حسن مدن-الخليج – الشارقة-
الثقافة تختزن طاقات خلاقة كبيرة ليست بحاجة لمن يكتشفها فحسب وإنما ليوظفها أيضا.
الجغرافيا حكمت العلاقة الثقافية بين مناطق مختلفة مما أدى لنشوء ثنائية «المركز» و«الأطراف».
ما يعتبر طرفا قد يكون ملهماً وباعثاً ومبهراً فقد صاغت ذلك رحلات المغاربة لأقاليم مجهولة من الشرق العربي.
الثقافات الوطنية التي كوّنتها سياسات راهنة تؤدي لعزلة العامل الثقافي أو تأجيله وترهن اشتغاله بمصالح سياسية طارئة.
استقرار ثقافة النماذج الثقافية الراهنة المقترنة بالحدود السياسية العربية يفرز آلة انقسام ويفعلها أو يؤجل اشتغالها حينا من الزمن.
قبل قرون من الآن لم يكن هناك من سبيل لأهل المغرب العربي للوصول إلى الخليج العربي دون عبور قلب المشرق أي مصر وبلاد الشام وإلى حدٍ ما، العراق أيضاً والعكس صحيح أيضاً بالنسبة لأهل الخليج لو أرادوا بلوغ المغرب العربي.
الجغرافيا حكمت إلى حدود بعيدة طبيعة العلاقة الثقافية بين المناطق المختلفة، وهذا ما أدى إلى نشوء الثنائية الشهيرة بين ما يعرف بـ«المركز» و«الأطراف»!
وهي ثنائية كانت وربما لا تزال مثيرة للجدل بين شكوى من يقعون في «الأطراف» من تجاهل وشعور بعض من هم في «المركز» بأن الغنى الثقافي والإبداعي يتركز في هذا المركز.
كان للبعد الجغرافي بين الخليج العربي والمغرب العربي أثره بطبيعة الحال في المجال الثقافي، كما كان للسيطرة الأجنبية الطويلة على الإقليميين المغاربي والخليجي، والطبيعة «الثقافية» إن جاز القول لهذه الهيمنة أثرها.
فقد خضع المغرب العربي لفرنسا، والخليج العربي خضع لبريطانيا، ما نجم عنه اختلاف في صورة المثاقفة مع الآخر.
بحث الناقد والأكاديمي الدكتور إبراهيم عبدالله غلوم في كتابه «الثقافة وإنتاج الديمقراطية» موضوع المثاقفة بين هاتين المنطقتين، ملاحظاً «أن ما يعتبر هامشاً أو طرفاً يمكن أن يكون ملهماً وباعثاً ومبهراً. لقد صاغت ذلك رحلات العلماء المغاربة واستطلاعاتهم لأماكن وأقاليم مجهولة من الشرق العربي».
وبرأي الباحث، فإن أكثر محاذير الواقع الذي تصل إليه نماذج الثقافات الوطنية التي كوّنتها السياسات الراهنة تتصل بعزلة العامل الثقافي أو تأجيله وترهين اشتغاله وفق المصالح السياسية الطارئة غالباً.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن استقرار ثقافة النماذج الثقافية الراهنة (الثقافة المقترنة بالحدود السياسية للدول العربية) يفرز آلة الانقسام ويحث عليها، أو يؤجل اشتغالها إلى حين من الزمن.
الخلاصة التي يصل إليها الدكتور غلوم إذا كنا نريد انتزاع تلك المخاوف تتلخص في ضرورة أن نضع الحساب الأول للعمل الثقافي المشترك بين البلاد العربية.
وإن كانت بدايات تأسيس كيان الدول العربية الحديثة قد أهملت تماماً اعتبارات العامل الثقافي لارتباطها بحراك السكان والقبائل والجماعات وهجراتها وتمفصلاتها وسط ظروف التخلف وهيمنة النفوذ الأجنبي، فإن أي نموذج للسياسة العربية لا يمكن له التحرك خطوة واحدة في خضم الصراع السياسي والمصالح الاقتصادية دون استثمار العامل الثقافي والحضاري المشترك بين الدول العربية.
في الثقافة تكمن طاقات خلاقة كبيرة، وهي ليست بحاجة لمن يكتشفها فحسب؛ وإنما ليوظفها في هذا السياق.