سياسة وأمن » حروب

اللحظة الفارقة.. هل عجل العدوان على قطر من إنهاء حرب غزة؟

في 2025/10/09

كامل جميل - الخليج أونلاين

يبدو أن العدوان الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة ساهم بشكل كبير في وضع حد للحرب على غزة، حيث كان له تداعيات كبيرة واصطفافات عربية وإسلامية ودولية إلى جانب قطر، التي طالما كانت ساعية في جهود إقليمية ودولية لإرساء الأمن والسلام.

الحرب الإسرائيلية على غزة لم تكن كسابقاتها من جولات الصراع بين "إسرائيل" وحركة "حماس" الفلسطينية، فقد حملت في طياتها تحولات غير متوقعة، جعلت من حدثٍ واحدٍ نقطةَ انعطافٍ كبرى في مسارها.

فاستهداف الطائرات الإسرائيلية للدوحة في 9 سبتمبر الماضي، بدا أن شرارة جديدة ستضاف إلى أتون المنطقة المشتعل، غير أن ما جرى لاحقاً أثبت أنه بداية النهاية للحرب لا تمديداً لها.

ففي لحظة امتزج فيها الغضب بالدهشة، وجدت قطر الدولة التي لطالما اختارت طريق الوساطة والسلام نفسها في قلب عاصفة غير مسبوقة، بعدما أصابت غارة إسرائيلية مبنى سكنياً في عاصمتها يضم وفداً تفاوضياً من "حماس".

ولم يكن الهجوم مجرد حادث عسكري عابر، بل صدمة سياسية وأخلاقية أعادت رسم مواقف عواصم كثيرة، ودفع العالم إلى إعادة النظر في مسار الحرب وأثمانها.

إذ بدأت دوائر القرار في المنطقة والعالم تتحرك بسرعة غير معتادة؛ بعدما أدركت أن استهداف بلد وسيط في لحظة اشتعال الحرب يهدد بتفجير النظام الإقليمي بأسره، ومن هنا، تحولت قطر من متضرر إلى محورٍ دبلوماسي أعاد توجيه بوصلة الصراع نحو التهدئة.

من القصف إلى الاصطفاف الدولي

ومع تصاعد الرفض الدولي للاعتداء الإسرائيلي على الدوحة، تحركت الدبلوماسية القطرية بخطوات محسوبة رافضة أي تهاون في حماية سيادتها أو تعريض حياة مواطنيها للخطر.

وفي ظل ضغط دولي متزايد، بدأت ملامح التحول تظهر في الموقف الإسرائيلي، خصوصاً بعد دخول واشنطن بثقلها لاحتواء الأزمة.

تبين ذلك في 29 سبتمبر الماضي حين قدّم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اعتذاراً رسمياً للدوحة خلال اتصال هاتفي جمعه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس مجلس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.

اعترف نتنياهو بأن القصف كان خطأً غير مقصود وتعهد بعدم تكراره، بينما أكد الشيخ محمد بن عبد الرحمن رفض بلاده لأي انتهاك لسيادتها، مرحباً بالضمانات الأمريكية الجديدة لحمايتها من أي اعتداءات مستقبلية.

وفي خطوة وُصفت بأنها الأولى من نوعها في العلاقات الأمريكية الخليجية، أعلن البيت الأبيض، مطلع أكتوبر الجاري، أن الرئيس دونالد ترامب وقّع أمراً تنفيذياً يعتبر أي هجوم على قطر تهديداً مباشراً لأمن الولايات المتحدة.

القرار يعدّ تحولاً استراتيجياً منح الدوحة ثقلاً دفاعياً غير مسبوق، ويرسّخ موقعها بصفتها حليفاً موثوقاً في منظومة الأمن الإقليمي.

كما يُظهر القرار التزاماً أمريكياً أعمق تجاه أمن قطر، ويعزز الأهمية الاستراتيجية للعلاقات الثنائية بين البلدين، ويمنح الدوحة أهمية إضافية على المستويين الإقليمي والدولي كحليف يحظى بضمان أمني وعسكري مباشر من واشنطن.

وساطة قطرية حاسمة  

وبعد شهر من العدوان الإسرائيلي على قطر وبينما ما تزال آثاره حاضرة في الذاكرة، أعلنت "حماس" و"إسرائيل"، فجر 9 أكتوبر الجاري، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة استناداً إلى الخطة الأمريكية، وذلك بعد محادثات مكثفة استضافتها مدينة شرم الشيخ.

وخلال هذه المفاوضات، برز دور الدوحة بشكل لافت إذ شارك رئيس الوزراء القطري شخصياً فيها، ليؤكد أن بلاده لم تكتفِ بالوساطة من بعيد، بل وضعت ثقلها السياسي والدبلوماسي الكامل لإنهاء الحرب.

كما يؤكد هذا الحضور الرفيع، أن التحرك القطري في أعقاب العدوان حمل مزيجاً من الحزم والمرونة، ما جعلها تحظى بدعم دولي استثنائي وأنها باتت بعد الأزمة أكثر تأثيراً في إدارة ملفات النزاع من أي وقت مضى.

وفي نهاية واحدة من أعقد جولات الصراع في الشرق الأوسط، بدا أن قصف الدوحة، بكل مآسيه، لم يكن سوى الشرارة التي كشفت عن وجه جديد لقوة قطر الناعمة.

ووفق مراقبين، فإن قطر لم تنتصر بالسلاح بل بـ"الموقف" ولم ترد على العدوان بالانفعال، بل بـ"الثبات" لتؤكد أن الدبلوماسية الجادة قادرة على إيقاف الحروب، وربما على كتابة فصل جديد في تاريخ المنطقة.

وهو ما يذهب إليه الكاتب والمحلل السياسي إباد الدليمي، الذي يشير، في حديث لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن "اللحظة الفارقة في عمر حرب الإبادة التي شنتها "إسرائيل" على قطاع غزة كانت لحظة استهداف الدوحة من قبل الاحتلال الإسرائيلي".

يؤكد الدليمي أن "اختيار الهدف من قبل نتنياهو كان خاطئاً جداً"، في إشارة إلى استهداف الدوحة، مبيناً أن ذلك "دفع قطر إلى تفعيل كل أدواتها الدبلوماسية".

هذا التفعيل للأدوات مكن قطر من النجاح "في حشر نتنياهو في الزاوية"، بحسب الدليمي، الذي يلفت إلى أن "هذا الأمر دفع بالرئيس ترامب إلى زيادة الضغط على نتنياهو وصولاً إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار".

كما يشير الدليمي إلى أن "اتفاق وقف الحرب على غزة، يمكن أن يبنى عليه مستقبلاً خاصة أن أغلب دول المنطقة منخرطة فيه وتسعى لتثبيته، فضلاً عن أنه يؤكد مجدداً على قدرة قطر في التعامل مع النزاعات سواء في المنطقة أو العالم ويثبتها كوجهة لصناعة السلام عبر الدبلوماسية".