في 2025/12/27
يوسف حمود - الخليج أونلاين
أثار البيان السعودي التحذيري بشأن التحركات العسكرية للمجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة، تساؤلات واسعة حول حدود التسامح الإقليمي مع التصعيد داخل المعسكر المناهض لجماعة "الحوثي" وتحديداً من قبل "الانتقالي"، في وقت تتكثف فيه الضغوط الدولية لدفع الأطراف اليمنية نحو التهدئة والحفاظ على وحدة المؤسسات الشرعية.
البيان، الذي وصف التحركات بأنها كانت أحادية ودون تنسيق، حمل دلالات سياسية تتجاوز توصيف الحدث، إذ جاء متزامناً مع تحرك ميداني سعودي إماراتي، ومواقف دولية متقاربة شددت على رفض أي خطوات عسكرية خارج الأطر الدستورية، ما أعطى الموقف السعودي ثقلاً سياسياً ورسائل واضحة بشأن إدارة التوازن في المحافظات الشرقية.
ويأتي هذا التطور في سياق إقليمي ودولي حساس، تشهد فيه الساحة اليمنية مساعي لإعادة تثبيت مسار التهدئة، وسط مخاوف من أن يؤدي أي تصعيد داخلي إلى تعقيد جهود السلام، وتهديد استقرار حضرموت والمهرة، وهما المحافظتان اللتان تمثلان عمقاً جغرافياً وأمنياً بالغ الأهمية في معادلة الاستقرار اليمني والإقليمي.
بيان تحذير
أصدرت السعودية، الخميس (25 ديسمبر 2025)، بياناً حذرت فيه من التحركات العسكرية التي نفذها المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي حضرموت والمهرة، ووصفتها بأنها كانت أحادية دون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة التحالف، مؤكدة أن تلك التحركات أدت إلى تصعيد غير مبرر.
وأضاف البيان أن التصعيد الناتج عن تلك التحركات ألحق أضراراً بمصالح الشعب اليمني بمختلف فئاته، وبالقضية الجنوبية، وبالجهود التي يبذلها التحالف لدعم الاستقرار، مشيراً إلى أن المملكة عملت خلال الفترة الماضية على تغليب وحدة الصف وبذل الجهود السلمية لمعالجة الأوضاع.
وأوضحت السعودية أنها نسقت مع الإمارات ورئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي والحكومة اليمنية لإرسال فريق عسكري سعودي إماراتي مشترك إلى عدن، بهدف وضع ترتيبات تضمن عودة قوات المجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين.
وذكر البيان أن الترتيبات تشمل تسليم المعسكرات لقوات "درع الوطن" والسلطات المحلية، وفق إجراءات منظمة وتحت إشراف قوات التحالف، مؤكداً أن هذه الجهود لا تزال متواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.
وحرص البيان السعودي على إعادة تأكيد موقف المملكة من القضية الجنوبية، واصفاً إياها بأنها قضية عادلة ذات أبعاد تاريخية واجتماعية، مؤكداً أن معالجتها يجب أن تكون بالحوار ضمن حل سياسي شامل، في إشارة إلى محاولة الانتقالي الحصول على مكاسب من خلال واجهة "القضية الجنوبية".
بيان رئاسي حكومي
على الفور خرجت الحكومة اليمنية مرحبة بالبيان السعودي، وأشادت في بيان رسمي بدور المملكة، بالتنسيق مع دولة الإمارات، في دعم مسار التهدئة ومعالجة الأوضاع بروح الشراكة والمسؤولية، وبما يكفل احترام الأطر المؤسسية للدولة ودور السلطات المحلية.
وأكدت الحكومة دعمها الكامل للجهود التي تقودها السعودية، وتعويلها على تغليب المصلحة العامة وضبط النفس وإنهاء التصعيد بشكل عاجل، بما يعيد السلم والأمن المجتمعي ويحمي وحدة الصف الوطني في مرحلة وصفتها بالحساسة.
وشدد البيان الحكومي على أن استقرار حضرموت والمهرة وسلامة نسيجهما الاجتماعي يمثلان أولوية وطنية قصوى، محذراً من أن أي تحركات أمنية أو عسكرية تُتخذ خارج الأطر الدستورية والمؤسسية تشكل عامل توتير مرفوضاً.
وفي السياق ذاته، جدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي تقديره للموقف السعودي، مشيداً بجهود الرياض الرامية إلى خفض التصعيد وحماية المركز القانوني للدولة.
دعم دولي
وقبل أيام من البيان السعودي، جدد مجلس الأمن الدولي التزامه القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، مؤكداً دعمه لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية باعتبارهما الإطار الشرعي لإدارة المرحلة الحالية.
وشدد مجلس الأمن، في بيانه الصادر الثلاثاء (23 ديسمبر 2025)، على أن أي تصعيد عسكري أو أمني، ومن ضمن ذلك التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة، لا يخدم مسار السلام ولا يهيئ بيئة مواتية للتقدم السياسي.
ودعا المجلس جميع الأطراف إلى خفض التصعيد والانخراط في جهود دبلوماسية مكثفة، بمشاركة الأطراف الإقليمية، بهدف الدفع نحو تسوية سياسية شاملة تقودها الأطراف اليمنية.
وفي اليوم التالي، أكد الاتحاد الأوروبي دعمه لجهود المبعوث الأممي إلى اليمن وللبيان الذي أصدره مجلس الأمن، داعياً إلى خفض التصعيد وتعزيز الجهود الدبلوماسية، وجددالتزامه بوحدة اليمن ودعمه لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة.
يرى الباحث السياسي نجيب السماوي، أن البيان السعودي الأخير بشأن تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة "لا يندرج في إطار التحذير البروتوكولي، بل يعكس انتقالاً مدروساً في طريقة إدارة الرياض للتوترات، خصوصاً في المحافظات ذات الحساسية الجغرافية والأمنية العالية".
ويشير إلى أن توصيف التحركات بأنها "أحادية وغير منسقة" مع مجلس القيادة الرئاسي والتحالف يحمل دلالة سياسية مباشرة، مفادها أن السعودية لم تعد مستعدة لتجاوز أي خطوات ميدانية تُنفذ خارج الأطر المتفق عليها، حتى وإن صدرت عن أطراف محسوبة على المعسكر المناهض للحوثي.
ويضيف أن أهمية البيان لا تكمن فقط في لغته، "بل في ما كشفه من ترتيبات عملية، تشمل إعادة انتشار القوات وتسليم المعسكرات لقوات درع الوطن، مع إشراف مباشر من التحالف"، معتبراً أن إدراج هذه التفاصيل علناً يعني "أن الرياض انتقلت من إدارة الأزمة خلف الكواليس إلى تثبيت خطوط حمراء واضحة".
ويرجح المحلل أن تمتلك السعودية "سلماً متدرجاً من الخطوات، يبدأ بالضغط السياسي والدبلوماسي، ويمر بإعادة ضبط المشهد العسكري في المحافظات الشرقية، وقد يصل إلى إجراءات أكثر صرامة إذا لم تُقابل دعوات التهدئة باستجابة عملية، خصوصاً أن حضرموت والمهرة تمثلان عمقاً أمنياً مباشراً للمملكة".
كما يؤكد أن الرسالة السعودية، وفق هذا السياق، "لا تستهدف القضية الجنوبية من حيث المبدأ، بل تميز بوضوح بين الاعتراف بعدالتها ورفض توظيفها لفرض أمر واقع بالقوة، وأن المرحلة المقبلة ستقوم على تثبيت الاستقرار ومنع أي تصعيد داخلي قد يربك مسار التهدئة ويقوض الجهود السياسية القائمة".
تحرك سعودي سابق
في 12 ديسمبر، أعلنت الحكومة اليمنية وصول وفد عسكري سعودي إماراتي إلى العاصمة المؤقتة عدن، في إطار جهود تهدف إلى تعزيز وحدة مجلس القيادة والحكومة، وإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية.
وقال مصدر في مكتب رئاسة الجمهورية حينها، إن زيارة الوفد جاءت ضمن مساعٍ لخفض التصعيد، مؤكداً أن السعودية تضطلع بدور محوري في قيادة جهود التهدئة، انطلاقاً من حرصها على أمن واستقرار اليمن وتحسين الأوضاع المعيشية.
وفي حضرموت، أوفدت الرياض لجنة رفيعة المستوى برئاسة اللواء محمد بن عبيد القحطاني رئيس اللجنة السعودية الخاصة باليمن، حيث عقدت لقاءات مع مشايخ وأعيان المحافظة، وأكدت رفض المملكة لأي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة.
وشدد القحطاني، خلال تلك اللقاءات، على ضرورة خروج القوات التابعة للمجلس الانتقالي من حضرموت والمهرة، وتسليم المواقع لقوات "درع الوطن"، في إطار ترتيبات منظمة وتحت إشراف التحالف.