ثقافة » نشاطات

الترفيه.. صناعة وثقافة!!

في 2017/04/03

المسرح أبو الفنون، هل ثمة ترفيه أرقى من مسرح يجمع العديد من عناصر الفن.. والمسرح إلى جانب دوره في الترفيه هو أيضاً صانع للثقافة، فهو بيئة تتفاعل فيها القضايا الوطنية والاجتماعية والإنسانية في قالب مشوق ممتع. وليس مهمة الدولة أن تنشئ فرقًا مسرحية.. المطلوب منها أن تقدم تصريحاً لمن يريد أن ينشئ فرقته المسرحية ويعمل في هذا القطاع وسنجد أن المواهب والأفكار تتدفق..

إذا كانت الموسيقى إحدى الفنون الراقية التي تهذب الوجدان، فهي أيضاً جزء من جمال تصدح به الطبيعة التي أبدعها الخالق العظيم. فالطيور المغردة في وكناتها وغدوها ورواحها وحفيف الأشجار وابنثاق أزهار الربيع.. ونسمات الهواء العليل.. وابتهاج الليل بمصابيح السماء.. كلها تطرب النفس وتثير كوامن الحس الرقيق وتعلو بمتذوق هذا الجمال الكوني..

أما الغناء فجيده جيد ورديئه رديء، كما الشعر والفنون الأخرى..

وعبر التاريخ صنعت الأقوام من مختلف الشعوب موسيقاها الخاصة.. فأصبحت جزءًا من تراثها.. ودخلت الموسيقى والغناء في صناعة الترفيه.. إلا أنه لا يمكن اختزاله في الغناء فقط بينما تغيب ملامح كثيرة كان بإمكانها أن تجعل الترفيه ثقافة وترويحاً عن النفس وابتهاجاً بما يتوفر من مقومات، يمكن أن تكون مصدراً لا ينضب لثقافة الترفيه التي تعلو بالإنسان ولا تهبط، ترفع ذاقته ولا ترديها، تحوله لصناعة ومشروعات يفيد منه كثيرون.. ويستمتع به كثيرون.

الترفيه، صناعة وثقافة، وبقدر ما تتعدد عناوينه بقدر ما يمكن أن يخرجه من دائرة ضيقه إلى عوالم مفتوحة لاكتشاف المزيد من مقوماته وحضوره وأهميته، ليس للباحثين عن الترويح عن أنفسهم فقط، وإنما للعاملين في هذا القطاع أيضاً، وفي اكتشاف المواهب وفي تأسيس بنية وثقافة للترفيه.

الترفيه صناعة اجتماعية، وليس بالضرورة أن تكون الدولة بمؤسساتها هي من يتولى هذه الصناعة إنما مهمتها تنظيم مخرجات هذه الصناعة وفتح الآفاق نحو مقاربتها.. وسنرى أن الأفكار لا حدود لها وعناصر الترفيه المنتج لا تسعها كل فعالية قائمة اليوم.

المسرح أبو الفنون، هل ثمة ترفيه أرقى من مسرح يجمع العديد من عناصر الفن.. والمسرح إلى جانب دوره في الترفيه هو ايضاً صانع للثقافة، فهو بيئة تتفاعل فيها القضايا الوطنية والاجتماعية والانسانية في قالب مشوق ممتع. وليس مهمة الدولة ان تنشئ فرقًا مسرحية.. المطلوب منها ان تقدم تصريحاً لمن يريد أن ينشئ فرقته المسرحية ويعمل في هذا القطاع وسنجد ان المواهب والأفكار تتدفق.. وسنرى أن الحياة مسرح كبير تتعدد ملامحه ولكن يجمع كل هذا فن راق ومدرسة تستعاد من براثن التهريج الموسمي باسم الحفلات المسرحية في الأعياد وبعض المناسبات.

أما ما يتوفر لدينا من مقومات الترفيه فهي كثيرة ولكن تحتاج فقط من يعلق الجرس.. أليس من الغريب أن تبنى قرية تراثية في الجنادرية لتفتتح مرة بالعام.. هل يسر أحد هذا التدافع والازدحام والصخب خلال أسبوعين من العام ثم تغيب ملامح هذه القرية لعام مقبل.. أليس هذا التدافع مؤشر على تشوق الناس لرؤية معالم تختفي عن انظارهم طيلة العام ليطلوا عليها بضعة ايام في حالة من الزحام والفوضى والارتباك.

لتكن قرية تراثية تفتح في كل عطلة نهاية الاسبوع، برسم دخول يسير يساهم في صيانة القرية والحفاظ عليها.. وسيكون لها آثار إيجابية جداً، على المشتغلين في الحرف اليدوية والأسر المنتجة، التي تجد مصادر رزق مفتوحة طيلة العام.. كما يجب ان تكون قرية تجمع بين متعة الاطلاع على التراث والطعام الشعبي الذي يمكن تناوله في أماكن مخصصة، والفنون الشعبية التي يمكن أن تشكل لوحة بانورامية تجمع فنون الوطن في جنبات قرية في وسط الصحراء.

الأفكار كثيرة حول صناعة الترفيه، وهو ليس مجرد ترويح ساعة عن النفس وإنما مصدر للرزق والعمل وحقل للترقي وثقافة تجمع بين المتعة والفائدة.

أليس من الغريب أن تمر بالرياض والمنطقة الوسطى شهور من أجمل مواسم السنة في هذه المنطقة، دون أن تنظم رحلات للعائلات والاسر من مواطنين ومقيمين لمناطق قريبة من العاصمة تنشر فيها الرياض الغناء بعد مواسم الأمطار.. مالذي يمنع أن تنظم مثل تلك الرحلات بدلاً من أن يجهد كل رب أسرة في نقل أسرته هنا وهناك في أطراف الصحراء التي قد يعلم البعض عنها القليل وقد لا يعلم..

تنظيم مثل هذه الرحلات ليوم واحد، كفيل بصناعة ترفيه تعتمد على البيئة المحلية، لا تتطلب أكثر من منظم وحافلات جيدة ورسوم معقولة تجمع الأسر في نهاية كل أسبوع.. لصناعة برنامج ترفيه حقيقي يبدأ من التجول في بعض الروضات، وتناول الطعام المجهز سلفاً وزيارة بعض البلدات القديمة التي حاول بعض أبنائها إعادة بناء أجزاء منها.. ولعل أوشيقر القديمة مثالاً يستحق الإشادة.

ويمكن لصناعة الترفيه عبر السياحة الداخلية أن تطال برامج أطول في الصيف، تصل إلى مناطق أخرى كالساحل الشمالي الغربي حيث الطبيعة البكر، أو مناطق الجنوب الخلابة.. وغيرها من المواقع السياحية التي تكثر فيها الآثار وتعدد عناصر الترفيه.. لتجمع صناعة الترفيه بين الثقافة والترويح عن النفس في آن.. وتنمي الحس الجماعي في التعارف والتعاون والمشاركة في رحلات جماعية.

إننا عندما نقدم الترفيه مسرحاً وسياحة وقرية تراثية ومواقع تستحق الزيادة ومرشدين ملمين بتاريخية تلك المواقع وآثارها.. إنما نبني صناعة جديدة.. ترتقي بالمجتمع وتتسم بالقبول وتقوى بالمبادرة.

عبدالله القفاري- الرياض السعودية-