ثقافة » نشاطات

مؤتمر الأدباء والعمى الثقافي!

في 2016/12/03

مؤتمر الأدباء الخامس، هالة من نور تشرق كل أربع سنوات، ونحمد لوزارة الثقافة مؤخرا تتابع المؤتمرين الرابع والخامس، وككتاب رأي يكثر جري أقلامنا في حزون النقد ـ غالبا ـ متوخين تجويد الأعمال والخدمات والأفكار، فإن لأزاهير الشكر (خانة عظمى) في قاموسنا تجاه من (يحسن عملا)، فالشكر لوزارة الثقافة والإعلام على ما قدمته في مؤتمر الأدباء، من حيث الإعداد والتنظيم، والتنويع، وشكرا للأدباء السعوديين الذين أسهموا في إثراء الملتقى بما طرحوه من رؤى وأفكار تلامس الهموم الاجتماعية والثقافية والأدبية على اختلاف المشارب والتوجهات والبيئات.

ما تقدم يعد جزءا مما دفعني إلى كتابة هذه المقالة، والجزء الآخر هو ما يسبق ويصاحب فعالياتنا الثقافية ـ مؤخرا ـ والمؤشرات السلبية التي ترهق المنظمين لأي فعالية، إذ تنهال حروف (سامة) كأنها نيوب الثعابين تلدغ (السالم والظالم)، لا يتورع مطلقوها عن اتهام الناس، ومحاكمة نواياهم، والإيغال في التشويه إلى درجة (مقززة) لا يقبلها عقل ولا منطق سوي، ولا تبررها حالة.

ثقافة (التفتيت والتعصب والتعنصر) تطرد اليوم في تفتيت منظومتنا الفكرية على عدة مستويات، فعلى المستوى الفكري تبرز تقسيمات (إسلامي وليبرالي وعلماني وغيرها) وللاتجاه الديني تقسيمات طويلة للمكونات الفكرية داخله (فهذا سلفي وذاك جامي وهذا تبليغي وهذا حديثي وذاك قرآني ...) وهكذا، وإن اتجهنا إلى الوسط الثقافي وجدنا تقسيمات (أديب وأكاديمي ومسرحي وكاتب وغيرها) تعصف بالمشهد، ولا بأس في التصنيف، ولا في العزو إلى التخصص، لكن القضية المؤرقة هنا أن ترتفع أصوات هذه المكونات ضد بعضها البعض إلى درجة التشويه والاتهام والتناحر.

قبل مؤتمر الأدباء الخامس بأيام تقافزت بعض الأقلام وانتبرت الموجة الملتهبة، تكيل التهم بلغة تعميمية لا تفاصيل يقينية فيها، تصب حممها على وزارة الثقافة، وعلى لجنة المؤتمر، ثم طالت أعاصيرها العاتية أسماء المشاركين، وقفز مجددا إلى الساحة تصنيف (أدباء وأكاديميين)، دون نظر ولا تأن ولا مراجعة، فما دامت الدعوة لم تصل (وحيد زمانه) فالكل في نظره متهم.

كثير من الأكاديميين أدباء، وبعيدا عن ذلك، لو سأل المتهجمون أنفسهم عن دور (الأكاديميين) في حركة الأدب؛ لأدركوا ما لدراساتهم من فضل في التأريخ والتوثيق والتصنيف والتقييم والفحص والقراءة واكتشاف الظواهر والأساليب، ولو تذكروا تذمرهم من قلة توقف الأكاديميين أمام تجاربهم، وعدم عناية (النقاد) ـ وجلهم من الأكاديميين ـ بأعمالهم الإبداعية وإشهارها؛ لاعترفوا بأهمية دور الأكاديميين في ازدهار الحركة الأدبية، وللحق: ما زلت أتساءل ماذا سيقول الأدباء لو حضروا المؤتمر (وحدهم)، ومحاوره كلها تتحدث بلسان (البحث العلمي)!!

من المعلوم أن المملكة قارة، وأعداد المبدعين فيها (أدبيا/ وأكاديميا) رقم لا يمكن للمؤتمر استيعاب (عُشره)، ودعوة البعض، أو الموافقة على أوراق البعض لا تعني أفضليتهم، ولا (إقصاء) الآخرين وعدم أهميتهم، فالمناسبات الثقافية كثيرة، والفضاء مفتوح للجميع، وما فاتك اليوم تدركه غدا، لكن تشويه مناسباتنا وثقافتنا مؤشر خطير يجب أن يتوحد العقلاء في مواجهته، وكل ما قلته أعلاه لا يبرئ وزارة ولا مؤسسة من وجود بعض المحسوبيات، وهو أمر إنساني طبيعي لا يبرر مطلقا تشويه منجزنا الثقافي في الوقت الذي نطمح فيه إلى توحيد الجهود، وتوجيهها نحو ثقافة مؤثرة اجتماعيا وإقليميا وعالميا. والله من وراء القصد.

أحمد الهلالي-مكة السعودية-