ثقافة » نشاطات

«وجدة»..10 أخطاء دينية وسياسية نالت من أول فيلم درامي صور بالسعودية

في 2017/01/06

تبدأ المجتمعات رحلة الانحدار حينما تتم مناقشة قضاياها الجادة  الحقيقية بروح المبالغة، والجنوح إلى الحلم العبثي في مواجهة واقع بالغ المرارة، ولو تمثل في تحديات المال، العاصف بالمجتمع من داخله، أحياناً، ليجعل التدين غلافاً يخفي حقيقة التيّه الاجتماعي، والضياع الذي يعصف بأساسه فلا يُبقي عليه، وهو ما سنرصده في تناولنا النقدي لفيلم «وجدة» عبر 10 أخطاء دينية وجنسية وسياسية وفنية سقط الفيلم فيها عبر تناله للمجتمع السعودي، وإن أجاد في تناول بعض تفاصيله، كما سنوضح.

ارتباك مُضاعف:

الفيلم الأول في حياة أي مخرج يأتي مُرتبكًا مُتلعثمًا، يريد تحميله كل خبراته الحياتية، وإظهار نقاط التمايز الفني التي يمتلكها، فيسقط في «فخ» عدم وضوح الرؤية بشكل يختلف من مخرج إلى آخر.

ولكن تجربة المخرجة السعودية «هيفاء المنصور» جاءت محملة بما هو أصعب، إذ أُتيح لها، للمرة الأولى، في حياة مخرجيّ المملكة تصوير فيلم سينمائي طويل، يحمل بصمة روائية درامية، بعيداً عن حس الكوميديا الذي غلف أفلاماً سابقة، فأغرقها في لوحات أقرب إلى الإسكتشات، ومنها فيلم «مناحي»، على سبيل المثال.

هكذا تمثلت الصعوبة أمام «المنصور» مضاعفة فهي تجربة ولادة أول فيلم خاص بها، وأول فيلم درامي حقيقي خاص بوطنها.

تمويل وسيناريو كُتِبَ مرتان

إحدى مُعضلات الفيلم أن فريق عمله، وقع في إشكالية رغبته في التعبير عن رؤيته الخاصة بالمجتمع السعودي، مع صعوبة الأمر لأن التصوير بتصريح من السلطات في المملكة، كأي مسلسل تم إنتاجه فيها، وبالتالي فهناك عين تراقب قبل المونتاج لا العرض، وللوصول إلى حل عمد فريق التصوير الألماني (تكون من 30 شخصاً، بالإضافة إلى 40 من داخل المملكة)، وصوّر لمدة شهر في سيارة معدات متنقلة، خارجياً، وكاميرات داخلية شبه تلفزيونية، عمد إلى استخدام الكلمات الدالة، مع اختيارالصور المعبرة عن أفكارهم، بما يساوي القراءة والمشاهدة المزدوجة، أو التي تحمل في ظاهرها تفسيراً مريحاً، ويختبىء خلفها تفسير آخر يفهمه الغربي بدقة.

فاز سيناريو المخرجة والمؤلفة «المنصور» بجائزة «الشاشة»، الخاصة بالتمويل في مهرجان «أبوظبي» السينمائي في دورته الثالثة في عام 2009م، ثم أعادته «المنصور» برفقة «رومان بول»، منتج الأفلام الألماني، وزميله «جيرهارد ميكسنر»، بالإضافة إلى «فهد السكيت»، الرئيس التنفيذي لشركات «روتانا».

وكانت شركة «ريزر فيلم» الألمانية هي المنتجة، بمشاركة «روتانا ستديوز»، وشركة «هاي لوك»، والمبيعات العالمية كانت لشركتي «يونايتد تلنت إيجنسي» الأمريكية، و«ماتش فاكتري» الألمانية. ويعتبر بذلك الفيلم التعاون المشترك الأوروبي الأول في دول الخليج العربي، بحسب موقع «ويكيبيديا» للمعلومات.

هذا التمويل والحرص الغربي على أن يرى الفيلم النور، ولجنة التحكيم في جائزة الشاشة بمهرجان «أبوظبي» كانت غربية، كل هذا يُفسر نجاح الفيلم في اقتناص فرصة النجاح في الترشح فحسب إلى جائزة «الأوسكار» لأفضل فيلم أجنبي عام 2013م، لأول مرة في تاريخ السينما السعودية، وللمرة الثانية حتى اليوم إذ لحق به فيلم «بركة يقابل بركة»، إخراج وتأليف «محمود الصباغ» هذا العام.

احتفى الغرب بالفيلم، الذي صنعه على عينه، جيداً فعرض في دور عرض في أمريكا الشمالية، وحصل على ثلاث جوائز عالمية خلال مهرجان «البندقية» السينمائي الـ 69، جائزة سينما «فناير»، جائزة «الاتحاد الدولي» لفن السينما، وجائزة «إنترفيلم»؛ وفي الدورة التاسعة لمهرجان «دبي» السينمائي الدولي حصلت «المنصور» على جائزة «المهر الذهبي» لأفضل فيلم روائي عربي، بحسب «الجزيرة نت».

إشكالية حياة

يروي الفيلم قصة فتاة سعودية «وجدة» تخطو نحو البلوغ، وتمثل مشكلة مزمنة لمديرة المدرسة، «حصة» أو (المُمثلة عهد كامل)، ومنذ لقطات الفيلم الأولى تحرص المديرة على تأنيبها لعدم انتظامها في الحركة مع زميلاتها، ومع تكرار اللوم لفتاة تعاني من قدرات زائدة في الفهم والحركة، تعتقد المديرة أن «وجدة» وراء كل بلايا المدرسة، رغم أنها تعترف إليها في لحظة إفاقة بأنها تذكرها بحياتها في الصغر.

وعلى المستوى الأسري تدرك «وجدة» أن أباها ليس على وفاق مع أمها، لا بسبب نفور أو عدم قدرة على الفهم، كما هي العادة، بل لأن الأب، الذي لا نعرف له اسماً إلا عبر لوحة عليها شجرة عائلته، فالأب (المُمثل سلطان العساف) مهندس بترول، يعاني من كثرة المال، وطول الغياب عن البيت الواسع المريح، الذي تضطر الأم (الممثلة ريم عبد الله)، هي الأخرى لا يلح الفيلم على اسمها، تضطر الأم إلى البكاء دائماً فوق سطح البيت، في إشارة إلى أن الرؤية من أعلى في المجتمع لا تسر.

ولأن الأب والأم عجزا عن التواصل، وبالتالي إنجاب نجل ذكر، يحفظ تاريخ عائلة الأب، ورفض الأخير عرض الابنة أن تحل محل الابن المُفتقد، لما كتبت اسمها على ورقة في فرع أثمر الأب، فمزق الأخير الورقة، غير معترفاً بحيثية «وجدة» في المجتمع قبل حياته، في إشارة إلى إشكالية العنصرية الجنسية المتجذرة في طرف من مجتمعاتنا العربية، بخاصة الأميل إلى البداوة والانغلاق.

 تقوم جدة «وجدة» لأبيها بترشيح زوجة جديدة له، مما يُشعل الخلاف بين الزوجين، ويجعل الفتاة تدرك التفاصيل الأكبر من عمرها واستيعابها.

تبدو الأم مضحية في الفيلم، تمتلك صوتاً رائقاً، وتستقبح العمل كمطربة، وكذلك مظهراً جذاباً، ولكنها تتمسك بالعباءة، والعمل كمدرسة، رغم عدم قدرتها على الوصول إلى المدرسة البعيدة التي تعمل بها، وافتقادها التفاهم مع السائق الباكستاني الشديد المراس، في إشارة لتحكم الوافدين الأجانب في المجتمع، بما يُخالف الحقيقة، وتفاصيل مكان سكن السائق الذي أوضحه الفيلم، بل انصياعه لتهديد «وجدة» وزميلها في الحي، «عبد الله»، (الطفل عبد الرحمن الجهني).

إلا أنه مع تصاعد  الأحداث يهجر الأب المنزل ويستسلم لرغبات الأم السلطوية، والأم لم تظهر في الفيلم، لتجد «وجدة» ملاذها في الشارع، واللعب في الطريق وحلم امتلاك دراجة، ولما تفشل الأم في الاحتفاظ بزوجها لنفسها فحسب، ويتزوج عليها، تتخلى عن التقاليد والعادات وتشتري الدراجة لابنتها، بثمن فستان الزفاف، الذي كانت ادخرته لحضور زفاف شقيق زوجها غير المتزوج، قبل أن تفيق على تزويج حماتها لزوجها هي بدلاً من شقيقه.

فخ الفجاجة والأخطاء العشرة

رغم قدرة «المنصور»، بالإضافة إلى الآخرين المُشتركين معها في كتابة السيناريو من الغربيين وغيرهم، على امتلاك ناصية اللفتات الإنسانية في عدد من المواقف، وإظهار نبل الأم التي تأكل بقايا طعام استضافة زوجها لأهل «العروس» الجديدة، دون أن تدري الحقيقة، وحرصها على أداء ابنتها برفقتها صلاة الفجر في وقتها، وتحفيزها لها على تلاوة وتجويد القرآن الكريم في المسابقة التي حضرتها الابنة خصيصاً لتفوز بثمن الدراجة، إلا أن الفيلم سقط في فخ الدلالة المعادية للمجتمع السعودي عدة مرات.

الأولى: لما وعدت المديرة «حصة» فتاتين رأتهما تتزينان في مكان الوضوء (في دلالة فجة على صعوبة الفرائض) بكتمان الأمر شريطة التوقيع على تعهد بالذنب، وبعدها فضحتهما أمام الطالبات في المدرسة، في تحقير واضح لطريقة النصح، قالت المديرة للطالبات: ضبطا وهما تفعلان (إثماً)، وبالتالي خافت الطالبات من مجرد لمسهما بعدها!

الثانية: في مسابقة حفظ القرآن الرسمية المدرسية تسأل المديرة عن معنى (حُوبًا كبيرًا)، الآية الثانية من سورة النساء، مركزة حيناً على آيات النفاق في بدايات سورة «البقرة»، في إشارة لما هو مُبالغ فيه من عدم قدرة المجتمع على تحبيب الدين إلى صغاره، إن لم يكن لما هو أفدح.

الثالثة: مرشح الانتخابات «أبوشنب»، ربما البلدية في المملكة أو في إشارة استشرافية لها، لم يكن موضع قبول من أسرة «وجدة» إلا لما ظهر على وسيلة إعلامية خاصة بـ«القرآن الكريم»، الإذاعة، في إشارة إلى استغلال الحس الديني المجتمعي، ورشوة القائمين على تلك الوسائل.

الرابعة: «سلمى» زميلة «وجدة» في الدراسة، التي لم تبلغ مبلغ الفتاة لما يتم زواجها، دون معرفتها بمعنى الزواج، إلا أنها تحمل صور «عقد القرآن» إلى المدرسة في فرحة، وتُمرر المعلمة الأمر، وتنهاها عن مجرد المجىء بالصور، مع عدم مناقشة أمر الزواج المبكر من الأساس، في عدم تقبيح مفتقد لعادة اجتماعية مرذولة.

الخامسة: في مسجد المدرسة تنهر المعلمة الفتيات لفتحهن المصحف على آخره، لا حفاظاً عليه، كما يعرف جميع المسلمين، بل حتى لا يدخل الشيطان فيه، ويال التفسير!

السادسة: «عبير» الطالبة الأكبر من «وجدة» لما تقع في فخ الخروج مع شاب من المدرسة، توصل «وجدة» رسائلهما لاكتساب المال لتشتري الدراجة، فيما تظهر المراسلة بين الجنسين في الفيلم أمر جيد، يستقبحه المجتمع، رغم أن الفتيات في الفصل كلهن يتحدثن في الأمر، فيما المصحف السعودي المعروف، طبعة الملك فهد أمامهن، وفيما الأم في المنزل تستملح القصة مع زميلتها، هاتفياً، أمام الابنة، واصفة الشاب بأنه (جميل شكل أبوه)، وفق الوصف السعودي الأشهر، فيما الجميع يعيب الهيئة، من طرف خفي، «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» للقبض على الفتى والفتاة!

السابعة: تنهى المديرة والمعلمة الفتيات عن التبرج في المدرسة فيما هما متبرجات تماماً، متخذات زينة حتى في قلب المسجد.

الثامنة: إقرار الأم المعلمة بأن ما بين ابنتها المقبلة على البلوغ والطفل الجار إنما هو «حب»!

الإسقاط الجنسي والسياسي

على ان أسوأ ما في الفيلم تريده لأفكار علمانية كبرتْ مجتمعاتنا عليها، فركوب الفتاة الدراجة يساوي احتمال فقدها شرفها، وهي نظرية عاشت ترددها «نوال السعداوي»، وغادرها المجتمع منذ كثير، وتزداد حدة الفجاجة لما تسقط الابنة من فوق الدراجة صائحة «دم» فتخبىء الأم وجهها صائحة «وين»!

أما الإسقاط السياسي الهارب، بعكس الديني والجنسي الفج، مكتفياً بالدلالة، فصورة الملك «عبد الله بن عبد العزيز بن سعود» على سيارات المدارس، في الشوارع مرات لما يعرضها الفيلم، في حين تزداد معاناة أبطال الفيلم قسوة، ووجود صورته بملصق الاحتفال بالعيد الوطني الـ81 ، فيما تسابق «وجدة» زميلها «عبد الله»، وكأن حكام الوطن نجحوا في الإبقاء على مشاكله، وصياغة الخوف منهم، وتعليق صورهم، فحسب، وكأن الوطن ضاق حتى صار حلماً بدراجة، وصوراً على زجاج سيارة، في إشارة لمنتجات استهلاكية أفشلت المجتمع البدوي.

أما أبرز أخطاء الفيلم الفنية، المُمثلة للخطأ العاشر من الأخطاء الخاصة بواقع الدين والجنس والسياسة في المجتمع السعودي فهو عدم وجود بطل للفيلم، سوى السلطة، ورغبات الذكور في كثرة الزواج، وكان يمكن اصطحاب مدينة الرياض، بما هو  أكثر من مجرد لقطات، لتصبح البطل المفتقد باستشرافها المستقبل، بدلاً من اصطحاب بطلة  الفيلم الصغيرة للدراجة للمهرجانات الدولية على أنها «البطلة».

بلغت ميزانية الفيلم 4 ملايين دولار، بحسب جريدة «الرياض»، ولم يعرض في المملكة، ولم يذكر أحد مقدار ما حققه عبر عرضه خارجها إذ يبدو أن الغرض منه تحقق بمجرد إنتاجه.

ظهرتْ الممثلة الصغيرة «وعد محمد» ممتلكة لأدوات التمثيل إلى حد ما، وإن تفوق عليها قرينها «عبد الرحمن الجهني» بعفويته، وبدت «ريم عبد الله» في حضور جيد في الفيلم، وإن تجاوزها عمر البطولة قليلاً، وأجاد «سلطان العساف» في دور الأب المحب غير المتخلي عن شهوته، وقبحت «عهد كامل» دور المديرة، في استمرار لابتذال شخصيات المعلمين على امتداد وطننا العربي.

نـــواف القبيـــســي- الخليج الجديد-