من المقاصد الشرعية في الأموال رواجها، بمعنى: دورانها بين أيدي أكثر ما يمكن من الناس بوجه حق، فتيسير دوران المال بين الناس، وإخراجه عن أن يكون قاراً في يد واحدة، أو متنقلاً من واحد إلى واحد مقصد شرعي؛ فهمت الإشارة إليه من قوله تعالى في قسمة الفيء: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) سورة الحشر آية 7
لكن الشريعة قد بلغت مقصدها هذا بوجه صحيح يتوافق مع الفطرة. ولتحقيق هذا الرواج: حثت الشريعة على التجارات بأنواعها، وسهلت المعاملات، وأوجبت أنواعاً من النفقات، وأوضحت المواريث، ولم يجعل لصاحب المال حق في صرفه بعد موته إلا في ثلث ماله أن يوصي به لغير وارث، فتم مقصد التوزيع بحكمة.
ومن وسائل رواج المال بين أفراد الناس: أن أباحت الشريعة أن ينفق الإنسان شيئاً من ماله فيما يُرفّه به عن نفسه وعائلته بوسيلة مباحة، وهو ما سماه بعض علماء الشريعة بـ: "نفقات التحسين والترفه" كما عند الطاهر بن عاشور في كتابه: مقاصد الشريعة الإسلامية.
وقد لاحظ: أن "نفقات التحسين والترفه" هذه؛ تؤدي إلى مصلحتين مهمتين لعموم المجتمع:
المصلحة الأولى: أن هذه النفقات وسيلة عظيمة لانتفاع الشريحتين الوسطى والدنيا في المجتمع من أموال الشريحة العليا، وهذا ما يعني: أن يضطلع القائمون على صناعة الترفيه بملاحظة أن يكون مقدمو الترفيه هم من متوسطي الحال ومحدوديه بما يعني تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
المصلحة الثانية: ظهور مواهب أهل الصنائع والفنون في تقديم نتائج أذواقهم وأناملهم، ولكي تتحقق هذه المصلحة فينبغي: أن تحمى صناعة الترفيه من الاحتكار الذي يؤدي إلى ضعف المنافسة، ومن ثم يؤدي إلى ضعف أداء هذا القطاع، والنتيجة عدم ظهور هذه المواهب التي أشرنا إليها.
د. فهد بن سعد الماجد- الرياض السعودية-