ثقافة » نشاطات

«ملكة الصحراء» .. سينما أمريكية مشتركة تصور فوضى «آل سعود» المنتظرة!

في 2017/07/05

الخليج الجديد-

في أحيان ليست بالقليلة يتوقف المشاهد لأفلام غربية تدعي صلتها بالتاريخ، يتوقف المشاهد المدقق لوقت ليس بالكثير ليكتشف حقيقة العمل الذي بين يديه، مضطرًا لإزاحة المشاهد الرومانسية الكلاسيكية المُتعارف عليها، والموسيقى التصويرية المُبنية على آلات النفخ، مع تداخل مع جزء الأذان بخاصة جملة «أشهد ألا إله إلا الله»، وبعض من الابتهالات الدينية بأصوات تبدو غربية، تُصعب عليك معرفتها، تمامًا أدمن المخرج الألماني والمؤلف لفيلم (Queen of the Desert) أو «ملكة الصحراء» «فرنر هرتزوغ» مناورة المشاهد مفضلًا عدم الكشف عما في جعبته أو بيان حقيقة فيلمه.

أما دس الأذان فهو لمداعبة المخيلة العربية الإسلامية تمامًا مثل مدح البطلة للعرب والمسلمين بخاصة البدو مع إبراز سيء أفعالهم في نفس الوقت، وأما حقيقة الفيلم فهو ما تكشفه هذه القراءة الفنية ..

الفيلم الأمريكي الذي تم تصويره في المغرب عام 2014م، وصدر في العام التالي لم يحاول صناعه نيل موافقة السلطات السعودية أو السورية للتصوير في الأماكن الطبيعية التي جرت أحداثه فيها، وتعالوا عن هذا الأمر، ورغم أن مخرج الفيلم مشهود له بالأعمال الخارقة للمألوف، إلا أنه فيما عدا اللقطات البانورامية للصحراء بمناظرها الخلابة، والموسيقى التصويرية المُواكبة للمَشاهد فشلا في عرض قصة حياة العميلة البريطانية والكاتبة التي يحاول الغرب تقديمها على أنها مستكشفة للصحراء العربية في شبه الجزيرة وسوريا، وإن كانت «مارغريت لوثيان غيرترود»، (أدت دورها الممثلة الإسبانية نيكول كيدمان) وهي بالفعل كانت مستكشفة لكن سياسية من طراز فريد، نجحت في الواقع في تدمير سوريا ولبنان والسعودية والعراق بتفككيها عن الدولة العثمانية وتمزيقها على النحو المعروف اليوم.

تاريخ .. لا تاريخ .. رومانسية ..لا

هناك اتفاق بين عدد من النقاد الغربيين والشرقيين الذين تعرضوا للفيلم على أنه النسخة النسائية من فيلم «لورانس العرب»، والأخير أخرجه «ديفيد لين» عام 1962م من بطولة الراحل الفنان «عمر الشريف»، إلا أنه جاء مليئًا بالأحداث التاريخية في صورة درامية، سواء أتفقنا أم اختلفنا معها، وفيلم هذه الظهيرة ما هو إلا «فسيفساء متناثرة» هنا وهناك لمشاهد سينمائية في الريف الإنجليزي والمغرب وفي صحراء مقاربة للمحيطة بشبه الجزيرة والشام والأهرامات، بلا عمق تاريخي على الإطلاق، أو حتى كشف لأعماق بطلته النفسية ولماذا تركت، وهي خريجة جامعة «أكسفورد» بمرتبة الشرف في دراسة التاريخ، بلدها وعائلتها لتذهب إلى إيران ثم الخليج؟

من جانبه فسر الصحفي «ماثيو أندرسن» في تقريره عن الفيلم في «بي بي سي» الأمر على أن مخرجه فضل الجانب الرومانسي من حياة «مارغريت غيرترود» على السياسي والتاريخي.

المقصود بالجانب الرومانسي هنا هو تفضيل البطلة الذهاب إلى الشرق، وكأنه الحديقة الخلفية لمنزلهم في الريف الإنجليزي، وموافقة أبيها لها وإرسالها إلى طهران في عام 1902م لتعمل برفقة زوج خالتها في السفارة البريطانية، فهو السفير، عملًا غير محدد، ولتبدو بلهاء تقع في غرام محتال سياسي لا يملك إلا لعب الورق والقفز على الخيل «هنري كادوغان» (الممثل الأمريكي جيمس فرانكو)، وبعد قصة حب ساذجة يرفض الأب زواجهما ليقتل «كادوغان» نفسه، وليقع الفيلم في أول فخ تاريخي مُحكم، إذ إنه أعلن انتحار «كادوغان» في سياق أحداث عام 1905م في حين أن تاريخ مغادرته الحياة الحقيقي كان في 2 من يوليو/تموز 1908م.

من المفترض أن «غيرترود»، المصدومة عاطفيًا قررت بمفردها القيام برحلة استكشافية بعد قرابة ثلاثة أرباع الساعة من عمر الفيلم تعتبر زائدة زمنية لا لزوم لها، وكان يمكن استرجاعها عبر «الفلاش باك» أو غيره في ثوان محدودة، وفي الرحلة للأردن تلتقي «توماس إدوارد لورانس» أو «لورانس العرب» أو البريطاني الذي يجتذب السخرية في الفيلم لطفولية ملامحه وتردده (قام بالدور روبرت باتيسن)، ورغم كونه شاذًا جنسيًا إلا أنه يعرض الزواج عليها، لتلتقي بالحبيب الثاني الرائد «تشارلز داوتي-وايلي» أو (الممثل البريطاني ديميان لويس) الذي قُتل في الحرب العالمية الثانية في «حملة غاليبولي»،

وفي خضم الرحيل المتجدد لبطلة الفيلم، ووصولها لمنطقة البترا الأردنية ثم الدروز السورية، وتصوير شيخهم على أنه رجل جذاب محب للشعر والحياة، ثم رحيلها إلى صحراء شبه الجزيرة العربية، ومصاحبتها «فتوح» العربي الذي يرجو الجنة ويُصاحب بريطانية، مثلما يُزور وثيقة لدخول صحراء الأردن عبر دفع الرشوة إلى عامل في مسجد في سلطنة عُمان في استمرار للاستخفاف الغربي بكل ما هو يمثل مظاهر الدين الإسلامي، حتى أن «غيرترود» لما تحب ملاقاة حبيبها الثاني «وايلي» في دمشق في مكان هادئ، يتفقان على الذهاب إلى المسجد!

لا تأصيل لسبب أفعال بطلة الفيلم بل محاولة إنكار طوال الفيلم لأنها جاسوسة أو عميلة، في خطأ تاريخي غير أخير، وهي التي صارت من بعد «سكرتيرة الشرق» لبريطانيا» كما «لورانس العرب»!

الحقيقة التاريخية والفنية

أما في الفيلم فقد تنبأت البطلة بانتصار العرب على الغرب وكذلك قال «لورانس، كما أنها لقيت «فيصل» وأخاه «عبد الله»، من شيوخ العائلة الهاشمية لتنصبهما حاكمين للعراق وما يُعرف بالأردن وليسمياها بأم المؤمنين (!) ، إذ إنها كانت كما في مشهد الفيلم الافتتاحي أداة لتنفيذ الاحتلال بنود اتفاقية «سايكس بيكو»، وكان المشهد هو الوحيد الذي فضح حقيقتها.

 أما بقية الحقيقة التاريخية فهي أن «غيرترود» أتت للمنطقة العربية وهي على وشك التقسيم بأوامر دولتها ثم بإيعاز من المكتب البريطاني في القاهرة لكي تندس بين القبائل العربية وتعرف أسرارها، ولتدخل عالم الأمير «بن رشيد» ولتعرف حقيقة موته، وتوعز للبريطانيين بتنصيب «بن سعود»، و(هي التي كانت تتحدث عدة لغات بطلاقة كالفارسية والعربية والفرنسية والألمانية لدرجة أنها ترجمت ديوان الشاعر «حافظ الشيرازي» وكانت ترجمة ممتازة عن الأصل الفارسي، مع مقدمة عن حياته وأعماله. بالإضافة إلى أنهاكانت  عالمة موهوبة، ألفت بعض أفضل الكتب في أدب الرحلات ورسم الخرائط والإثنوغرافيا، وهو علم يتناول الدراسة الوصفية لطريقة وأسلوب الحياة لشعب أو مجتمع ما. ولا يبدو أمراً مستغرباً أن توظف الإدارة الاستعمارية البريطانية شخصية موهوبة مثلها. وقد سارعت للتعرف على المجتمعات العربية والكردية والدرزية والشيعية في المنطقة، وتم الأخذ بنصيحتها بالثقة بالسنة العرب بعين الاعتبار أثناء تشكيل الشرق الأوسط الجديد باعتباره امتداداً للانتداب البريطاني». بحسب «علي مورات يل»، أستاذ الأنثروبولوجيا في قسم الراديو والتلفاز والسينما لدى «جامعة مرمرة» في تركيا في «ديلي صباح»،

لماذا الفيلم الآن؟

تقريبًا نحن لسنا أمام عمل سينمائي مترابط بل إن فيلمًا كالوثائقي: «رسائل من بغداد» لـ«زيفا أولبايوم» و«سابين كراينبول» الذي أُنتج عام 2014م أفضل منه، فلماذا الإنتاج الأمريكي المشترك مع ممثلين بريطانيين وفنانة إسترالية شهيرة تخطو نحو الخمسين (نيكول كيدمان مواليد 1967م) وتصويرها في الفيلم على أنها مراهقة لم تزل؟ ولماذا المخرج الألماني وملايين الدولارات في الإنتاج وقرابة عام من انتظار صدور الفيلم؟

تناول الحدث التاريخي والانفاق عليه سينمائيًا لدى دارسي الفن السابع يعني أهمية خاصة لدى صناع الفيلم للفترة التي يتناولونها، سواء بالسلب أو الإيجاب، كالتركيز على كُره فترة مظلمة، أواهتمام أكثر بحدث قادم يُمهدُ الفيلم له نفسيًا، كما في حالتنا، ويهيأ المُتلقي لتقبله وتفهمه، وإذا كانت درة أفعال «غيرترود» صنيعة التفكك البريطاني وإعلان دولة جديدة في العرق وملكًا لـ«ابن سعود»، فقد سقطت بغداد في يد «حزب البعث» ثم أمريكا من بعده، وهو ما يؤكده الفيلم فيما يخص «آل سعود».