سياسة وأمن » ارهاب

محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» وما بعده في الخليج

في 2015/08/17

لوري بلوتكين بوغارت- معهد واشنطن- عندما التقى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع نظرائه في دول «مجلس التعاون الخليجي» في قطر في الثالث من آب/أغسطس، لم تكن إيران البند الوحيد على جدول أعمالهم، إذ ناقشوا أيضاً محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية». وجاء الاجتماع في أعقاب عمليات الاعتقال الأخيرة المتّصلة بـ «داعش» التي جرت في ثلاثٍ من دول «مجلس التعاون الخليجي» هي: الإمارات العربية المتّحدة التي كشفت أنّها في صدد محاكمة 41 شخصاً بتهمة محاولة تأسيس "خلافةٍ" شبيهة بـ تنظيم «داعش» في البلاد؛ والكويت، التي كشفت أنّها ألقت القبض على أربعة أشخاصٍ ينتمون إلى خلية تابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»؛ والمملكة العربية السعودية التي أعلنت أنّها اعتقلت 431 شخصاً مرتبطين بـ تنظيم «داعش».

وفي أعقاب أكثر الهجمات الإرهابية فتكاً في تاريخ الكويت التي وقعت في 26 حزيران/يونيو بالإضافة إلى وقوع سلسلةٍ من التفجيرات وحوادث إطلاق النار المميتة في السعودية منذ الخريف الماضي، فإن منع الهجمات التي يشنّها تنظيم «الدولة الإسلامية» أصبحت أولوية قصوى بالنسبة للعديد من زعماء دول الخليج. وتفضي التحقيقات المحلية إلى معلوماتٍ مفصّلة عن نطاق التهديد الذي يفرضه «داعش». وفي الوقت الذي تدرس فيه واشنطن أفضل السبل للعمل مع شركائها الخليجيين في وجه المتشدّدين المتطرفين السنّة، ينبغي عليها أن تأخذ في عين الاعتبار الكيفية التي تتبلور بموجبها التصّورات الخليجية للتهديد الداخلي الذي يمكن التحكّم به رغم طابعه الاستفزازي.

التحدّي المتنامي

تشكل السعودية هدفاً رئيسياً لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، وتنظر المملكة إلى استراتيجيتي التجنيد والتخطيط الإرهابي المتطوّرتين اللتين يعتمدهما التنظيم بأنهما تشكلان تحدّياً متنامياً. وقد عمل معتقلون كثيرون على ما يبدو في الخلايا المتخصّصة بوظائف منفصلة، بما فيها المراقبة وصنع المتفجّرات وإعداد الانتحاريّين، بينما تُّشكّل استراتيجيات وسائل التواصل الاجتماعي المتطوّرة للغاية، والتي تهدف إلى تجنيد هؤلاء العناصر، مصدرَ قلقٍ خاصّ.

ويناهز عدد الاعتقالات المتعلقة بالإرهاب في السعودية خلال الثمانية عشر شهراً المنصرمة 900 حالة، ترتبط أغلبيتها بـ تنظيم «داعش». ومن المرجّح أن يتضاعف هذا الرقم، حيث اعتقلت الرياض، في أعقاب الهجمات الضخمة التي شنّها تنظيم «القاعدة» في المملكة ابتداءً من عام 2003، أكثر من 11 ألف شخص من الإرهابيين المشتبه بهم خلال السنوات العديدة التي تلت الاعتداءات. أمّا المعتقلون سابقاً بتهم الإرهاب، فقد شكّلوا نسبةً مهمّة من المعتقلين في الآونة الأخيرة. على سبيل المثال، إن أكثر من نصف الأشخاص الذين أُلقي القبض عليهم خلال عمليات الاعتقال الكبرى التي أُعلن عنها في أيّار/مايو وأيلول/سبتمبر وتشرين الثاني/نوفمبر 2014، كانوا قد أعتلقوا سابقاً (وتمت أحياناً محاكمتهم وإدانتهم وسجنهم) بتهمٍ تتعلّق بالإرهاب.

وفي غضون ذلك، تعتبر دول «مجلس التعاون الخليجي» الأخرى أنّ شبكات تنظيم «الدولة الإسلامية» في السعودية تشكّل تهديداً يطال سائر الخليج. فقد أظهر تفجير حزيران/ يونيو، الذي استهدف مسجد الإمام الصادق في الكويت وأودى بحياة أكثر من سبعة وعشرين مصلّياً شيعياً وخلّف أكثر من 200 جريحٍ، الطابع العابر للحدود الذي يتّسم به هذا التهديد. ويُشار إلى أنّ الهجوم شنّه انتحاري سعودي كان قد سافَر من المملكة إلى البحرين قبل يومٍ من وقوع الاعتداء، ومن ثمّ إلى الكويت في اليوم التالي. أمّا المتفجّرات التي استخدمها، فمن المحتمل أنّ مصدرها من البحرين وأنّها لم تصل بالطائرة مع الانتحاري، بل بشكل منفصل عن طريق البر. ويعتقد المسؤولون المحليون أنّ شبكةٌ ضمّت كويتيين وسعوديين وباكستانيين وأشخاصاً عديمي الجنسية هي التي ساعدت الانتحاري. ومنذ ذلك الحين، رفضت السطات الكويتية دخول بعض المسافرين السعوديين بسبب المخاوف الأمنية.

ما بعد تنظيم «الدولة الإسلامية»

ما زالت دول الخليج تعتبر أنّ التهديد الإرهابي الذي يطرحه المتشددون السنّة المتطرفون يتجاوز تنظيم «داعش»، ويشمل جماعات جهادية أخرى كـ «جبهة النصرة» التي تدور في فلك تنظيم "القاعدة" في سوريا. وكما هو الحال مع تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإن مصدر القلق الأساسي من «جبهة النصرة» هو أن انخراط المواطن الخليجي مع التنظيم في الخارج يمكن أن يؤدّي إلى قيام أنشطةٍ مناهضة للدولة في الداخل.

بالإضافة إلى ذلك، لا تزال السعودية والإمارات تُحظّران الانتماء إلى «جبهة النصرة» أو تقديم الدعم لها. وقد اعتقل كلا البلدين منتسبين إلى «النصرة»، وأدانا بعضهم في محكمتَي الأمن القومي، وهما "المحكمة الجزائية المتخصّصة" في السعودية و"دائرة أمن الدولة" في "المحكمة الاتحادية العليا" في الإمارات. وكانت الرياض قد سجنت العديد من المواطنين السعوديين في أيلول/سبتمبر 2014، لقتالهم إلى جانب التنظيم. كما أدانت الإمارات العربية المتّحدة سبعة أشخاص في حزيران/يونيو 2014 بتهمة دعم «جبهة النصرة»، وأحد عشر شخصاً آخر في كانون الأول/ديسمبر بتهمة دعم «النصرة» وتنظيمٍ إسلامي سوري آخر يُدعى «أحرار الشام». وحالياً هناك إماراتي واحد قيد المحاكمة - التي هي الثالثة من نوعها - لانضمامه إلى «جبهة النصرة» في سوريا.

وتستمرّ دول الخليج أيضاً في النظر إلى تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، الذي يتّخذ من اليمن مقرّاً له، باعتباره تهديداً إرهابياً يحدق بها. وكانت عمليات الاعتقال السعودية قد طالت المنتسبين إلى التنظيم، قبل الهجوم الذي وقع في تمّوز/يوليو 2014 وبعده، والذي استهدفت فيه الجماعة الإرهابية نقطة تفتيش سعودية وبلدةً حدودية بالقرب من اليمن، مما أسفر عن مقتل أربعة ضبّاط سعوديين. وقد أعلنت الرياض أنّ عدداً من المشتبه بهم الكثيرين المعتَقَلين في الآونة الأخيرة كانوا ينسّقون مع عناصر مطلوبة في اليمن (يُفترض أنّها تنتمي إلى تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب») لإجراء عمليات ودورات تدريب في مدينة الشرورة وحولها. يُشار إلى أنّ التنظيم الإرهابي كان مسؤولاً عن محاولة اغتيال في عام 2009، كانت تستهدف مساعد وزير الداخلية آنذاك محمد بن نايف، الذي تم تعيينه في وقت لاحق وليّاً للعهد.

عندما يراقب المرء نهج المملكة الآخذ في التطوّر تجاه هذه الجماعات في سوريا واليمن، من المهم أن يأخذ في الاعتبار نظرة السعودية إلى الجماعات التابعة لـ تنظيم «القاعدة» كونها تشكل تهديداً خطيراً يحيق بالأمن الداخلي. إن أفضل طريقة لفهم قبول الرياض الواضح بالتنسيق بين «جبهة النصرة» وفصائل المتمرّدين المعتدلين في «الجيش السوري الحرّ» (الذين تدعمهم السعودية) هو اعتبار هذا القبول بمثابة خطوةً مؤقتة وبغيضة للمساعدة في هزيمة نظام الأسد. وبالمثل، إن تسامح رياض الحالي مع تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» في اليمن، يُحتمل أن يكون قراراً تكتيكياً للمساعدة في كسب الحرب ضدّ العدوّ الرئيسي في البلاد بالدرجة الأولى، أي الحوثيين المدعومين من إيران. وعلى الرغم من أنّ بعض المسؤولين الخليجيين يدركون مخاطر هذه السياسات، إلّا أنّ القلق من أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في العالم العربي تطغى على مخاوف جديّة أخرى.

المحصلة

يوازن كلّ حليفٍ خليجي ردّه على التهديد، الذي يفرضه المتشدّدون السنّة في الداخل، مع حسابات الأمن المحلّية الأخرى. ففي بعض الحالات، يشمل ذلك الاستمرار في معاقبة الأجندة الطائفية المقيتة التي يعتمدها المعلّمون ورجال الدين ووسائل الإعلام. ويخشى المسؤولون في «مجلس التعاون الخليجي» أن يؤدّي تركيز تنظيم «الدولة الإسلامية» على الأهداف الشيعية إلى إثارة النعرات الطائفية، لكنّ السماح للفاعلين المحليين بأن تصدح أصواتهم خدمةً لأجنداتهم التقسيمية الخاصّة لن يؤدّي إلّا إلى تغذية جماعات كـ تنظيم «داعش». ولا تزال فجوةٌ كبيرة قائمةً بين التدابير الأمنية الليّنة من جهة، والتي تعتقد واشنطن أنّ حكومات الخليج ينبغي أن تعتمدها، وتلك التي تحسَب معظم الأسر الحاكمة أنّها الأفضل لصون أمنها الخاصّ من جهة أخرى.

أمّا على المستوى الإقليمي، فتُوفّر المخاوف المتزايدة بشأن المتشدّدين السنّة المتطرفين في الخليج فرصاً جديدة للتعاون بين واشنطن وحلفائها في «مجلس التعاون الخليجي». لذلك، ينبغي طرح السؤال الأساسي الآتي: نظراً إلى الواقع السياسي في دول الخليج، كيف يمكن تعميق التعاون القائم من أجل تحقيق الأهداف المشتركة؟