محمود جبار - الخليج أونلاين-
منذ نحو أسبوعين يواصل الفيلم الهندي "حياة الماعز" إثارة الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي العربية، لا سيما الخليجية وتحديداً السعودية، بسبب تصويره السلبي للكفيل السعودي.
الفيلم يتناول قضية استغلال العمالة الوافدة بشكل لا إنساني، مع تركيز خاص على العلاقة بين الكفيل والعمال الأجانب في السعودية.
وعلى الرغم من أن المجتمع السعودي والخليجي عموماً، لا ينكر وجود هذا الاستغلال، ويؤكد أنها حالات فردية، فإن القائمين على الفيلم تمادوا كثيراً في تفاصيل معينة أعطت انطباعاً بأن الحالة الفردية عامة داخل المجتمع السعودي.
محتوى الفيلم عدّه الجمهور السعودي مهيناً، حيث شعروا بأنه يقدم صورة نمطية سلبية ومبالغاً فيها عن مجتمعهم؛ وهو ما أدى إلى استياء سعودي واسع بدا على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
معلومات عن الفيلم
يستند الفيلم إلى الرواية التي تحمل الاسم ذاته "حياة الماعز"، صدرت عام 2008.
يتحدث الفيلم عن قصة حياة نجيب العامل الهندي الذي جاء للعمل بالسعودية مطلع تسعينيات القرن الماضي.
يتعرض نجيب للخطف ويجبر على العمل في رعاية الماشية وسط الصحراء، ويتعرض لمعاملة قاسية.
يتمكن من الهرب برفقة صاحبه حكيم وشخص من أصول أفريقية يُدعى إبراهيم.
يصادفون مواقف صعبة فيموت حكيم وينجح نجيب في الوصول إلى المدينة.
تأخذ السلطات نجيب، وبعد قضاء ثلاثة أشهر في السجن، يرحّل إلى الهند.
الردود العديدة التي نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بينت المنفعة الكبيرة التي جناها الوافدون في دول الخليج لا سيما السعودية، التي تضم ملايين الهنود الذين يعملون في مجالات مختلفة.
نجاح الفيلم
أبرز الأسباب التي أسهمت في أن يحوز الفيلم هذا الاهتمام الكبير كان قوة عناصره، المتمثلة بالقصة والسيناريو والإخراج والتمثيل والتصوير والموسيقى التصويرية.
تلك المقومات نجحت في شدّ الجمهور مع أحداث الفيلم الطويل دون شعور بالملل، وهي الغاية التي يعمل عليها من يريد إنجاح العمل الفني وإيصال الرسائل من خلاله.
ويبدو أن الرسائل قد وصلت، حسبما يشير الكاتب حسن الشمراني في مقال بصحيفة "منبر نيوز" حمل عنوان "ماعز الإعلام الموجه".
يقول الشمراني إن فيلم "حياة الماعز" يأتي ضمن "سلسلة من الحملات الإعلامية التي تُمارَس ضد المملكة من قبل بعض الدول والقنوات الإعلامية الموجهة".
الهدف من هذه الحملات هو "خلق صور ذهنية مشوهة للمجتمع السعودي وإبرازه كمجتمع همجي وظالم ومستبد".
فيلم هندي
الكاتب عبد الله بن بخيت اعتبر في مقال بصحيفة "عكاظ" حمل عنوان "فيلم الماعز.. حياة الخرفان البشرية"، أن الفيلم يمثل ما عُرف عن مواصفات الفيلم الهندي المبالغ في أحداثه.
يقول بن بخيت: "نحن أمام فيلم سينمائي هندي بكل المعايير التي نعرفها عن المنتجات الهندية. عندما نشاهد في حياتنا تصرفاً غير معقول ولا يمتُّ إلى الواقع بِصلة، نقول: هذا فيلم هندي. كلمة (فيلم هندي) تعني خزعبلات وخارج المعقول".
في الشأن ذاته يقول الكاتب منصور الضبعان، في مقال بصحيفة "الوطن" حمل عنوان "حياة الماعز والكفيل السعودي"، إن "المبالغة ركن في الدراما، ولكن ليس على نحو من الظلم، والتجني، والميكافيلية، والمادية! لا سيما أن حياة الماعز جاء متأخراً جداً في معالجة ملف (الكفيل)، الذي أغلقته صرامة القانون السعودي منذ عقدين".
غايات ونوايا
كثيرون تساءلوا عن غايات ونوايا إنتاج مثل هذا الفيلم الذي يحمل إساءة إلى دولة كبيرة مثل السعودية، التي باتت لها أهمية على مستوى العالم، في حين أن العلاقات بين المملكة والهند وثيقة.
تحت عنوان "وفاة الماعز.. والفيلم الهندي"، يتطرق الكاتب أحمد الجميعة إلى النوايا من وراء الفيلم، مستدلاً بما جاء في عبارته الافتتاحية "هذا الفيلم لا يحمل إساءة لأي دولة، أو شعب، أو مجتمع، أو عرق".
ويقول إن هذه العبارة "كافية لفحص النوايا، والحكم عليها في محاولة التشويه لصورة المجتمع العربي قبل الخليجي أو السعودي".
"الجميعة" أبرز الإقبال الكبير للهنود على العمل بالسعودية، واستدل بأن ذلك يؤكد المعاملة الجيدة التي يتلقاها الوافدون بالمملكة، مبيناً أن "أكثر من تسعة ملايين وافد يعملون في المملكة، من بينهم نحو مليوني عامل هندي".
ويضيف: "تضاعف عدد العمالة الهندية من 600 ألف، من لحظة هروب العامل الهندي من الصحراء كما يرويها الفيلم في عام 1991، إلى أكثر من 300%".
في إطار الغايات والنوايا أيضاً، تقول الكاتبة سوسن الشاعر في مقال بصحيفة "الوطن" البحرينية، حمل عنوان "الحملات الإعلامية ما عادت شرسة": "أصبح معلوماً للجميع أن تلك الحملات أداة ضغط سياسي تخرج (الأسرار) من مكامنها".
وتضيف: "فكلما أرادوا موافقة دولة ما على أمر ما، فإن رفضت تلك الدولة أن تنصاع أو وضعت شروطاً وفقاً لمصالحها أخرجوا ما يظنونه سراً أو فبركوا أو ضخموا ما في جعبتهم، وسلطوه على تلك الدولة كي ترضخ لهم".
الردّ المناسب
على الرغم من الإمكانات الكبيرة التي تملكها السعودية ودول الخليج، للردّ بأعمال فنية إبداعية؛ تكون قوة ردع للأعمال المسيئة إلى المجتمع السعودي والخليجي بشكل عام، فإن دول الخليج لا تتخذ مثل هذه الخطوات.
ذلك ما أشار إليه كثيرون، ومن بينهم د.طارق الأحمدي، الذي أشار في مقال بعنوان "حياة الماعز" بصحيفة "صدى الإلكترونية" السعودية، إلى أن "هذه الأعمال وغيرها تلفت نظر من يهمه الأمر الى أهمية ما يسمى القوة الناعمة، التي من أهم أدواتها الأعمال السينمائية ونحوها".
يضيف الأحمدي: "نحن اليوم ندفع ثمن عدم الاهتمام بالسينما"، داعياً الجهات ذات الصلة بالعمل الإعلامي إلى "دعم الكتّاب لطرح قصص النجاح وبكل اللغات".
في الإطار ذاته تحدث الكاتب القطري عبد الله العمادي، في مقال بعنوان "ما المزعج في حياة الماعز؟!"، نشرته صحيفة "الشرق" القطرية، يقول فيه: "بما أن الفيلم يريد إظهار مسألة الظلم، يجب النظر إلى ما تعانيه دولة الهند".
ويضيف: "لو دققنا النظر في الواقع نحو ما يجري في الهند نفسها من اعتداءات الهندوس الممنهجة والمستمرة على المسلمين، فربما احتجنا مئات الأفلام وآلاف الروايات للحديث عنها".
ويتساءل العمادي: "أين الإنتاج الفني الإعلامي العربي المسلم الذي يكشف الحقائق دون مبالغات أو إساءات (...)؟ لماذا لا تنشط المؤسسات الفنية والإعلامية في إنتاج دراما فنية هادفة تخدم قضايا الأمة؟".
لكن الكاتب العُماني مسعود الحمداني، يذهب إلى مكان آخر للحديث عن الفيلم عبر مقال بصحيفة "عُمان" حمل عنوان "حياة الماعز وضجيج الرغاء"، حيث يقول: "لا أعتقد أن شخصية العمالة الوافدة بشكل عام في الخليج هي بتلك الصورة المسالمة البريئة التي أظهرها العمل".
ويزيد قائلاً: "هناك أيضاً حكايات سمعناها، وقرأنا عنها، وقعت في دول الخليج لجرائم تقشعر منها الأبدان، أبطالها وافدون".
القصة محرفة
عند العودة إلى القصة التي تناولها الفيلم نجد أنها لم تكن قريبة من الواقع بشكل تام، وتناولت فقط الجانب السلبي، دون التطرق إلى جانبها الإيجابي، خاصةً أن هذه القصة مشهورة بين السعوديين منذ سنوات.
خلال مداخلة مع برنامج "ديوان الملا"، أكد الراوي عبد الرحمن الدعيلج، أن قصة الرجل الهندي الحقيقية معروفة، لكن قصة الفيلم الهندي "حياة الماعز" محرفة.
يقول الدعيلج إن هذه القصة رواها في برنامج الأجاويد قبل 3 سنوات، لافتاً إلى أن فيلم حياة الماعز يطابق القصة الحقيقية بنسبة 30 أو 40%.
القصة -بحسب الدعيلج- معروفة في حفر الباطن وحدثت قبل 30 عاماً، حين أخذ الرجل الوافدَ الهندي وذهب به إلى الصحراء عنوة وجلس الوافد 5 سنوات، ورفض إعطاء الوافد راتبه أو العودة لبلاده.
نتيجة ذلك حدثت مشادة بينهما، فقتل الهندي الرجل ثم هرب، وألقت الشرطة القبض عليه وسجن لمدة 5 سنوات.
وبحسب الدعيلج، حكم على الهندي بالقصاص، ومحافظ وأعيان البلد ورجال الدين جمعوا 170 ألف ريال في ذلك الوقت، وذهبوا لأبناء القتيل وقالوا لهم إن والدهم أخطأ في حق الهندي، وطلبوا منهم العفو وقبول الدية، فعفا الأبناء عن الهندي، وأعطوه مبلغ 170 ألف ريال عوضاً عن السنوات العشر العجاف التي مر بها.
وأكد الدعيلج أن الهندي لم يكن مسلماً في ذلك الوقت، وحين رأى هذا الموقف وعلم بأن هذا ما يدعو إليه الدين الإسلامي قرر الدخول في الإسلام وسافر إلى الهند.