روى لنا أحد الأصدقاء قصة طريفة تقول: إنه سافر لإحدى العواصم العربية وفي معيته قريبه الخمسيني المتقاعد، وكان عذر الرجل لإقناع أهله بسفريته الأولى للخارج أنه يريد علاج ضروسه لدى مركز متخصص هناك، نزل الرجلان بعد وصولهما لتلك البلدة بفندق شهير يطل على النهر وبه كل ملذات الدنيا، وفي صبيحة اليوم الثاني سأل الرجل صديقنا: إلا انت ما قلت لي ليه تسافر كل فترة، ارتبك قليلاً ثم أجابه: أسافر من أجل السينما، وفي المساء وقفا معاً أمام شباك التذاكر، ولكن الرجل ما إن دخل صالة العرض وبدأ الفيلم حتى تململ والتفت لصديقنا قائلاً: كان قعدت في صالة بيتكم في الديرة إن كان تبغا التليفزيون.. قم يا رجال نشوف لنا مكان نسهر فيه وبلاش نضحك على بعض!؟
اليوم أطلت علينا من جديد المطالبة بافتتاح السينما، وإذا أردتم الحقيقة فإنني أستغرب هذا الإلحاح الشديد على تنفيذها، خاصة أن هذه المطالبة الرجعية تأتي من قبل الطبقة التنويرية، التي يفترض أنها طوت هذه الصفحة منذ عقود، فالزمن تغير كثيراً، كما تغيرت معه وتطورت المحطات الفضائية وأجهزة الاستقبال، وبات بإمكانك وأنت جالس في بيتك وبضغطة زر طلب الفيلم الجديد ومشاهدته كاملاً على شاشة البلازما العملاقة وبتقنية البعد التي تريدها.
إذا أردتم الحقيقة، فإن مفاسد عدم وجود دور للسينما هي اليوم أكثر بكثير من المضار التي يدعونها حال السماح بها، فوجودها سيكشف لنا حقيقة تلك المزاعم التي تقول إن السعوديين يسافرون للخارج مع بدء كل إجازة من أجل السينما، ووجودها سيمكن الرقيب من اختيار الأفلام التي يمكن عرضها وقص المشاهد المخلة منها، ووجودها أيضاً سيكشف لنا مع الأيام مدى العزوف الجماهيري عنها في حضرة الإعلام الجديد، كما أن وجودها سيحرج كثيراً هيئة الترفيه وقد يغيبها عن المشهد تماماً لأنها لن تجد ورقة سحرية أخرى تلاعبنا بها وتضحك علينا!
نعم هي فكرة ذكية أن تحيي الحفلات الفنية مع وجود كوكبة من المطربين العمالقة أمثال عبادي الجوهر ومحمد عبده، وهي فكرة رائعة للغاية أن تنظم البطولات العالمية الودية ولديك الهلال والاتحاد أكثر الأندية الرياضية شعبية وجماهيرية، لكنها بحق فكرة غريبة أن تدعو لافتتاح صالات السينما ولا يوجد لديك نجم سينمائي واحد ولا تملك في أرشيفك سوى ثلاثة أفلام (كل واحد أسمج من الثاني) وكل ما شاركت بمسابقة منحوك جائزة (أول فيلم سعودي)!
لنكن صريحين كما كان ذلك القروي صريحاً، ونترك مقعدنا في صالة المطالبة الوهمية بالسينما، ونعترف بأن غالبية السياح السعوديين يسافرون إلى الخارج لأغراض مختلفة، أما أن يأتي أحدهم ويحاول استغفالنا مدعياً بأنهم يقطعون كل هذه المسافة وينفقون كل هذه الأموال الطائلة من أجل السينما، فإنه سيجبرنا على أن نلتفت إليه ونقول له: قم بس قم.. وخلينا نشوف لنا سالفة ثانية نتكلم فيها وبلاش نضحك على بعض!؟.
أحمد عجب الزهراني- عكاظ السعودية-