ثقافة » نشاطات

سوق عكاظ... التاريخ المجني عليه!

في 2016/08/30

سوق عكاظ عادت إلى الحياة في السعودية قبل عشر سنوات، بفضل عدد من المخلصين. إحدى أشهر الأسواق التي كان يجتمع بها السعوديون القدماء ليتداوروا تجارتهم وثقافتهم في ما بينهم، أصبحت على خريطة الفاعليات الوطنية بعد توقّف صامت امتدّ الى قرون عدة. التاريخ السعودي بكنوزه وخزائنه عاد إلى الواجهة بعد أن ظننا لزمن طويل أن موجودات الجزيرة العربية الحضارية ليست لنا وإنما هي إرث لماضين دفنهم النسيان. كان المصري والعراقي والشامي من حولنا خلال العقود الماضية، يتفننون في نسبة ما بداخل حدودهم من منجزات حضارية الى دولهم الحديثة، بينما نستحي نحن من أن ننسب إلينا كسعوديين كل هذا الإرث الحضاري والمعرفي الذي وُلد ونشأ وكبر واشتدّ عوده ونضج وأثمر في الجزيرة العربية، التي تحتل السعودية اليوم القسم الأكبر منها. أهملنا تاريخنا كسعوديين (وأشدد على كلمة سعوديين) في كتبنا ومناهج مدارسنا، وأغفلنا حضاراتنا في منابرنا الإعلامية، بحجة أن اسم السعودية ليس قديماً بما يكفي ليشمل في إطاره كل تاريخ الجزيرة العربية، وفاتنا أن أسماء الدول تتغير باستمرار، بينما يظل الإنسان والمكان ثابتين في مدونة التاريخ. أنكرنا «سعوديتنا التاريخية»، إلى الدرجة التي جعلت روائياً مصرياً اسمه يوسف زيدان يلغي تاريخنا في دقيقة واحدة فقط خلال محاضرة له في المغرب قبل أسابيع قليلة! زيدان ليس جاهلاً بنا كما يروج بعض السعوديين الذين يطالبون بمحاورته. زيدان يعرفنا حق المعرفة، فتاريخنا وحضاراتنا ليست خافية على باحث مثله، لكنه تعود في السنوات الأخيرة على مهاجمتنا لأسباب سياسية في الغالب، ووجد من خلال تغافلنا عن مرجعياتنا الحضارية فرصة سانحة لأن يسلب منا تاريخنا الطويل ليظهرنا في الشكل الذي يسند موقفه غير المستغرب!

سوق عكاظ أحد مئات الشواهد التاريخية لحضارة هذه البلاد قبل العصر الإسلامي، وبقدر تشجيعنا لعودتها إلى المشهد الثقافي مجدداً، فإننا ما زلنا نتمنى أن تلتفت الجهات المعنية في المملكة إلى تبني البعد الحضاري والتاريخي لأرض الجزيرة العربية في مختلف مناطق البلاد، بحيث تُقدم السعودية إلى العالم مجدداً بوصفها بلداً ممتداً عبر التاريخ، ومنتجاً للحضارات ومساهماً في مداورتها في العالم.

كما أننا نتمنى أن تتضافر الجهود الوطنية في استعادة التاريخ الإسلامي الذي جرت أحداثه في الجزيرة العربية، ثم يعاد تصديره مجدداً للعالم تحت الهوية السعودية وبلون علمها الأخضر.

السعودية ليست بلداً جديداً طارئاً على الخط الزمني. السعودية، أرضاً وإنساناً، لها من التاريخ مجده ومن الجغرافيا عزتها واستقلالها، وعلينا إذا ما أردنا أن نحارب بسيف التاريخ والحضارات، أن نساوي ما بين السعودي اليوم والسعودي الذي عاش في الجزيرة العربية قبل آلاف السنين!

شكراً للعكاظيين الذين جعلوني أكتب هذه المقدمة الطويلة لهذه المقالة القصيرة، لكن السؤال يبقى: هل نجحنا في إعادة بعث سوق عكاظ؟ وهل حققنا ما نصبو إليه من هذا البعث؟ وهل استطعنا بالفعل أن نلفت نظر العالم إلينا بعد عشر دورات سنوية؟

الجواب هو لا... ولا كبيرة كذلك! فما خرجنا به من فائدة من وجود السوق في حياتنا مجدداً لا يكاد يتجاوز منطقة الصفر! فلا صوت عالمياً لها ولا رضا محلياً عنها! هي أيام معدودات تمر كل عام ثم يمضي كل إلى طريقة، بانتظار الدورة المقبلة!

لا محاضراتها ذات أثر ثقافي ظاهر، ولا لمتعاكظيها صوت شعري بائن، أما حركتها التجارية فتم اختصارها في مداولات بدائية لا تعبر لا عن ماضي هذا البلد ولا عن حاضره.

يعتقد منظمو السوق وعرابو برامجها المختلفة أن «حشر كل شيء في أي شيء» وصفة ناجحة لمثل هذا النوع من المهرجانات. خدعتهم فكرة مهرجان الجنادرية فاتبعوها من غير إدراك لا لحقيقة مهرجان الجنادرية ولا لطبيعة سوق عكاظ، خلطوا الحابل بالنابل فخرجوا بشيء لا يحمل من المهرجان سوى اسمه واسم محمد عبده!

عشر سنوات مضت للنسيان، فماذا نحن فاعلون للسنة المقبلة؟ اقتراح صغير قد يُفيد، وقد يأتي غيري بأفضل منه، المهم أن نعترف بالفشل ونفكر بالإصلاح:

يُختصر المهرجان إلى فاعليتين رئيستين فقط: الأولى، ثقافية تُطلق فيها جوائز عالمية يشارك فيها مبدعون من مختلف دول العالم وتحمل أسماء شعراء ورواة ومفكرين عالميين كبار جداً وعلى قيد الحياة يتولون بأنفسهم فرز الفائزين وتحريمهم. والثانية، عرض وتداول التجارة التقليدية والأكلات الشعبية لشعوب العالم المختلفة من خلال منظمات وجمعيات عالمية تُستدعى خصيصاً لهذا الغرض. لنجمع تجارة العالم التقليدية مثلما كان عكاظ الأول يجمع التجارة التقليدية لقبائل الجزيرة العربية المختلفة.

ثم، وهذا هو الأهم، التعاقد مع وكالات إعلام عالمية كبرى لتسويق المهرجان في زيمبابوي وكوريا وتشيلي والصين وأميركا وكل شبر على الكرة الأرضية.

لننجح، علينا أن نركز في العمل ونختصر الجهود ونحيط بالتفاصيل الصغيرة. ومن هذه التفاصيل تعديل محتوى وصف سوق عكاظ في «ويكيبيديا»، الذي ما زال يقول إن بعث السوق للحياة مجدداً هو من المحرمات في الإسلام!.

عبدالله ناصر العتيبي- الحياة السعودية-