ترجمة: محمد بدوي- شؤون خليجية-
تشعر المملكة العربية السعودية بأن حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية تخلت عنها، وأنها باتت تقف وحدها ضد إيران، التي تتصاعد قوتها في المنطقة بالتزامن مع رفع العقوبات عنها. وعلى إثر ذلك قررت المملكة تحمل مخاطر مواجهة طهران وحدها، بقيادة الرجل القوي بالمملكة، الأمير محمد بن سلمان، في الوقت الذي يواجه فيه هذا البلد الثري تحديات اقتصادية أخرى، بسبب هبوط أسعار النفط.
لقد مضت تلك الأيام، التي كانت تتسم فيها الدبلوماسية السعودية بالهدوء تحت قيادة الأمير الراحل سعود الفيصل. ومنذ وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى السلطة قبل عام واحد، اعتمدت المملكة سياسة استباقية، وخاصة ضد إيران التي تخشى المملكة تصاعد نفوذها.
وبعد شعورها بتخلى الولايات المتحدة عنها، تحاول المملكة احتواء حلفائها العرب وإعادة تنظيم الصفوف خلفها. ولكن البعض يخشى عواقب هذه السياسة المحفوفة بالمخاطر في المنطقة، حيث تعتبر المملكة العربية السعودية ركيزة الاستقرار الإقليمي حاليًا، وخاصة بعد انهيار سوريا وتهميش مصر.
تلك السياسة- التي بدأت بحرب اليمن – سلطت الأضواء على الأمير الشاب محمد بن سلمان، نجل الملك، والذي أصبح يُـقدم في غضون أشهر قليلة باعتباره الرجل القوي بالمملكة، على الرغم من خبرته القليلة التي يواجه بها تحديات سياسية واقتصادية وعسكرية في آن واحد.
ولا تخفي المملكة تخوفها من تصاعد النفوذ الإيراني، وبدت هذه التخوفات في تصريحات عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين، الذين أظهروا للعلن قلقهم من أن طهران تسعى لأن تكون قوة إقليمية كبرى مع الرفع التدريجي للعقوبات عنها ،وعودتها مرة أخرى للتأثير على الساحة الدولية.
وقال الأمير تركي الفيصل الرئيس السابق لأجهزة الاستخبارات السعودية، في مؤتمر عقد بباريس يوم الاثنين 25 يناير الماضي: إن "إيران تكرر في اليمن تجربتها البغيضة في كل من العراق ولبنان وسوريا، ولا تكف عن سعيها لإنشاء هلال فارسي يمتد إلى البحر الأبيض المتوسط".
وأضاف السفير السعودي السابق لدى لندن وواشنطن: إن طهران "تريد إثارة حركات التمرد" في دول الخليج الأخرى، مثل الكويت والبحرين، وتدعم الجماعات الشيعية فيها.
استنفار الحلفاء
وخلال زيارة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري للرياض، اتهم وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، إيران بأنها "الراعي الأول للإرهاب في المنطقة، وتتخذ موقفًا عدوانيًا من العالم العربي"، مضيفًا أن الدول العربية مستعدة للدفاع عن أراضيها في وجه أي تهديدات.
وتتوجه أنظار المراقبين حاليًا إلى مدى ثبات ومتانة التحالف (الأمريكي - السعودي) مع الوضع الجديد في المنطقة، مع ملاحظة أن واشنطن لم تنتقد قرارات المملكة في 2 يناير 2016، والتي كان من بينها إعدام الشيخ الشيعي نمر باقر النمر، الذي كان يقود الاحتجاجات الشيعية في المنطقة الشرقية بالسعودية.
وكانت تقديرات الخارجية الأمريكية تشير إلى أن هذا الإعدام سيتسبب على الأرجح في "تفاقم التوترات الطائفية، في الوقت الذي تحتاج فيه المملكة إلى خطب ودهم"، إلا أن هذا لم يحدث، ولم تذهب ردود الفعل أبعد من قطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بسبب الاعتداء على سفارة المملكة في طهران من قبل محتجين.
وقال دبلوماسي عربي طلب عدم الكشف عن هويته، إن السعودية دفعت بعض الدول العربية الأخرى إلى أن تحذو حذوها، فقامت البحرين والسودان بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، واستدعت دول أخرى السفراء الإيرانيين، كما أن المملكة تعطي المال للجميع وتتوقع الولاء التام لها، فيما كانت السلطات السعودية غاضبة جدًا من أولئك الذين لم يقطعوا علاقاتهم مع إيران.
وكتب جمال خاشقجي، وهو صحفي يعتبر مقربًا من دوائر السلطة، في مقال بصحيفة الحياة اللندنية يوم 9 يناير، انتقد فيه حلفاء السعودية بسبب ترددهم في دعمها ضد إيران، وكرر مبدأ الرئيس الأمريكي جورج بوش، الذي أطلقه بعد فترة قصيرة من هجمات 11 سبتمبر، معلنًا أنه "إذا لم تكن معنا فأنت ضدنا".
وأضاف خاشقجي: "إن هذه المواجهة ليست صراعًا بين السعودية وإيران أو بين السنة والشيعة، وإنما هي صراع بين المشروع الإيراني ومشروع الشعوب الحرة، ولكن بعض حلفاء السعودية ليسوا مقتنعين بذلك حتى الآن".
كما عبر الإعلامي السعودي عن أسفه قائلًا: إن "على الدول العربية والإسلامية أن تدعم المملكة العربية السعودية، التي تقود المعركة اليوم نيابة عن الأمة بأسرها ودفاعًا عنها"، وقارن الوضع في المنطقة الآن بما حدث في "أوروبا خلال عام 1939، عندما احتل هتلر بولندا"، مما دفع القادة الأوروبيين إلى إعلان الحرب على ألمانيا. وانتقد رفض نظام عبد الفتاح السيسي في مصر إرسال قوات إلى اليمن، على الرغم من التبرعات السخية من الرياض لتثبيت أركان حكمه.
وبذلت الرياض جهدًا بالفعل لحشد الدول العربية والإسلامية للمشاركة في التحالف العربي والإسلامي المناهض للإرهاب، والذي يضم 34 دولة، كما أعلن الأمير محمد بن سلمان يوم 15 ديسمبر. لكن الإعلان عن تشكيل هذا التحالف الذي يهدف إلى "محاربة الإرهاب عسكريًا وفكريًا" لم تتبعه قرارات ملموسة على الأرض. وربما كانت الإيجابية الوحيدة هي تقارب الرياض مع أنقرة، والذي ظهر واضحًا خلال الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى السعودية في ديسمبر 2015.
الأزمة اليمنية
أما بالنسبة للتحالف الأول الذي تشكل بقيادة المملكة العربية السعودية في مارس 2015، للتدخل في اليمن المجاورة، فإنه لم يتمكن حتى الآن من التغلب على المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، والمتحالفين مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، الذي مازالت تواليه وحدات من الجيش اليمني.
وتتكلف الحرب اليمنية نحو 200 مليون دولار يوميًا من الخزانة السعودية، وفي يوليو الماضي استطاع التحالف إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن، كبرى مدن الجنوب، حتى تحرير صنعاء، وتجاهد القوات الحكومية لفرض النظام في المحافظات "المحررة"، وتوقفت الجهود عند حدود مدينة تعز إحدى أهم المدن الرئيسية والمهمة في اتجاه استعادة العاصمة صنعاء.
ولكن الأكثر خطورة هو أن العنف في اليمن طال الأراضي السعودية. حيث كثف المتمردون الحوثيون هجماتهم على الحدود مع المملكة، وأطلقوا صواريخ سكود على الأراضي السعودية، ويبدو أنهم يحاولون التوغل داخل أراضي المملكة لإثبات وجودهم، إلا أنهم فشلوا في ذلك تحت وقع الضربات العنيفة عليهم، وفقًا للخبراء.
وتسببت حرب اليمن– إحدى مظاهر الصراع بين السعودية وإيران- في مقتل أكثر من ستة آلاف شخص منذ مارس 2015 وحتى الآن، نصفهم تقريبًا من المدنيين، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.
عجز الموازنة في أرض الذهب الأسود
إلى جانب وزارة الدفاع، يتولى الأمير الثلاثيني محمد بن سلمان الإشراف على شركة النفط العملاقة "أرامكو" السعودية، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، وعمل مؤخرًا على تعزيز قبضته عليها. وأعلن طموحه لإجراء إصلاحات اقتصادية، وخاصة بعدما تأثرت المملكة بشدة جراء انخفاض أسعار النفط الخام.
وتراجعت أسعار النفط نحو 70 % منذ منتصف عام 2014، مما اضطر الملك سلمان إلى اعتماد ميزانية عام 2016 بعجز يبلغ نحو 79.3 مليار يورو، وإعلان تدابير تقشف جديدة لم يسمع بها من قبل في أرض الذهب الأسود، التي كانت تضمن وسائل الرفاه لمواطنيها، وقد أعلن زيادة تصل إلى 80 % في سعر البنزين والديزل والغاز الطبيعي والكهرباء والمياه خلال عام 2016.
وفي هذه الأثناء عبر عدد من أعضاء العائلة المالكة عن عدم رضاهم عن بعض الإجراءات، ونقلت صحيفة الجارديان البريطانية في سبتمبر 2015، عن أحد الأمراء القلق إزاء الصعود السريع للأمير محمد بن سلمان، ونشرت الصحيفة رسالة منسوبة إلى هذا الأمير والذي نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، ونقلت أيضًا عن حساب "مجتهد" الذي دأب على كشف بعض الأسرار على موقع تويتر– ولكن المعلومات التي يدلي بها غير موثقة، إلا أن نحو مليون ونصف المليون يتابعونه- وذكر مؤخرًا، أن الملك سلمان البالغ من العمر ثمانين عامًا، يستعد للتنازل عن العرش لصالح شابنه محمد.