ديفيد أوتاواي- مركز وودرو ويلسون- ترجمة: علاء البشبيشي- شؤون خليجية-
تتحوَّل الحرب المدمرة في اليمن إلى عملية مُكلِفة للغاية للمملكة العربية السعودية، التي تقود ائتلافًا من تسع دول عربية، يخوض حربا منذ مارس؛ لسحق المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، الذين سيطروا على اليمن في وقت مبكر من هذا العام.
لكن الآن أصبح الهدف السعودي، المتمثل في تحقيق انتصار عسكري ساحق، ليس واضحا. بالإضافة إلى تعرُّض السعوديون لضغوطٍ مكثفة من إدارة أوباما- التي تقدم معلومات استخباراتية وعتادًا حربيًا للتحالف العربي- لإنهاء الصراع بـ"الوسائل السياسية السلمية".
بيدَ أن المحاولات السابقة لتحقيق هذا الهدف المراوِغ سرعان ما باءت بالفشل. وهناك الكثير على المحك بالنسبة للعائلة الملكية السعودية. في حين يصمم السعوديون على أن يثبتوا لإيران، منافسهم الإقليمي الرئيسي، أنهم يتمتعون بالقوة العسكرية الكافية لهزيمة حلفائهم الحوثيين، ومنع جهودهم الرامية لتأسيس موطئ قدم على الحدود الجنوبية للمملكة.
كما زادت الحرب من حدة التنافس الطائفي بين البلدين؛ بالنظر إلى أن الحوثيين ينتمون إلى أحد فروع المذهب الشيعي، السائد في إيران. على الجانب الآخر، السعودية هي مهد الإسلام، وتعتبر نفسها الزعيم الديني للأغلبية السنية من سكان العالم العربي.
أما داخل العائلة الحاكمة في المملكة ، فيمكن للفشل في تحقيق نصر عسكري في اليمن أن يلحق ضررًا كبيرًا بالحياة السياسية لوزير الدفاع الطموح الثلاثيني محمد بن سلمان، نجل الملك. وهو أيضًا ولي ولي العهد، وزعيم الصقور داخل العائلة، الذين يريدون إثبات قوة المملكة في إطار السعي لتحقيق زعامة السعودية للعالم العربي.
ومع ذلك، وصلت الحرب إلى طريق عسكري مسدود، وأصبحت اليمن على شفا مجاعة بعد مقتل 5900 مقاتل ومدني. ويقال إن تكلفة استمرار العملية الجوية والبرية والبحرية وصل إلى 200 مليون دولار يوميًا، رغم أنه من غير الواضح الآن كم منها يتحمله السعوديون.
من جانبها، وافقت إدارة أوباما للتو على شراء السعودية ذخائر بـ 1.3 مليار دولار، رغم الاتهامات التي وجهها بعض الديمقراطيين في الكونجرس والجماعات الحقوقية الدولية للقصف الذي يشنه التحالف بقيادة السعودية، بإلحاق أضرار جانبية ضخمة بالأهداف المدنية، مثل المصانع والمستشفيات والمدارس والمنازل وحتى حفلات الزفاف. أما العتاد الحربي فيتركز معظمه على المزيد من القنابل، بما في ذلك 12 ألف قنبلة غير موجهة "غبية"، و8 آلاف قنبلة موجهة بالليزر "ذكية"، بالإضافة إلى 1500 قنبلة خارقة للتحصينات.
ورغم استعادة القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليًا، بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، وتحظى بدعم التحالف الذي تقوده السعودية، رغم استعادتها لمدينة عدن الساحلية، وأربع محافظات مجاورة. إلا أن الحوثيين ووحدات الجيش المتحالفة معهم، والتي لا تزال موالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي أطيح به في انتفاضة عام 2011، لا يزالون يسيطرون على شمال البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء.
وحتى الآن تجنب التحالف السعودي شن حربٍ على تنظيم القاعدة أو الدولة، ويركز جهوده بدلًا من ذلك على دحر قوات الحوثيين وصالح. لكن السعوديين يدركون جيدًا هدف القاعدة طويل المدى؛ لأن آل سعود سبق وأن تعاملوا مع هجمات التنظيم الإرهابية في داخل المملكة لأربع سنوات قبل دحرهم إلى اليمن.
ويعتبر الخلاف مع الإمارات، الشريك الرئيس في التحالف، حول الاعتماد على الإصلاح اليمني المرتبط بالإخوان المسلمين، أحد أسباب معاناة السعودية في طريق تحقيق انتصار عسكري. فبعدما سجنت الحكومة الإماراتية العشرات من أعضاء الجماعة بتهمة الإطاحة بنظام الحكم، وجد الجنود الإماراتيون أنفسهم مضطرون للعمل مع مسلحي الإصلاح في محافظات تعز، ومأرب باعتبارهم حلفاء السعودية هناك.
من جانبه، نشر وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، تغريدة بتاريخ 22 نوفمبر، زاعمًا أنه لولا تخاذل الإصلاح والإخوان المسلمين لكان تحرير تعز قد اكتمل. ونتيجة لذلك، خفضت الإمارات قواتها البرية إلى النصف (2000)، وسحبت معظمهم من الجبهة، وهم الآن متمركزون في عدن وما حولها.
بالإضافة إلى ذلك، ترسل الإمارات مئات المرتزقة من كولومبيا، وأفادت التقارير بمقتل 6 منهم مع قائدهم الأسترالي أثناء القتال ضد الحوثيين في محافظة تعز. كما توجد تعزيزات عربية في الطريق، حيث أعلنت المغرب أنها سترسل 1500 جندي، وتعهد السودان، الذي لديه قوة مكونة من 850 فردًا بالفعل، بإرسال آلاف آخرين.
ومن بين العديد من القضايا السياسية التي تقف في طريق التسوية، هي: طبيعة الحكومة الانتقالية، والسلطة التي ستسيطر على الأسلحة الثقيلة التي ستسلم، وفوق كل ذلك، مصير صالح، الذي يريد السعوديون وحلفاؤهم إبعاده عن الساحة السياسية وإرساله إلى المنفى بشكل دائم.
واقترح دبلوماسيون أمريكيون يعملون على إيجاد وسيلة للخروج من المأزق، أن تكون أثيوبيا أو المغرب منفى لـ صالح. لكنه طالما عارض النفي، وقال إنه يريد عفوًا جديدًا من الملاحقة القضائية، على غرار العفو الذي مُنِحَه مقابل التخلي عن السلطة في عام 2012.
ونظرًا لغياب الثقة العميق بين الجانبين، وشكاواهم المتراكمة من بعضهم بعد 9 أشهر من الحرب، لا يبدو الأفق مشرقًا فيما يتعلق باحتمالية التوصل إلى تسوية عبر "الوسائل السياسية السلمية". لكن من الصحيح أيضًا أن الجانبين قد وصلا إلى طريق عسكري مسدود قد يجعلهم أكثر استعدادًا الآن، للوصول إلى حل وسط.