أعلن معالي رئيس هيئة الترفيه عن قرب افتتاح صالات سينما في المملكة، وأضاف إلى هذه البشرى قوله: ومن يتحفظ على دخول هذه القاعات فلا يسمح لنفسه ومن يعول بدخولها. ثم وضح معاليه في تصريح لاحقٍ لوكالة رويتر أن ما ذكره عن افتتاح السينما ينحصر في (أن المملكة ستفتح دور سينما يومًا ما ولن تكون خارج إطار الإجراءات الرسمية التي تعتمدها المملكة في التعامل مع كافة المشاريع ونهجها في تعزيز مسيرتها التنموية).. وهذا منطق مقبول وشرعي، قاله قبله - بالمناسبة - الملك فيصل - رحمه الله - لمن احتج على فتح مدارس لتعليم البنات في المملكة؛ قال -رحمه الله- لهم حينها مباشرة ببساطة وحزم: من يرى عدم جواز تعليم المرأة فلا يسمح لنسائه اللواتي يعول بالالتحاق بمدارس البنات، أما من رأى جوازها، فليس من حق الممانع أن يفرض رأيه عليه، وتم فتح المدارس ومنع البعض بناتهن في البداية، ثم أذعنوا مختارين وليس مجبرين للتنمية والتمدن، وانتهت القضية إلى صفحات التاريخ. والسؤال: طالما أنه جل وعلا قال في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وهي آية صريحة واضحة ومباشرة تقرر (حرية الآخرين) للأفراد من المسلمين في الاختيار، فلا يحق لأحد أن يقرر هذا ضلال وهذا غير ضلال، كما أنها تحصر وصاية الفرد المسلم (فقط) على نفسه، وليس على غيره، إلا إذا كان -طبعا- له على غيره الوصاية الشرعية كالإمام، أو من يفوضه الإمام أو التشريعات والأنظمة التي يصدرها؛ وبالتالي فبأي حق يُفوض البعض أنفسهم (أوصياء) على الآخرين، فيحللون ويحرمون دونما دليل؟.. حتى أن (سد الذرائع) التي يلجؤون إليها، إذا عدموا الدليل فإن من يُقرر سد الذرائع هو الإمام حصرًا، وليس أي أحد، لا عالما ولا فقيها ولا داعية؛ والأمر ينسحب -أيضا- على شعيرة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)؛ كما أن الفقيه الرباني المتبع وليس المبتدع، عليه بالطاعة والخضوع والانصياع لولي الأمر صاحب البيعة وليس لأي أحد آخر، حتى وإن اختلف معه، طالما أن القضية محل خلاف معتبر، وليس فيها نص واضح جلي. بل إن بعض الفقهاء -نجم الدين الطوفي مثلا- ذهبوا إلى أبعد من ذلك في المسائل الحياتية وليس العبادية، وأقروا أن من صلاحيات الإمام منفردا (تقديم المصلحة على النص)، إذا تعارضت مصلحة راجحة، يرى ولي الأمر منفردًا رُجحانها، على النص في المعاملاتلدنيوية، فكيف و(السينما) من مستجدات العصر، لم يعرفها السلف، ولا يوجد سابقة سلفية يمكن القياس عليها في القول بتحريمها.
معالي رئيس هيئة الترفيه يمارس صلاحياته التي أوكلها له خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبالتالي فولاية رئيس هيئة الترفيه هنا، بمثابة ولاية القاضي الشرعي الذي لا تنعقد له ولاية إلا بتعيين الإمام.
وختاماً أقول قولي هذا، مستندا على آليات أصول الفقه، التي اتفق عليها علماء أصول الشريعة في كيفية استنباط الأحكام الشرعية، وتقرير الحلال والحرام؛ أما الفقهاء (الثوريون)، التحريضيون المتمردون، كما هم الحركيون، أو من (تلوثوا) بلوثة الحركات المتأسلمة الثورية المبتدعة، فلست إليهم أكتب هذه الزاوية.
محمد آل الشيخ- الجزيرة السعودية-