قريبا سيطالب المتأسلمون بالترفيه عندما يحسنون توظيفه لمفاهيمهم وأدبياتهم وأهدافهم السلطوية، نعم لا تعجبوا من ذلك فتاريخهم حافل بالرفض للواقع والتقنية والتقدم والعلم، وذلك لأنهم لا يعيشون الحاضر، ويخافون من فقدان أنصارهم، ولا يعرفون بضاعة غير هذه البضاعة التي يزدادون بها ثراء وسلطة؛ لأنهم بها يتحكمون في عقول أتباعهم الذين يبذلون الغالي والرخيص في سبيل إرضائهم.
التاريخ ينطق ويسجل كيف أعاق هؤلاء تقدم الأمة، وحرصوا على إدخالها في سبات عميق، بل أكثر من سبات، لأنه وصل لمرحلة الغيبوبة التي تساوى فيها الليل مع النهار على صاحبها، فلا حراك فكريا ولا تقدم عمليا بل تراجع للوراء وتقهقر وفقر ومرض وجهل؛ لأن في هذه البيئة تروج تجاراتهم.
حاربوا الاختراعات الحديثة من هاتف وسيارة، بل وحتى الدراجة، وأسموها حصان إبليس، وحاربوا مدارس البنات وحاربوا التلفاز وقبله المذياع (الراديو)، وحاربوا الابتعاث فقط لإعاقة المجتمع وقتل الفرحة وإشغال الناس والعباد، ثم عادوا يطالبون بقنوات لهم وإذاعة، ويطالبون بفتح مدارس لبناتهم، ولم نسمع منهم كلمة اعتذار عن أخطائهم بحق المجتمع وبحق الأمة التي اختطفوها وأدخلوها في سرداب الجهل، واستغلوا الأتباع والمناصرين لمحاربة كل تطور، حتى الطب جعلوا له طبا بديلا يستغله الأدعياء للتكسب على حساب صحة الناس، ولم يتوانوا في تحريم بعض الحلال، فحرموا القهوة وعاقبوا شاربها، بل وقتلوا من شرب القهوة قصاصا خلافا لقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين»، واعتمدوا على نسيان وجهل الأتباع، وعلى ما رسموه من هالة تقديس حول أنفسهم.
أتمنى أن يأتي يوم عليهم يعترفون فيه بأخطائهم، فنحن بشر نخطئ ونصيب، ولسنا قديسين كما يحاولون أن يصوروا أنفسهم، وأنهم فوق النقد وأن لحومهم مسمومة فلحوم الناس كلها مسمومة بغض النظر عن جنسهم ولونهم، وقد نهينا في محكم آياته عن التنابز بالألقاب والسخرية، وأمرنا ألا نبخس الناس حقهم، فعليهم أن يراجعوا مفرداتهم، فالكل سواسية كأسنان المشط. الاعتراف هو أول طريق التصحيح، فهل لهؤلاء من تصويب؟ وهل لهؤلاء من مراجعة، أما آن الأوان ليدركوا ما ارتكبوه من ظلم وما تسببوا فيه من ضرر كبير لأمتهم حتى أصبح الحل لديهم هو في قتل المخالف وتكفيره وتجريمه وتغريبه.
سوف يأتي يوم - إذا لم يعودوا إلى رشدهم - يطالبون بنصيبهم في الترفيه ليستخدموه لأهدافهم ونشر مفاهيمهم لجماعاتهم الذين اختطفوا وعيهم وعقولهم ونجحوا في برمجتها فلا ينفكون عن متابعتهم، سيطالبون بالترفيه ليس بهدف الترفيه ولكن بهدف التحكم في عقول التابعين.
العالم شرقه وغربه، شماله وجنوبه، يؤمن بأهمية دور الترفيه وضرورته. فهو محرك للإبداع ومحفز للرقي ودافع للتمدن والحضارة والإنسانية وباعث للأخلاق، ويحتوي على رسائل ضرورية للنشء بأهمية نبذ العنف والإقبال على الحياة والاستزادة من التعليم، وأهمية العمل والإقبال على الحياة والانخراط فيها وتقدير قيمتها وحبها. لأن فاقد الإقبال على الحياة لن يثمن قيمة الحياة ولا العمل ولا الإنتاج ولا قيمة وأهمية أن تلتقي الأسرة على سرور وأنس وفرح في مناسبات ترفيهية.
أسامة يماني- مكة السعودية-