عبد الله العودة- TRTعربي
تيار الفوقية أو العنصرية البيضاء المتطرف مع التيارات المعادية للإسلام كانت العناصر الأكثر أهمية لقوى الاستبداد المتطرفة في العالم العربي، التي تتحكم في مصائر دول مثل السعودية هذه الأيام وتقدم خطاباً مكارثياً يسحق الجميع ويخوّنه ويحرّض على شعبه محلياً وخارجياً.
حينما اكتشفت قوى الاستبداد في العالم العربي أن هناك "شعوباً" وأن هذه الشعوب مثل سائر أهل الأرض تطمح للكرامة والحرية والعدل والحقوق، حشدت قوى الاستبداد التقليدية كل ما تملك لأجل تشويه هذه الشعوب ومحاولة صناعة تصدعات بين القوى الشعبية والوطنية المختلفة على الصعيد الداخلي.
كما حرصت قوى الاستبداد تلك على تشويه صورة القوى الوطنية في الخارج ومحاولة ملاحقتها ومراقبتها وإيذائها وإلصاق كل أشكال التهم العارية بها.
وكانت من ضمن حملات الدعاية التقليدية لمحور الاستبداد المتطرف في العالم العربي أن سعت لملاحقة العمل الحقوقي والوطني حتى في الغرب.
وعملت على تصنيفه وتشويهه ولعبت على التخوفات الداخلية والعرقية لأجل تخويف الجميع من الإسلام والمسلمين بكل اختلافاتهم وانتماءاتهم لدرجة التحريض المباشر على مراقبة المساجد وتتبع المسلمين.
وأنا هنا أستخدم عبارة "الاستبداد المتطرف" في العالم العربي للتعبير عن القوى الاستبدادية التي تمارس كل ما في وسعها لإجهاض حراك الشعوب ومحاولة القضاء على كل التطلعات الشعبية في العالم العربي نحو الحرية والعدالة.
وكلمة "متطرف" للمقارنة بتيار اليمين المتطرف في أمريكا وأوربا الذي يحمل نفس النزعات الشمولية والتبريرات الثقافية المتشابهة للحرب على الأقليات وعلى التيارات المختلفة وعلى الإسلام.
ولأجل ذلك وجد محور الاستبداد في العالم العربي حليفاً مهماً في قوى اليمين المتطرف الصهيوني في الغرب وقوى التخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) ودفَعَت باتجاه تصعيد هذه التخوفات وتقويتها والعمل عليها.
في هذا السياق السياسي، سيكون متوقعاً جداً أن يجد محور الاستبداد المتطرف في العالم العربي حليفاً في قوى الفوقية البيضاء والمعادين للإسلام في الجبهة التي يمثّلها دونالد ترمب في أمريكا ومجموعة الفوقية البيضاء والعنصرية المعادية للأقليات والثقافات والأديان الأخرى عموماً والإسلام والمسلمين خصوصاً.
فكانت واحدة من أهم وعود ترامب الانتخابية التي أوفى بها إلى حد كبير، منع المسلمين من دخول أمريكا لغرض الهجرة تحت ذريعة اللجوء. لذلك أيضاً أحيا ترمب مصطلح "الإسلام المتطرف" لوصف العمليات الإرهابية.
بينما في الوقت ذاته رفض وصف العملية الإرهابية في نيوزيلاندا مثلاً بأنها إرهاب مسيحي أو إرهاب أبيض، لأن ترامب نفسه عنصري ينتمي إلى ذات الخطاب الذي أنتج ذلك الإرهابي الذي ارتكب المجزرة في نيوزيلاندا.
تيار الفوقية البيضاء المتطرف مع التيارات المعادية للإسلام كانت العناصر الأكثر أهمية لقوى الاستبداد المتطرفة في العالم العربي، التي تتحكم في مصائر دول مثل السعودية هذه الأيام وتقدم خطاباً مكارثياً يسحق الجميع ويخوّنه ويحرّض على شعبه محلياً وخارجياً.
الخطاب العنصري المتطرف لأصحاب الفوقية البيضاء في أمريكا بدوره يجد مركباً سهلاً ومضموناً في قوى الاستبداد المتطرفة التي لاتحمل شرعية شعبياً وتفتقد لأي رصيد وطني حقوقي ولم تؤسس لأي توافق شعبي.
لذلك تبتزها القوى الكبرى وتستغل هذا الضعف الجذري لتحقيق مآربها ومصالحها الخاصة على حساب مصالح الناس ومصائرهم ومستقبلهم.
حينما قرر محور الاستبداد في العالم العربي صناعة نفوذ في الغرب وجد أفضل حليف له القوى المعادية للإسلام وللأقليات، ولذلك تجد أن الكثير من حملات الدعاية والإعلان السياسي التي روجت للإدارة في السعودية عام 2017 و 2018 كانت تدار من شخصيات مشبوهة معروفة تاريخياً بعدائها للإسلام في الغرب وبخطابها المتطرف داخل أمريكا.
مثل ستيف بانون، الذي كان المستشار السابق والمقرب جداً من دونالد ترمب. و ستيف بانون كان يمثل قاعدة صلبة للمتطرفين العنصريين الذين وجدت قوى الاستبداد المتطرفة عربياً فرصة مهمة لملاحقة كل عمل مدني وحقوقي في الغرب ومحاولة تشويه صورته وأهدافه، من خلاله.
وجولة سريعة على خطاب المجموعة الإعلامية المقربة من دوائر القرار في محور الاستبداد المتطرف في العالم العربي تجد أنهم يستخدمون الآليات ذاتها واللغة التي يقدمها تيار الفوقية البيضاء واليمين المتطرف في أمريكا وأوروبا.
فهم مثلاً يرون أن كل الصحف التي تنتقد ترامب والعنصرية في أمريكا وتتعاطف مع المهاجرين عموماً والمسلمين بأنهم "يسار" وأنهم يروجون لأخبار "مزيفة".. إلخ.
في النهاية ليس غريباً أن نجد هذا الرعب الشديد الذي تجده قوى الاستبداد المتطرف تجاه الشعوب العربية وحراكها، فقوى الاستبداد تدرك جيداً مقدار الكارثة الدستورية والمؤسساتية التي تُقبِل عليها، وتخاف من حلول تنتهي بإشراك الناس في القرار، وهذا سيعني بالضرورة محاسبة الفاسدين واحترام الحقوق والحريات وتأسيس قيم العدالة.
وهي قيم تتعارض بالكامل مع التسلط المطلق الذي يسمح لهم بالعبث بخزائن البلاد والمقامرة بمستقبل الأوطان وتمرير مشاريع المصالح الفردية الخاصة على أساس أنها مشاريع "وطنية" واتخاذ الشعوب وأراضيها مسرحاً لتجارب المشاريع الشكلية والضعيفة.
لذلك ستتحالف قوى الاستبداد العربي المتطرف مع اليمين الصهيوني المتطرف في الغرب لحماية سدنة الاستبداد وخَدَمه. فمعركتهم ضد الشعوب معركة كسر عظام، بيد أن العاقبة للناس بإذن الله تعالى.
-د. عبدالله العودة، دكتوراه في القانون الدستوري، وباحث بجامعة جورج تاون.