يوسف حمود - الخليج أونلاين-
كانت الحرب في السودان خبراً سيئاً لدول الخليج لأكثر من سبب. وعلى الرغم من تباين المواقف تجاه طرفيها؛ الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، فإن دول مجلس التعاون وفي المقدمة السعودية حاولت جاهدة رأب الصدع وإنقاذ البلد من الدخول إلى المجهول.
أما موقف المجتمع الدولي من الصراع على السلطة في السودان، فيتسم باللامبالاة إلى حد بعيد، حيث فوّتت أمريكا وحلفاؤها الغربيون فرصة ذهبية لانتقال البلاد إلى الحكم المدني قبل 4 سنوات بعد عزل الرئيس السابق عمر البشير، ووقفوا متفرجين بعد إزاحة الحكومة المدنية بقيادة عبد الله حمدوك.
وعاد الدور الغربي للواجهة بعد أن أصدر مجلس الأمن قراراً يلزم بوقف الحرب مؤقتاً، وهو ما قد يعطي فرصة للوساطات الهادفة لوقف الحرب التي أوقعت عشرات آلاف القتلى والجرحى.
وكانت دول الخليج من أوائل المرحبين بالقرار، حيث يأتي اهتمامها بهدف تحقيق الاستقرار المنشود في البلاد، فيما تسارع إلى تنويع الدعم والمساعدات للتخفيف عن معاناة السكان الذين تجرعوا الويلات، وصولاً إلى استضافة طرفي الصراع للوصول إلى الحل ووقف الحرب.
قرار دولي وترحيب خليجي
في قرار بارز له منذ بدء الحرب في السودان، دعا مجلس الأمن الدولي (8 مارس) إلى وقف "فوري" لإطلاق النار في السودان خلال شهر رمضان مع تدهور الأوضاع في البلاد، حيث بات ملايين الأشخاص مهددين بالمجاعة، وهو ما رحبت به دول الخليج في بيانات متفرقة.
كما أعرب الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، جاسم البديوي، عن ترحيبه بتبني مجلس الأمن القرار، وأكد مواقف وقرارات مجلس التعاون الثابتة بشأن أهمية الحفاظ على سيادة السودان وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه، ومساندته في مواجهة تطورات وتداعيات الأزمة الحالية.
ومطلع مارس الجاري، حثت دول مجلس التعاون طرفي الصراع في السودان على ضرورة التهدئة وتغليب لغة الحوار وتوحيد الصف، مؤكدةً الحاجة المُلحة لإيجاد حل شامل للأزمة ومنع انهيار المؤسسات في البلاد.
وأشارت إلى أنها تشجع المحادثات التي تيسرها السعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية الدولية للتنمية، والاتحاد الأفريقي بين ممثلي القوات المسلحة السودانية وممثلي قوات الدعم السريع، التي استؤنفت بمدينة جدة السعودية في 29 أكتوبر الماضي.
وأكد مجلس السيادة السوداني، على لسان ياسر العطا، مساعد القائد العام للجيش (10 مارس) أنه لن تكون هناك هدنة في شهر رمضان إلا إذا نفذت "قوات الدعم السريع" اتفاق جدة الذي تم توقيعه في مايو الماضي.
حضور قطري وإشادة
بعد يوم من إعلان مجلس الأمن قراره، زارت وزيرة الدولة للتعاون الدولي بدولة قطر، لولوة الخاطر، السودان برفقة مساعدات إنسانية، لإغاثة السكان، وأعلنت موقف بلادها الثابت تجاه السودان، ودعمها لوحدته وأمنه واستقراره وتطلعات شعبه.
وأعلنت الوزيرة القطرية استئناف الجسر الإنساني مع السودان، مشيرةً إلى أنه سيستمر طوال شهر رمضان، ليحمل الغذاء وخِيَماً للإيواء وسيارات للإسعاف، علماً أن قطر بدأت الجسر الجوي، العام الماضي، بتوجيهات من أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لإيصال الدعم الإنساني، وإجلاء المقيمين من السودانيين إلى قطر.
وعقدت خلال زيارتها بمدينة بورتسودان لقاءات مع مسؤولي وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة هناك، كما التقت بوزير الخارجية السوداني علي الصادق.
وعقب اللقاء، أشاد وزير الخارجية السوداني علي الصادق علي بدعم قطر لوحدة وسلامة الأراضي السودانية، مؤكداً أنها من الدول التي تقف إلى جانب العدالة، وأنها آلت على نفسها أن تكون مع الحق دوماً، ومن ذلك ما يجري في قطاع غزة.
وأضاف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء القطرية "قنا": "قطر محبة للسلام والعدل، وإذا حاولنا أن نعدد مساهماتها في إحلال السلام في المنطقة ومختلف دول العالم فسوف نحتاج لوقت طويل".
وقال: "قطر ظلت داعمة ومساندة دائماً، بتوجيهات القيادة الحكيمة، لوحدة السودان وسلامة أراضيه"، مشيداً بتقديمها دعماً إنسانياً مسانداً لبلاده في المحافل الدولية؛ ما جعلها سباقة في مناصرته بصورة دائمة.
ويشير التحرك القطري السريع إلى رغبة من الدوحة في القيام بدور لتخفيف الأزمة في السودان، يقتصر حالياً على الدور الإنساني، إلا أن احتمالية القيام بدور سياسي ليست مستبعدة، خصوصاً مع تجربتها الناجحة في اتفاق دارفور قبل أعوام.
دور قطر والسعودية
يرى المختص بالعلاقات الدولية والشؤون الأمنية، عامر حسن، أن قرار مجلس الأمن الدولي بشأن وقف إطلاق النار في السودان يبعد شبح التدخل العسكري الدولي مؤقتاً ويمنع تكرار الحالة الليبية.
ويوضح أن القرار يعطي الحكومة السودانية "حق المطالبة بالتزام القوة المتمردة (الدعم السريع) بما اتفق عليه في منبر جدة، والذي يطالب بخروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين والأعيان المدنية من مرافق الدولة المختلفة".
وأضاف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن هذا القرار وافقت عليه الحكومة السودانية، وقدمت تساؤلات عبر مندوبها في الأمم المتحدة، للأمين العام ومجلس الأمن حول كيفية تنفيذ ما اتفق عليه في جدة، خصوصاً "المشكلة الإنسانية التي يهدف قرار وقف إطلاق النار إلى الوصول إليها".
ويتوقع حسن عودة منبر جدة برعاية السعودية، على ضوء قرار مجلس الأمن الدولي، موضحاً: "ذلك لأن الطرفين سيحرصان على إبداء حسن النوايا؛ تجاوباً مع قرار المنظمة الدولية"، إلا أنه في الوقت ذاته يرى أن مآلات هذا التفاوض "ستظل غامضة وأقرب للفشل بقراءة استمرار الدعم السريع في انتهاكاته ضد المواطنين في عدد من ولايات السودان".
وحول الدور القطري، يشير إلى أن العلاقات بين البلدين "بدأت تشهد دفئاً بعد قرارات البرهان في أكتوبر 2022 بإنهاء حقبة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، إلا أن هذه العلاقات لا تزال بعيدة عما كانت عليه أيام حكومة الإنقاذ الوطني".
وعن الدور الإنساني القطري، يؤكد أنه "كبير جداً منذ رعاية الدوحة لاتفاق سلام دارفور قبل سنوات ولا تزال الإغاثة القطرية تصل للسودان بعد بداية الحرب الدائرة حالياً، ويتوقع استمرار الدور الإنساني".
أما في الجانب السياسي بعد الحرب، فيرى "احتكار السعودية لمسار السلام عبر منبر جدة وقلة التواصل القطري مع قوى الدعم السريع المتمردة"، مؤكداً أن "أبواب السياسة والحرب تبقى مشرعة لكل المفاجآت والأحداث".
مفاوضات السعودية وتردي الأوضاع
وقوض عدم إحراز تقدم في المحادثات بمدينة جدة السعودية آمال التوصل إلى حل للصراع الذي تسبب في تشريد الملايين داخل وخارج السودان، وقوض الاقتصاد، وأدى إلى مذابح على أساس عرقي في دارفور، وبات شبح التقسيم يلوح في الأفق.
وتتجه الأوضاع في السودان نحو مسارات أكثر تعقيداً للصراع المسلح الذي تشهده البلاد منذ قرابة ثمانية أشهر وسط مخاوف من سيناريو انفصال جديد بعد تعثر المحادثات التي تجرى بوساطة سعودية وأمريكية بين طرفي الصراع، ومواصلتهما القتال الذي تسبب في أزمة إنسانية كبيرة.
وبعد نحو 3 أشهر تقريباً من توقفها من جراء خرق طرفيها هدنة وقف إطلاق النار، لا تزال الآمال قائمة بعودة المفاوضات بشأن الأزمة السودانية إلى "منبر جدة"، بمشاركة الجيش السوداني، و"قوات الدعم السريع".
ومنذ منتصف أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني والدعم السريع حرباً خلفت الكثير من الضحايا ونحو 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقاً للأمم المتحدة، فضلاً عن مقتل عشرات الآلاف.
ويحتاج نصف سكان السودان، البالغ عددهم نحو 50 مليون نسمة، إلى مساعدات إنسانية، و"أقل قليلاً من 18 مليون شخص على طريق المجاعة"، أي "بزيادة 10 ملايين شخص مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي"، بحسب الأمم المتحدة.