تفاعل الوسط الثقافي والشعبي مع هيئة الترفيه وتواصله معها بشكل سريع يدل على أن النفوس توّاقة لما يرفه عنها ويعبّر عن خلجاتها النفسية في جرعات من المواد الفنية المتمثل بعضها في الغناء، حيث الأغنية تجمع الموسيقى في اللحن والتوزيع، وفي الكلمات الشاعرية المعبرة عن معنى، وفي الأداء الجميل المتأتي من الأداء والصوت الرخيم، تتوغل الأغنية في النفس التي تتفاعل معها لكونها بحاجة إلى ما يساعد الذات على التصور وتمثل الحالة في لحظة السماع التي يسبح فيها الخيال.
كانت البدايات وما تبعها من تجارب وقف فيها فنانونا السعوديون على المسرح في اللؤلؤة، وفي مركز الملك فهد الثقافي، وما تبع ذلك من نشاطات وفعاليات أخرى مسرحية، وتشكيلية، وما صحب ذلك من تكريم لبعض الفنانين الشعبيين، من مغنين، أطربوا المستمعين في سنوات خلت، كان المستمع يعيش في هيام متلقياً الكلمات بترديده مع الفنان في حالة تمازج عجيب يوحي بحب الفن، كما كان يردد المسافرون على الرواحل (السامري والهجيني) قديماً، وما كان يبهج الناس في الأفراح العامة والزواجات، والأعياد، والمناسبات الوطنية والاجتماعية، ولكل حدث ما يناسبه من الأناشيد والأغاني، فليس الفن في الغناء فقط، فالفن يدخل في حياة الناس بوسائل عديدة، المسرح، والرسم، وجميع الرقصات والعرضات التي تصاحبها حركات تعبيرية، تمثل ما ترمي إليه.
الالتفاتة إلى الفن بمختلف ألوانه من الضرورة أن يتضاعف الاهتمام بها فهي بوابة واسعة مستوعبة لكي تضم في ساحتها مختلف الفئات لكونها تتكلم وتعبّر عن كل الفئات، ومن هذا المنطلق أرى أن هذا الحماس الذي يواكب عودة إحياء الفن بعد ركود أريد منه إلغاء ما لا يمكن أن يلغى، فالفن مع الإنسان منذ خلق، ومهما حورب وجوبه بالتجاهل، لا بد أن يبرز بقوة لكون الأمم في العالم تهتم به، وتعمل المستحيل في إعطائه ما يستحق مستقبلةً كل جديد، فهو ينمو مع الإنسان في كل مكان، ولا يعافه إلا من لا يعرف قيمته الجمالية الكامنة فيه التي تضفي على الروح البهجة والسرور.
إن إنشاء كلية تعنى بالفنون جميعها، يقوم عليها خبراء في مجال الفنون من المتخصصين، في الموسيقى والمسرح، والتشكيل، والسينما، يقومون بتدريس الفن على أصوله (هي أمنية أرجو أن تتحقق)، فالعالم عموماً لديه كليات، أو معاهد تعنى بالفنون بشكل كلي من إخراج، وتمثيل، وتوزيع موسيقي، وكتابة السيناريو، وتدريس الآلات الموسيقية، بأنواعها، والرسم، والنحت، وما يضاف إلى ذلك من الفنون الشعبية والتقليدية، التى تمثّل المناطق وتعطي الصور الحقيقية عما يتفاعل في النفوس ويبعث الراحة، ويحفظ السمة للبيئة من التراث التقليدي ويربطه بالحديث الذي ينمو ويضيف، وذلك واضح من أدوات التواصل والتي ربطت الفن المحلي بالعالمي من خلال اجتهادات شخصية يقوم بها أفراد موهوبون.
تدريس الفن بأنواعه هو ما سيكون دعامة قوية لإحياء الفن -أقصد بإحياء- ترسيخه وتوجيهه إلى الطريق السوية التي توصل إلى الساحة العالمية الكبرى جنباً إلى جنب مع الفنون العالمية، فأنواع الفن السعودي ثرية تحتاج إلى كلية مستقلة أو تكون ضمن إحدى الجامعات الكبرى التي تزخر بها المملكة، ففي كل منطقة جامعة تضم كل عام طلبة مستجدين يحدوهم التوق إلى الدراسة ومن ثم العمل بعد التخرج في تخصصات مختلفة.
العناية التي تحظى بها (هيئة الترفيه) جاءت في وقت الحاجة التي لمسها القادة والمسؤولون، وما حرص ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، واهتمامه بواسائل الاقتصاد والترفيه، وارتقائه المتمثل في مشروع المدينة الثقافية الترفيهية والرياضية بالقدية إلا ما يجسّد النظرة المستقبلية المرتكزة على أساسيات رؤية 2030 وهي قوام الحاضر وأمان المستقبل لكيان كبير، أرسى قواعده صقر الجزيرة طيب الله ثراه، والأمة تنعم بكل منجز حضاري يُمكنُ المسيرة من قطع أشواطها الطويلة الموفقة حسب ما رسم لها من مقومات النجاح بإذن الله من قبل الرجال المخلصين.
سعد الحميدين- الرياض السعودية-