محمد الحضرمي- عمان اليوم-
مع كل دورة من دورات معرض مسقط الدولي للكتاب يعيش القارئ حالةً ثقافيةً، يقتني منه بغيته من الكتب والمؤلفات القديمة والحديثة، وما يهمنا في الدور القادمة للمعرض تسليط الضوء على تجربة النشر في السلطنة والتي تتزايد عامًا بعد عام، بل إن قائمة الإصدارات الحديثة الخاصة بالكتاب العمانيين زادت في السنوات الأخيرة بمئات العناوين، ومع اقتراب افتتاح المعرض يكون أغلب دور النشر العمانية والعربية على استعداد لعرض جديدها الثقافي وإصداراتها الحديثة، مما يدفع القارئ للبحث عن الكِتاب ويتابع جديد الكاتب.
خلال السنوات الماضية كنا نتحدث عن خلو الساحة العمانية من دور نشر، إلا من بعض المطابع التجارية، التي غطت جانبًا من النقص في حركة النشر، حتى ظهرت دور نشر استطاعت خلال فترة وجيزة أن تقدم للساحة إصدارات حديثة بغزارة، وهنا أشيد بتجربة مؤسسة بيت الغشام للنشر والترجمة، التي تجاوز عدد مطبوعاتها من الكتب مائتي عنوان، وفتحت آفاقا جديدة في حركة النشر العماني، وكذلك مركز «ذاكرة عمان» الذي يدشن في الدورة القادمة للمعرض 36 إصدارًا جديدًا من بين مجموع 80 عنوانًا، صدرت للمركز خلال ثلاث سنوات فقط، وهي عمر هذه الذاكرة التي تأسست بجهود شخصية من قبل مجموعة من الباحثين العمانيين، الشغوفين بجمع وتحقيق وطباعة التراث الفكري العماني بعلمية واحترافية، وأصبح للمركز جناح مستقل في المعرض.
ولأن الكتابة عن الإصدارات العمانية، فإن الجناح العماني سيكون هذا العام حافلاً بالكثير من العناوين المهمة، من أبرزها كتاب «قاموس الشريعة الحاوي طرقها الوسيعة»، الكتاب الموسوعي الذي ألفه جميِّل بن خميس السعدي قبل مائتي عام، ولطالما قرأنا أنه يتألف من 90 جزءًا، وكانت طباعته كاملاً أشبه بالحلم المستحيل، حتى تحقق أخيرًا بجهد مكتبة الجيل الواعد، حيث أصدرت الكتاب متكاملاً، وكذلك صدور «موسوعة السلوى في تاريخ نزوى»، للباحث محمد السيفي عن وزارة التراث والثقافة، والذي جاء كثمرة نضيجة من ثمرات نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية، ولوزارة التراث والثقافة تجربة عريقة في حركة النشر، بدأت في الثمانينات الماضية، وطبعت كنوز الخزائن العلمية العمانية.
ولا يزال الأدباء العمانيون يبحثون عن دور نشر تطبع مؤلفاتهم، وتعرضها في معارض الكتب العربية، وهذا ما ينقص تجربة النشر داخل السلطنة، إذ إبقاء الكتاب داخل حدود الوطن لا يحقق له الانتشار، ولا يعرِّف الساحة العربية بجديد النشر العماني، ولذلك سيجد القارئ كثيرًا من العناوين الأدبية الجديدة لكتاب عمانيين، صدرت عن دور نشر عربية، لها تجربتها في النشر والتوزيع، وفي هذا السياق أذكر لقاء ذات يوم من بعض الكتاب العمانيين، حيث هنأته بصدور كتاب جديد له، فرد عليَّ أن الكتاب لن يتعدى مدينة السيب؛ لأنه طبع في مسقط، وهو كلام مؤسف بالطبع، ولا تزال الحقيقة لا تبعد عنه كثيرًا، إذ قلما نجد الإصدارات العمانية تباع في المكتبات خارج محافظة مسقط، إلا إذا كان الكاتب يقوم بنفسه بعرض كتابه للبيع في المكتبات.
إن أيام معرض الكتاب يشكل احتفاليةً متجددةً، يلتقي فيها الكتَّاب بالناشرين وتقام خلاله فعاليات ثقافية متنوعة، ومع هذه الشغف بالعرس الثقافي القادم، إلا أننا نأمل أن يتسامح الناشرون قليلا في بيع إصداراتهم، كما نأمل من إدارة المعرض وهي تدشن عقده الثالث، أن تقدم أفكارًا جديدةً تحفز على التأليف والنشر وتروِّج للكِتاب والكُتَّاب، وكم وددت لو أنها حذت حذو بعض المعارض الخليجية والعربية، في تقديم جوائز لأفضل الإصدارات، وتكريم الكتاب والمؤلفين والباحثين، وهذا يتناسب مع ما صرح به معالي الدكتور عبدالمنعم بن منصور الحسني وزير الإعلام رئيس اللجنة المنظمة للمعرض لوسائل الإعلام أمس، من أن معرض مسقط تم تصنيفه من بين أفضل عشرة معارض للكتب على مستوى الوطن العربي، ويعد من بين أبرز ثلاثة معارض على مستوى الخليج.