لا صوت يعلو هذه الأيام على جدال السعوديين حول السينما، ولأن من أطلق الشرارة يطفئها، فإن هيئة الترفيه تراجعت عن إعلانها «دراسة الترخيص للسينما» بتأجيلها لأمد غير محدد.
على المستوى الشخصي، لن يشكل افتتاح سينما لدينا فارقا بالنسبة لي، فكوني من سكان المنطقة الشرقية منحني امتياز القرب من البحرين، أزورها مرة أو أكثر شهريا حيث قاعات السينما تغص بالسعوديين، وربما لولاهم لتقلصت وأغلق أبواب العديد منها، كما شاهدت أفلاما في قاعات السينما بالظهران و«كاوست» في جدة، لعمل الوالد في الأولى، وإقامة أقارب لي في الثانية، وفي جميعها لم أشهد حادثة واحدة تبرر هذا الرفض العجيب لتعميم السينما في كل مدننا! فالناس يجلسون في أماكنهم بكل احترام، لأن هدفهم تسلية بريئة وترويح عن النفس لا أكثر!
جميع السعوديين لديهم شاشات تلفاز وأجهزة كمبيوتر يشاهدون فيها عشرات الأفلام يوميا، كما يعرف أغلبهم المواقع والبرامج التي تتيح مشاهدة أحدث الأفلام المعروضة في قاعات السينما حول العالم، بل لا تخلو أي مدينة سعودية من بائعي أفلام هوليوودية «منسوخة» بجودة عالية، لم يحذف منها أي مشهد! ولم يعترض أحد على ذلك، ولم يتهم البائعون والمشترون بالفساد!
ولكن حين قررت هيئة الترفيه «المسكينة» أن تؤدي العمل المناط بها، بالتسرية عن «خلق الله»، فدرست دمج شاشات المنازل الصغيرة في واحدة عملاقة، وجمع المشاهدين الفرادى معا، وإخضاع الأفلام المعروضة للرقابة! ثارت ثائرة البعض وعدوا ذلك من الفساد العظيم! فهل المشكلة في حجم الشاشة التي يعرض فيها الفيلم! فيباح إن صغرت ويحرم إن كبرت! أم في اجتماع المشاهدين بعد تفرقهم!
من غير المجدي الشرح للمعارضين عن رقي الفن السينمائي، وأهمية الأفلام في إيصال رسائل عميقة وهادفة، بل لو كان الفيلم للضحك فقط فهو هدف وحده! وأن افتتاح قاعات سينما تراعى فيها الضوابط، من أفضل خيارات الترفيه ومن أنجح مشاريعه، وسيخلق فرصا وظيفية للشباب، وأن من حق الناس بعد عناء العمل الشاق الترويح عن أنفسهم، ولربما يكون بداية لصناعة سينمائية تعبر عنا وتشبهنا، كل هذا لا قيمة له عندهم، لأنهم - ورغم مشاهدة بعضهم 30 فيلما شهريا على الأقل - لا يرون قاعات السينما المغلقة أكثر من غرف نوم كبيرة، ولا يرون في شاشاتها أكثر من إضاءة رومانسية قد تحولها لمكان للتكاثر!
المشكلة ليست في معارضة افتتاح السينما بحد ذاتها! بل في اعتقاد هؤلاء أن الترفيه ليس من حق «المسلم السعودي» ولا حاجة له به، فما دامت الدنيا فانية ونعيمها زائل فيتوجب عليه الزهد فيها، يصل الليل بالنهار بين عبادة وصيام واعتكاف، يأكل حين يجوع، ويشرب حين يظمأ حتى يأتي أمر الله وتصعد الروح لبارئها!
المثير للدهشة أننا نعارض السينما والمسرح لدينا ونتسابق لهما في الخارج، ونمنع نساءنا قيادة السيارة في الداخل فيستخرجن الرخص من دول أخرى! وفنانونا المبدعون تمثيلا وإخراجا اكتشفهم غيرنا!
آمل حقا أن نتخلى عن نفاقنا وازدواجيتنا ونثبت على وجه واحد ليعرفنا الناس به، ولا يكرر على مسامعنا السؤال الشهير، من أنتم؟!
سحر أبو شاهين- مكة السعودية-