طه العاني - الخليج أونلاين-
تواصل المملكة السعودية عملية توطين الوظائف التي طبَّقتها على مدار السنوات الأخيرة، لتطال آلاف الوظائف في عشرات القطاعات الاقتصادية المتنوعة.
وتهدف المملكة من خلال مشروع "التوطين"، إلى رفع نسبة مشاركة السعوديين والسعوديات في القطاع الخاص، وتقليص نسبة البطالة إلى أدنى مستوياتها.
توطين الترفيه
ويأتي قرار السعودية توطين المدن الترفيهية المستقلة بذاتها والموسمية ومراكز الترفيه العائلي، والمدن الترفيهية ليمثل محطة جديدة في مسيرة "سعودة" الوظائف في المملكة.
وأصدر وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية أحمد الراجحي، الخميس 31 مارس 2022، قراراً بتوطين قطاع الترفيه العائلي بنسبة 70%، وكذلك المدن الترفيهية داخل المجمعات التجارية المغلقة بما نسبته 100% ابتداءً من 23 سبتمبر القادم.
وبحسب صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، فإن القرار يأتي حرصاً من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية على توفير فرص عمل محفزة ومنتجة، للمواطنين والمواطنات في مختلف مناطق المملكة، ورفع مستوى مشاركتهم في سوق العمل، وتعزيز مساهمتهم في المنظومة الاقتصادية.
وتتمثل أبرز المهن المستهدفة من القرار في مدير فرع وقسم، ومشرف قسم، ومساعد مدير فرع، ومشرف صناديق المحاسبة وغيرها، وقد استثني عدد من المهن وهي: عامل النظافة والشحن والتفريغ، ومشغلو الألعاب النوعية التي تتطلب مشغلين بكفاءات وشهادات صحية.
وقال أحمد الراجحي، وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، إن الجهود تتكامل مع الشركاء في الهيئة العامة للترفيه لإصدار قرار بتوطين عدد من الأنشطة والمهن في القطاع، والذي يهدف إلى توفير مزيد من الفرص الوظيفية لأبناء وبنات الوطن وتعزيز مساهمتهم في الاقتصاد الوطني.
ويشير الاقتصادي الكويتي عبد الغفور حاجيه، في حديث لـ"الخليج أونلاين"، إلى بداية قصة التوطين التي حدثت بشكل غير متوقع؛ فبعد اكتشاف الإنجليز للنفط في شبه الجزيرة العربية، ثم البت في استخراجه بالتنسيق مع شركات النفط الدولية، ازداد بعدها دخل دول شبه الجزيرة العربية الناشئة، ومن ثم أدت تلك الزيادة إلى استقطاب العمالة الماهرة وشبه الماهرة من مختلف الدول.
ويكمل "حاجيه" بأن هذه الهجرة إلى أسواق العمل الخليجية إبان ازدياد عائدات النفط، أدت إلى حقن العمالة الأجنبية في المهن الحرفية من جانب، والمهن التي تحتاجها الدولة كالتعليم والتطبيب والتخطيط وخلافه من جانب آخر، إضافة إلى ذلك، كرم القطاع العام حفَّز المواطنين على التخلي عن حرفهم اليدوية والتوجه إلى القطاع العام.
ويبين أن تلك التغيرات ترتبط بشكل ملاحظ بالتغير في الناتج المحلي، الذي يرتبط، بذاته بأسعار النفط. كما أن هناك مؤشراً آخر اجتماعياً، وهو أسماء العوائل الخليجية التي إما ترتبط في أصولها أو مهنها.
ويردف بأن هجرة هؤلاء العمال، دون دمجهم بالمجتمع، عبر سياسات تجنيس ممنهجة، أدت إلى ظهور عمالة عابرة لا تستثمر في البلاد القاطنة بها، واتكال المواطنين عليهم في المهن الحرفية والمهام المنزلية، ثم في أواخر التسعينيات بدأت الحكومات الخليجية بالنظر إلى مشكلة التركيبة السكانية واختلال سوق العمل بشكل جدي، ومن ثم ظهرت سياسات التوطين، وتحفيز المواطنين على الانخراط بالقطاع الخاص عبر تسهيلات لهم، ولكن دون نجاح يُذكر إلا في قطاع العمل المصرفي والتأمين والاستثمار، وبعض جوانب سلسلة إمدادات النفط.
وينهي "حاجيه" حديثه لـ"الخليج أونلاين"، بالقول إن "الترند" القادم هو انخراط المواطنين في المهن الحرفية؛ نظراً إلى خروج عدد كبير من العمالة الأجنبية بسبب جائحة كورونا، وهو أمر إيجابي جداً، متمنياً أن تظهر سياسات عامة حقيقية في الدول الخليجية لتحفيز المواطنين على المهن الحرفية.
تخفيف البطالة
ونما قطاع الترفيه بشكل كبير جداً، خلال السنوات القليلة الماضية، في السعودية، بالتزامن مع انفتاح على الثقافة والفنون، بينما يعد موسم الرياض الترفيهي الذي اختتم فعالياته التي استمرت نحو 5 أشهر، أكبر حدث ترفيهي في المملكة مع وصول زواره إلى نحو 15 مليون زائر.
وتعوّل السعودية على خطواتها المتلاحقة بتوطين وظائف القطاع الخاص، في خفض نسبة البطالة بين شبانها وشاباتها على وجه الخصوص، في وقت وضعت فيه البلاد هدفاً بالوصول إلى نسبة بطالة تبلغ 7%، في عام 2030، من نحو 13% عند البدء بتلك الخطة، في عام 2016، ونجحت في خفضها بشكل كبير حتى الآن، حيث وصلت إلى 11%، وفق إحصاءات رسمية.
وتلفت إلى أن قرارات التوطين المتلاحقة، خلال السنوات الماضية، تتزامن مع تغيّر النظرة الدونية لكثير من أبناء أكبر بلد مُصدّر للنفط في العالم تجاه بعض المهن، التي كانوا ينفرون منها في الماضي، ويشغلها الأجانب الذين يقارب عددهم 13 مليون نسمة.
وألغت السعودية وظائف كان يشغلها الوافدون الأجانب في السابق؛ لكبح البطالة، وفتحت المجال أمام عمل المرأة بشكل أكبر عن العقود الماضية.
صناع السعادة
وأطلقت الهيئة العامة للترفيه، في سبتمبر الماضي، مبادرة "صنّاع السعادة" التي تهدف إلى تأهيل وتدريب الكوادر البشرية المتخصصة في قطاع الترفيه، وتمكين الكفاءات السعودية من شغل الوظائف التخصصية بالقطاع، وذلك في إطار استراتيجيتها التي تركّز على تطوير وتأهيل الكوادر المحلية.
ويؤكد بيان الهيئة أنها عملت على تقديم برامج تدريبية وتأهيلية وتعليمية مختلفة، لتعزيز استدامة صناعة القطاع الترفيهي في المملكة، من خلال كوادر وطنية متخصصة في تنظيم وإدارة الفعاليات والأنشطة الترفيهية بجميع اختصاصاتها الهامة لتفعيل القطاع.
وتدعم المبادرة أكثر من 100 ألف شاب وشابة من أبناء وبنات السعودية للانخراط في العمل بقطاع الترفيه في المملكة، مؤهلين بعديد من الدورات التدريبية والدبلومات التخصصية المتنوعة التي تشكّل أهمية قصوى في قطاع الترفيه.
وتشمل برامج التدريب إدارة الحشود، وإدارة المراكز الترفيهية والصيانة والسلامة العامة في مراكز الترفيه، إضافة إلى تنظيم الفعاليات وتسويقها، إلى جانب برامج الزمالة التي من شأنها نقل المعرفة.
ويتضمن برنامج الابتعاث الذي بدأت مرحلته الأولى بالتعاون مع شركة "القدية"، ابتعاث 60 طالباً وطالبة إلى جامعة سنترال فلوريدا، وانتهاءً ببرنامج قادة الترفيه الذي سيؤهل مجموعة من القيادات التنفيذية في القطاع بالتعاون مع أفضل الجامعات المتخصصة في التطوير القيادي والشركات العالمية الرائدة في قطاع الترفيه.