أثار «مركز الحرب الفكرية»، الذي أطلقته وزارة الدفاع السعودية، مؤخراً، لـ«ملاحقة إيدلوجية التطرف في عالمه الافتراضي»، كما تقول، جدلا بين ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
الجدل حول المركز، الذي يرأس مجلس أمنائه ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، انقسم بين فريق يراه «خطوة في الطريق الصحيح»، وفريق ثان انتقد الخطوة بشده حتى اعتبر أحدهم أن المسمى الأدق لهذا المركز هو «مركز الحرب على الإسلام».
وبين أولئك وهؤلاء سعى فريق ثالث إلى طرح أفكار ومقترحات يرون أنها أكثر فعالية في تحصين الشباب من «التطرف» و«الإرهاب».
فيما قال مراقبون إن تلك الخطوة تأتي ضمن خطوات أخرى يتقرب بها «بن سلمان» (31 عاماً) من الرئيس الأمريكي الجديد «دونالد ترامب»، الذي يريد دعمه في خطوة اعتلائه سدة العرش.
نبذة عن المركز
وكانت وزارة الدفاع السعودية دشنت «مركز الحرب الفكرية»، في 30 أبريل/نيسان الماضي.
وآنذاك، ذكرت «الشرق الأوسط» السعودية أن المركز يختص بـ«مواجهة جذور التطرف والإرهاب وترسيخ مفاهيم الدين الحق».
وأوضحت أن المركز سيلاحق «إيدلوجية التطرف في عالمه الافتراضي، والذي يُشكِّل أهم أدوات انتشاره، كما يُواجه المواد التي تبثها الآلة الإعلامية للتطرف بالطرح العلمي والفكري المؤصَّل على الفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة».
أيضاً، يعمل المركز على تقديم مبادرات فكرية لـ«التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب»، كما يُحصِّن الشباب حول العالم من التطرف ببرامج وقائية وعلاجية.
ويهدف المركز – حسب الصحيفة - إلى «تكوين فهم عميق ومؤصّل لمشكلة التطرف من خلال أسباب وكوامن النزعات المتطرفة، وفهم الأدوات والمنهجيات التي تستخدمها الجماعات المتطرفة، وتحديد الفئات المستهدفة من قبل تلك الجماعات، والتعاون الفعّال مع المؤسسات المحلية والعالمية».
كما يهدف لتطوير وبناء وتنفيذ خطط فاعلة لمكافحة التطرف بما في ذلك تعزيز قيم الاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم في سياق الإيمان بحتمية التنوع والتعددية، والإفادة من الدراسات والبحوث من خلال إنشاء منصات علمية وفكرية ومنتقيات عالمية وكراسِ بحثية وأدوات استطلاع وتحليل.
ومن أهداف المركز أيضًا، عرض قيم ومبادئ الدين الحق بخطاب يراعي تفاوت المفاهيم والثقافات والحضارات منسجما مع سياقه العصري، والانتشار عن طريق وسائل الإعلام والاتصال مع عقد الشراكات العالمية، وتنظيم المؤتمرات والندوات وحلقات النقاش ولاسيما مع مراكز التأثير والاستشراف بغية تحقيق إيجابية التوسع والانتشار، وإطلاق الحملات العامة لتوجيه الرأي العام إلى إشراك المجتمعات في تعزيز هيمنة الرؤية المعتدلة.
جدل حول المركز
تدشين المركز، وطرح أهدافه، أثار جدلاً على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر».
إذ أعرب البعض عن تأييده له، وعده «خطوة في الاتجاه الصحيح».
ومن هؤلاء الأكاديمي السعودي «حسن عبدالله القرني»، أستاذ أصول التربية المشارك في جامعة تبوك، شمالي المملكة، الذي قال إن تدشين هذا المركز «فكرة رائعة، لكن تحتاج إلى طاقات وطنية متخصصة في المجالات الحيوية مثل التربية وعلم الاجتماع وعلم النفس».
وأضاف مؤكداً على ضرورة «ألا تكون المسألة مجرد حرب، بل توعية فكرية مبنية على تأسيس منهجي وأهداف واضحة وحوار متخصص ومناقشة مقنعة، وستكون الثمار مبشرة بحول الله».
كذلك، أشاد حساب المواطن السعودي «أبوعبدالله»، بتدشين المركز، ووصفه بأنه «مجهود جبار تقوم به المملكة ممثلة بوزارة الدفاع للقضاء على التطرّف ومسبباته وإيضاح المعاني الحقيقة للإسلام».
وعلى النقيض، هاجم بعض الناشطين بشدة المركز.
ومن هؤلاء حساب «The Flat Earth» الذي قال: «مركز الحرب على الإسلام لعل هذا هو العنوان الصحيح؛ لأن الإرهاب أصبح مرتبط بالإسلام، وصار الأمر بيدي لا بيد عمرو والحل الغناء والرقص وهيئة الترفيه»، في سخرية من «مركز الترفية»، الذي تم إطلاقه قبل أشهر، وأثار جدلاً واسعاً في المملكة.
أيضا استنكر «على الملحم»، وهو عضو في هيئة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» المركز، واعتبر أن «منبع التطرف هو الارهاب الصليبي والانبطاح من حكام المسلمين لهذا الإرهاب فقط».
على النحو ذاته، قال حساب تحت اسم «أمير الأفغان»: «أول مراحل التحصين تنطلق من خلال إشعار شبابنا بتوحيد الأمة عبر نصرة قضاياها حقا؛ لكي يشعر شبابنا بالعزة ولا يغرر بهم الخوارج باسم النصرة والعون».
وأضاف: «مهما حاولتم تحصينهم بدون معالجة أوضاع المسلمين ونصرتهم كما ينبغي؛ سيدمر المحرضين كل التحصينات بفيديو عاطفي واحد».
وبين أولئك وهؤلاء حاول فرق ثالث طرح أفكار ومقترحات يرون أنها الأكثر فعالية على مواجهة التطرف.
ومن هؤلاء الإعلامي السعودي «مطلق البقمي»، الذي علق على تدشين المركز قائلا: «شيء رائع، ولكن الفكر فقط يحارب بالفكر، ويجب أن تبدأ من روضه الأطفال وتعليمهم الصدق والنزاهة والاعتماد على النفس وبناء جيل له أهداف وخطط للنهوض».
وفي هذا الصدد أيضاً، رأى الأكاديمي والحقوقي السعودي «عيسى الشامخ»، أن «التطرف والإرهاب مصطلحان يلصقهما العنصريون من الشرق والغرب بالإسلام؛ ما يوجب أن تقاوم جميع منابعهما الطائفية والعلمانية واللبرالية..إلخ».
قربان «بن سلمان»
وبعيداً عن الموقف من تدشين المركز سواء تأييده أو رفضه يبدو أن الخطوة ذاتها تأتي في إطار إظهار الدعم السعودي للحليف الأمريكي في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
ووفق مراقبين، تظهر المملكة، العضو في «التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية»، بمثل ذلك المركز، تنفيذ المطلوب منه ضمن خطة توزيع الأدوار التي تم الاتفاق عليها مسبقاً بين أعضاء التحالف؛ بين من يواجه التنظيم عسكرياً، ومن يواجهه عبر تجفيف منابعه المادية، ومن يواجهه فكريا.
ويصب في صالح تحقيق ذلك الهدف، هذا المركز، ومركز آخر سيقوم الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، خلال زيارته للرياض، يومي السبت والأحد المقبلين، بافتتاحه تحت مسمى «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف»؛ إذ يهدف الأخير أيضاً إلى منع «انتشار الأفكار المتطرفة من خلال تعزيز التسامح والتعاطف، ودعم نشر الحوار الإيجابي».
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن «بن سلمان»، الذي يرأس مجلس أمناء «مركز الحرب الفكرية»، يوصل رسالة إلى «ترامب»، عبر مثل تلك الخطوات، بأنه جاهز تماماً للتحالف معه، وتنفيذ ما يريده في مواجهة «الإرهاب»، بخلاف دعمه مالياً عبر ضخ مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد الأمريكي، والهدف الأكبر هو ضمان دعم الحليف الأمريكي لخطوة اعتلائه عرش المملكة خلفاً لوالده الملك «سلمان» (81 عاماً).