إن السينما السعودية ماضية في نجاحاتها وتسير ببطء لكن بفعالية نحو إرساء صناعة سينمائية متطورة على المستوى الإقليمي، وهي بالتأكيد ليست بحاجة إلى تسويق مجاني و"فذلكات" دعائية تضر أكثر مما تفيد.
منذ أكثر من عشر سنوات والسينما السعودية تنمو بشكل تصاعدي كمياً ونوعياً، حققت جوائز في مهرجانات دولية، وأنتجت لنا جيلاً من المخرجين المبدعين مثل هيفاء المنصور وبدر الحمود وعبدالمحسن الضبعان، وهي مستمرة في صعودها الواثق نحو الأعلى بقوتها الذاتية وبإصرار مبدعيها دون الحاجة إلى تسويق مجاني و"فذلكات" دعائية تضر أكثر مما تفيد.
نقول هذا والسينما السعودية تعيش اليوم لحظتها الأكبر بانطلاق عروض فيلمين سعوديين في صالات السينما التجارية في الإمارات، هما فيلم "بركة يقابل بركة" للمخرج محمود صباغ وفيلم "بلال" للمنتج أيمن جمال، حيث يشير حضورهما إلى أن السينما السعودية بدأت طوراً احترافياً في مسيرتها الناجحة، ووضعت لها موطئ قدم في سوق التوزيع السينمائي المعقدة، وهذا تطور نوعي سيكون له ما بعده وسنرى مخرجين سعوديين آخرين يفهمون لعبة التوزيع ويزاحمون بأفلامهم في صالات السينما التجارية.
لكن هذا النجاح السينمائي الذي يدعو للإعجاب لم يخل من منغصات تسبب بها صناع الأفلام أنفسهم إما استعجالاً لنجاح أفلامهم أو طمعاً في عقود مستقبلية، وتكمن هذه المنغصات في التصريحات غير الدقيقة التي يقولها المخرجون عن أفلامهم أثناء إعدادها وبعد عرضها في المهرجانات الدولية، والتي يخالطها الكثير من المبالغة وشيء من التضليل. ولعل من المصادفة أن يكون أكثر فيلمين تورطا في هذه اللعبة هما الفيلمان اللذان ينطلقان اليوم في السينمات التجارية؛ "بركة" و"بلال".
بالنسبة لفيلم "بلال" فقد أشاع طاقم الفيلم في الدورة الماضية لمهرجان "كان" السينمائي أن فيلمهم فاز بجائزة "الفيلم الملهم" في المهرجان، واتضح فيما بعد أن الجائزة ليست من مهرجان "كان" نفسه، بل من مهرجان آخر صغير يقام في مدينة "كان" أثناء فترة انعقاد المهرجان السينمائي العريق، وهكذا تم تضليل الرأي العام وإيهامه بأن الفيلم فاز فعلاً في أهم المهرجانات السينمائية، وتم استغلال هذه المعلومة غير الصحيحة في أغلب النشرات الخاصة بالفيلم التي تبثها وسائل الإعلام العربية.
أما فيلم "بركة يقابل بركة" فهو يمارس سلوكاً مشابهاً هذه الأيام عبر الترويج بأنه مرشح للأوسكار بالمعنى الذي يوحي بأنه حاز على موافقة الأكاديمية الأميركية وتم اعتماده رسمياً في سباق الأوسكار. وهذا بالطبع ليس صحيحاً. نعم لقد تقدمت المملكة بهذا الفيلم - عبر جمعية الثقافة والفنون - للأكاديمية لكن هذا الترشيح "الداخلي" لا يعني شيئاً حتى الآن، هو مجرد تسجيل فقط في سجل المشاركة السنوية ولا يعني أنه مقبول أو أن لجنة الأوسكار قد اعترفت به. هناك عشرات الدول التي تطلب المشاركة في الأوسكار كل سنة، دول مثل منغوليا وبنغلاديش والصومال وحتى أفغانستان تسجل أفلامها لدى الأكاديمية ولا يحق لهذه الأفلام أن تدعو نفسها بالمرشحة للأوسكار إلا بعد ظهور القائمة الأولية من قبل لجنة الأوسكار. هذه القائمة تمثل "اختيار" الأكاديمية وتعد اعترافاً بأحقية الفيلم وإقراراً بجودته، أما قبل ذلك فهو مجرد تسجيل.
هيفاء المنصور لم تصرح بأنها رشحت للأوسكار إلا بعد ظهور قائمة التسعين فيلماً التي اختارتها الأكاديمية وكان فيلمها "وجدة" بين هذه الأفلام. أما صُنّاع "بركة" فقد بدأوا الاحتفال مبكراً وبثوا في الأرجاء نبأ ترشحهم للأوسكار منذ اللحظة التي أعلن فيها الأستاذ سلطان البازعي اختيار فيلمهم لتمثيل المملكة في السباق الأوسكاري. بالطبع نتمنى لهم التوفيق، ونتمنى أن نراهم ليس في القائمة الأولية فقط بل في قائمة "الخمسة" التي تحضر الحفل الشهير، والمؤشرات النقدية تقول إنهم قادرون على ذلك، لكن المبالغة في الاحتفال وإيهام الجمهور بأن الفيلم رشح فعلاً للأوسكار ليست مقبولة، لأن "الترشيح" مسؤولية الأكاديمية لا الدولة المنتجة للفيلم؛ الدولة تكتفي بتقديم وتسجيل فيلمها والأكاديمية تقرر إن كان الفيلم يستحق الترشح لجائزة الأوسكار أم لا.
نقول في النهاية إن السينما السعودية ماضية في نجاحاتها وتسير ببطء لكن بفعالية نحو إرساء صناعة سينمائية متطورة على المستوى الإقليمي، وهي بالتأكيد ليست بحاجة إلى تسويق مجاني و"فذلكات" دعائية تضر أكثر مما تفيد.
رجا ساير المطيري- الرياض السعودية-