سياسة وأمن » حروب

الإمارات وسيناء ومستقبل القطاع

في 2024/10/25

(أحمد شوقي\راصد الخليج)

إزاء عدم الاهتمام وعدم المبالاة الكاملة التي تبديها الأنظمة الرسمية تجاه استمرار حرب الإبادة في غزة واتساعها إلى لبنان، تتجه الأنظار بشكل أكبر نحو الأنظمة التي تعترف بالعدو الإسرائيلي وتقيم معه علاقات تطبيع، ولا تتخذ موقفًا ولا تستخدم وقة للضغط.

لكن اللافت أنّ هناك تعاونًا، وربما إعدادًا لما بعد الحرب بين بعض الأنظمة وبين "إسرائيل" وأميركا، وخاصة في ما يعرف بــــ"اليوم التالي للحرب"، ومستقبل غزة وخطط العدو في هذا الملف. ومع أن موضوع التطبيع السعودي- الإسرائيلي هو الذي يحظى بنصيب الأسد من التغطيات الصحفية وتقارير مراكز الدراسات والأبحاث، إلا أنه يبدو مؤجلًا قليلًا إلى حين الانتهاء من الحرب الراهنة وانتظار نتائجها. وهنا؛ الأخطر في هذه المرحلة هو الدور الإماراتي الذي تشير التقارير إليه، كونه مساعدًا لــــ"إسرائيل" في معركتها، ويقوم بإجراءات عملية على الأرض لخدمة خطط "إسرائيل" لليوم التالي للحرب.

هذا الدور تتواتر عنه التقارير والشواهد، وأهمها ما يتعلق بالدور الإماراتي في سيناء المصرية، وتحركات إماراتية مشبوهة؛ إذا ما اقترنت بمطالب نتنياهو وخطط العدو وطموحاته في سيناء. فقد طالب نتنياهو علنًا السعودية والإمارات بتأدية دور في مستقبل غزة، كما لا يخفي نتنياهو ولا جنرالاته ولا وزراء حكومته طموحاتهم في سيناء وطرد الشعب الفلسطيني وتهجيره.

في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، أعلن وزير الاستثمار الإماراتي محمد السويدي عن انطلاق الخطة الجديدة لـتعمير شمال سيناء. وهي خطة تنمويّة اقتصادية عمرانية تمتدّ على مدار الخمس سنوات القادمة، وخٌصّص لها 363 مليار جنيه أي ما يعادل 11,6 مليار دولار، بعد لقاء جمعه برئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عقب تفقده لمعبر رفح البرّي.

في الثالث من سبتمبر/أيلول الماضي، حطت طائرة في مطار العريش شمالي سيناء في مصر، حاملةً على متنها وفدًا استثماريًا إماراتيًا من شركة "مصدر" المتخصصة في استثمارات الطاقة المتجددة. وكان في استقباله محافظ شمال سيناء الجديد خالد مجاور وعصام العرجاني نجل رجل الأعمال المقرب من النظام إبراهيم العرجاني. وتفقد الوفد عدة مواقع في مدينتي رفح والشيخ زويد القريبتين من الحدود مع قطاع غزة، بهدف إنشاء محطة "رياح" لتوليد الكهرباء.

هذه الزيارة وتوقيتها لفتت أنظار المراقبين في المنطقة وفي الخارج. وبحسب موقع daraj.media؛ السياق الذي أتت فيه الزيارة والأشخاص الذين كانوا في الاستقبال وطبيعة الاستثمار المحتمل، عبر شركة تابعة للحكومة الإماراتية تُعرف باستثماراتها السخية في "إسرائيل"، وتوقيت الزيارة الذي يأتي بينما تواصل "إسرائيل" احتلالها معبر رفح وتمسكها بالبقاء في محور فيلادلفيا؛ يطرح الكثير من التساؤلات عن الأهداف الخفية لهكذا زيارة.

بالعودة إلى ما قبل إعلان التطبيع بين الإمارات و"إسرائيل"، في العام 2018، كشفت مجلة نيويوركر الأميركية عن تدخل عسكري إماراتي بغطاء جوي إسرائيلي في شبه جزيرة سيناء بزعم المشاركة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وقالت المجلة إنه، في المرحلة الأخيرة، امتد التعاون بين "إسرائيل" والإمارات ودول خليجية أخرى إلى سيناء. وأشارت إلى أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد نشر قوات إماراتية في سيناء لتدريب ودعم القوات المصرية بمساعدة من طائرات حربية إسرائيلية، وبالتنسيق مع وكالات الاستخبارات الإسرائيلية.

كما أكدت المجلة أن القوات الإماراتية تقوم، في بعض الأحيان، بما وصفته بمهام لمكافحة الإرهاب في سيناء. وقالت إنه مع رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الإعلان عن علاقاته بكل من ولي عهد أبو ظبي وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، هو لا يريد تعريضهما للمخاطرة. ولكنه على المدى البعيد يريد نتنياهو أن يتخذ ابن زايد وابن سلمان خطوات للاعتراف بـــ"إسرائيل"، وهو ما قد يصيب الفلسطينيين بالاشمئزاز.
لقد كان ذلك سابقا لإعلان ما عرف بالاتفاقيات الإبراهيمية وإعلان التطبيع مع الإمارات، وبعد التطبيع، شكّلت شركة  "مصدر" أول أداة استثمارية للإمارات للتطبيع مع "إسرائيل"، إذ عقب خمسة أشهر فقط من توقيع الاتفاق أعلنت

"مصدر" وشركة "إي دي إف رينوبلز" توقيع اتفاقية استراتيجية لاستكشاف فرص الطاقة المتجددة ودعم أهداف الطاقة النظيفة في "إسرائيل".

مع نهاية العام 2021؛ توسعت المحفظة الاستثمارية لــــ"مصدر" عبر انتقال ملكيتها إلى الشركات الثلاثة "أدنوك" و"مبادلة" و"طاقة" التابعة للصندوق السيادي لأبو ظبي، قبل أن تؤدي الشركة دور رأس الحربة في اتفاق تبادل الطاقة والمياه بين الأردن و"إسرائيل".

هذا؛ ويُعدّ استثمارها الأهم هو شراؤها نحو 22 في المئة من حقل الغاز الطبيعي البحري "تمار" مقابل أكثر من مليار دولار، قبل أن تنخفض لاحقًا إلى 11 في المئة. وهذا هو الحقل الذي يمد مصر باحتياجاتها الأساسية من الغاز الطبيعي، وقد بات اعتماد القاهرة عليه متزايدًا في ظل نقص حاجتها المحلية، ما شكّل ورقة ضغط إسرائيلية على مصر.

كما أن شركة "مصدر" لها علاقاتها مع اللوبي اليهودي الأميركي، وقد تنامت استثمارات شركة "مصدر" في مصر خلال الأعوام الماضية، إذ وقّعت عدة اتفاقيات لإنتاج الكهرباء عبر الطاقة المتجددة في كل من رأس غارب في خليج السويس والمنطقة الاقتصادية في قناة السويس ومجمع "بنبان" للطاقة الشمسية في أسوان.

في أثناء زيارته لشمال سيناء، تفقد وفد شركة "مصدر" الإماراتية منطقة قرية الشلاق الواقعة على ساحل مدينة الشيخ زويد، ووفقًا لصور الأقمار الصناعية، تبعد قرية الشلاق نحو 20 كيلومترًا عن الحدود مع غزة، لكن الأهم أن القرية يوجد فيها محطة محولات مسؤولة عن توزيع الكهرباء في المناطق المجاورة وهي الأقرب لغزة.

كما محطة الشلاق هي المسؤولة عن توزيع الكهرباء في الشيخ زويد ورفح وحتى كرم أبو سالم والعوجة والنقب والأماكن المجاورة، وطبيعي لو أن هناك كهرباء ستدخل إلى غزة مستقبلًا فستكون عبر محطة محولات الشلاق، كما يوضح العديد من المتخصيين والباحثين في شؤون سيناء.

لقد قال محافظ شمال سيناء السابق، في العام 2021، مع بدء أعمال بناء المحطة إنها سوف تغذي 30% من احتياجات قطاع غزة من الكهرباء، وهو ما جعل باحث مطلع مثل يزيد صايغ ومتخصص في العلاقات المدنية العسكرية المصرية يقول إن الإمارات لن تنظر إلى سيناء مطلقًا، مثل موقع استثماري "ابل" فأي نشاط هناك سيرتبط بالضرورة بمبادرات تتعلّق بقطاع غزة"

يعتقد صايغ أن: "المحطة الكهربائية المحتملة في الشلاق قد تشير إلى توقّع استضافة نازحين فلسطينيين من غزة، من دون أن يمنع ذلك إمكان استخدام المحطة لتوفير الكهرباء لغزة في حال توقف الحرب وبدء إعادة البناء"؛ بل ذهب صايغ أبعد من ذلك، حيث رصد أن الرئيس السيسي سلّم الوساطة بخصوص غزة إلى الإمارات، فأي خطوات تتخذها الإمارات في سيناء، خلافًا لمنطقة قناة السويس الاقتصادية، تخدم المشروع السياسي بالمقام الأول وليس التجاري.

العين الآن على سيناء ودورها في مستقبل غزة، وهل ستصبح وطنًا بديلاً بعد خطط الجنرالات في شمال غزة، أم أنها ستصبح مددًا لوجستيًا وخدميًا مساعدًا للكيان الإسرائيلي إذا ما قرر الاستيطان.. والعين على طبيعة الدور الإماراتي في مصر وحرص الإمارات على شراء الموانئ والمناطق الساحلية والاستراتيجية، والذي أثار حفيظة جنرالات مصريين استبعدوا من الخدمة في الجيش المصري على خلفية اعتراضهم.