ثقافة » نشاطات

الأقوال في الترفيه ليست سواء

في 2017/03/22

تقدم الهيئة العامة للترفيه روزنامة من النشاطات الترفيهية المختلفة شهدت إقبالا عاليا من المواطنين والمواطنات المتعطشين والمتعطشات لنشاطات ترفيهية يختتم بها أسبوع مليء بالعمل والنشاط ومقاومة الاختناقات المرورية. هذه النشاطات الترفيهية كما هو طبيعي خلقت نقاشا مجتمعيا حولها، وكالعادة اختلفت الآراء بين معارض ومؤيد.

 ما أريد طرحه في هذا المقال هو أن الرأي المعارض لهذا النوع من النشاطات ليس مثل الرأي المؤيد. الرأي المعارض دعواه أوسع بكثير وبالتالي فالعبء عليه أكبر في تبرير موقفه. الفكرة بسيطة ويمكن اختصارها كالتالي: النشاطات الترفيهية نشاطات اختيارية بمعنى أن المواطن والمواطنة هما صاحبا القرار في الذهاب والمشاركة من عدمه. شخصيا اخترت الذهاب لنشاط السيارات الضخمة Monster Jam في

إستاد الملك فهد، كما قررت عدم الذهاب لنشاط المصارعة الحرة. لهذا الاعتبار فإن المؤيد لهذه النشاطات يقول: يحق للمواطن والمواطنة الاختيار بين الذهاب من عدمه. بهذا المعنى فإن حتى المواطن الرافض لهذه النشاطات لا يزال يملك الحق والخيار في عدم الذهاب. في المقابل فإن المواطن المعارض يقول: يجب ألا يمنح المواطن حق الاختيار بين المشاركة وعدمه وأن يمنع الجميع. بهذا يكون الرأي المؤيد لا يلغي حق المعارض في عدم المشاركة بينما الرأي المعارض يحرم المؤيد من المشاركة.

 هنا يفترض أن يتضح الفرق وهو أن المعارض لنشاطات الترفيه لا يقول أنا لا أريد الذهاب لتلك النشاطات بل يقول «يجب ألا يسمح لأحد بالذهاب لتلك النشاطات». لذا فإن العبء الأخلاقي من منظور العدالة على المعارض أكبر بكثير من المؤيد. المعارض مطالب بمبرر لمطالبته بمنع الآخرين من الاختيار. المشكلة مع القول الرافض لنشاطات الترفيه أنه لا يكتفي بامتلاك حقه الشخصي بالمشاركة من عدمها بقدر ما يطالب بمصادرة حق المعارضين له في اتخاذ القرار. المعارض هنا يريد أن يتخذ القرار نيابة عن الآخرين.

 لا بد هنا من التفصيل في القرارات الملزمة للجميع وبين القرارات الاختيارية. القرارات الملزمة للجميع مثل قرارات المرور لابد أن تستجيب لشروط دقيقة تبرر فرضها على الجميع. أول هذه الشروط أن نتأكد تماما أنها في صالح الجميع أو على الأقل الغالبية. كذلك يجب أن نتأكد أنها ليست منحازة لجماعة دون الأخرى إلا إذا كانت هذه الجماعة تعاني من ظروف صعبة. مثل القوانين التي تفرض تخصيص مواقف سيارات قريبة لذوي الاحتياجات الخاصة. في المقابل فإن القوانين التي تنظم نشاطات اختيارية فهي مطالبة بشروط أقل باعتبار أنها غير ملزمة لأحد، وبالتالي فإن الإنسان يستطيع تجنبها دون تأثير مباشر على حياته. الفرق المهم هو أن نشاطات هيئة الترفيه تمول من مال عام وبالتالي فإن من حق المواطن المعترض والمؤيد التأكد من أن المال العام يصرف بطريقة رشيدة. هيئة الترفيه هنا يكفيها أن تثبت اقتصاديا أن المال المصروف في نشاطات الترفيه يجني أرباحا أو على الأقل يرد تكاليفه. في هذه الحالة فإن الهيئة قد أعفت نفسها من المسؤولية تجاه المواطنين باعتبارها قد أدارت المال العام بشكل رشيد على الأقل من منظور اقتصادي.

 لكن كثيرا من حجج الاعتراض تستند على مرجعية أخرى وهي مرجعية دينية، بمعنى أنها تجادل في أن بعض نشاطات الهيئة تدخل في مجال الحرام. وهنا نواجه الواقع التالي: الحقيقة أن المواطنين ومعهم أهل الاختصاص في التفسيرات الدينية يختلفون في قضايا الترفيه فمنهم من يبيحها ومنهم من يحرمها. هنا تكون الهيئة في موقف لا يتعارض مع النظام الأساسي للحكم حين تتحرك في هذه المساحة من الاختلافات، خصوصا إذا تذكرنا أن المعترض لن يتعرض شخصيا لأذى مباشر أو إجبار على ارتكاب ما يراه محرما باعتبار أن النشاط اختياري وليس إجباريا.

 الفكرة الأساسية في هذا المقال تنص على التالي: الآراء حول القضايا العامة ليست دائما سواء. من يريد إجبار الآخرين على شيء فهو مطالب بمبررات كثيرة جدا تجعل هذا الجبر مقبولا من منطق العدالة وإلا اعتبر موقفه استبدادا وسلطة ووصاية. من يريد منع نشاطات الترفيه وهي نشاطات اختيارية فهو يضع نفسه أمام مسؤولية هائلة لتبرير مصادرة شركائه في البلد حق الاختيار في النشاطات التي يريدون الترفيه عن أنفسهم بها. الأصل أن كل إنسان مسؤول عن قراراته الشخصية وأن ليس للمعترض الحق بالاعتراض إلا إذا تماست تلك القرارات مع حياته الخاصة بشكل واضح.

 في الأخير فإن قراري أن أحضر حفلة غنائية أو مسابقة طبخ أو سباق سيارات أو لقاء مع شخصية فنية لن يؤثر على حياة جاري في الحارة أو على حياة أي شخص لم يحضر ذلك النشاط.، بالعكس يمكن أن نقول إنهم يستفيدون، فانتشار الترفيه والتسلية في المجتمع يخفف من الضغط النفسي المتراكم بعد أسبوع من العمل والعطاء. التجربة تقول إن المجتمعات التي تعرف الإنتاج والعمل تعرف كذلك الترفيه والتسلية والترويح. خيارات الناس في الترفيه متنوعة ومتعددة وقد تختلف من شخص إلى آخر، وبالتالي فإنه من الطبيعي الاختلاف حولها لكننا لابد أن نتذكر أن من يؤيد حق الناس في الاختيار ليس من يدعو لمنع الناس من حق الاختيار.

عبدالله المطيري- الوطن السعودية-