدوى القرارات والدعوات العربية، لافتاً إلى أنها تفتقر إلى التطبيق، مضيفاً: "لا أعتقد أن هذه الدعوات تؤثر على الدول التي تدعم "إسرائيل" بالمال والسلاح"، مؤكداً أن "سياسة التنديد والشجب والاستنكار لا يمكن أن توقف إسرائيل".
وقال: "لا يوقف "إسرائيل" إلا التهديد باستخدام القوة، أو استخدام القوة لردعها، وحالياً لا أعتقد أن هناك حكومة عربية أو إسلامية قادرة على القيام بذلك".