عاطف الغمري- الخليج الاماراتية-
عندما انتشرت بصورة وبائية، الجماعات والمنظمات التي تتبنى العنف وتمارسه، تحت أسماء متنوعة آخر حلقاتها اسم «داعش»، فهي قد رفعت شعارات لأهدافها، أبرزها تغيير الأنظمة، وهدم الدولة وطمس هويتها الوطنية، والحرب على جميع الدول العربية من دون استثناء.
وكثيراً ما أطلت علينا وثائق من قوى كبرى، وخاصة من الولايات المتحدة، تكشف عن التطابق التام بين نفس الفكر المتطرف لهذه المنظمات، ومبادئ أساسية واردة في استراتيجية السياسة الخارجية، وأهدافها، ووسائل عملها في الدول العربية. ويظهر لنا هذا التطابق بين توجهات المنظمات الإرهابية، و توجهات سياسية أمريكية، تواجداً فعلياً للاستراتيجية «الإسرائيلية»، وأهدافها داخل هذا الإطار الواحد.
وقد كشفت عن ذلك جماعة المحافظين الجدد، التي كانت قد بلورت هذا التطابق في سياساتها، أثناء وجودها في الحكم مع جورج بوش، منذ عام 2001، إلا أن دورها لا يزال مستمراً وبالتحديد فيما يتعلق بالشرق الأوسط، وبالإرهاب، وهو ما كان خبراء أمريكيون قد تحدثوا عنه بقولهم إن خبراء ممن أداروا هذا الملف أيام بوش، قد استعان بهم أوباما، واستمروا في العمل معه، يطبقون نفس سياسات إدارة بوش في هذين الملفين.
يظهر التطابق حرفياً، ومعلناً في عهد جورج بوش، وقبيل غزو العراق مباشرة، حين طالبت المجموعة التي تقود سياسته الخارجية والعسكرية، بألا تقتصر حرب العراق، على العراق وحده، بل أن تكون حرباً شاملة Total Warضد جميع الدول العربية. ولا يخفى على أحد أن ذلك نفسه هو توجه «داعش»، التي أعلنت الحرب على الجميع من دون استثناء.
هذه الدعوة جاءت في لقاء عقده المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي في الولايات المتحدة Jimsa، وهو معهد أمريكي، كانت مجموعة من السياسيين البارزين الذين تنتمي غالبيتهم إلى جماعة المحافظين الجدد، في الحزب الجمهوري - قد أسسته عام 1976، في أعقاب الضربة العاتية التي أصابت «إسرائيل» في حرب 1973، باعترافهم.
صحف أمريكية نشرت تقارير عن هذا الاجتماع، من بينها مجلة «ذا نيشن» (الأمة)، التي نشرت تفصيلات ما جرى في الاجتماع، الذي طرحت فيه الدعوة للحرب الشاملة ضد العرب، وتحدث المجتمعون مبكراً عن مشروع تغيير الأنظمة العربية Regim Change، وبصفة خاصة في العراق، وسوريا، والسعودية، وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، واعتبروا ذلك مطلباً ملحاً وعاجلاً.
وتبع ذلك ما تسرب إلى الصحف الأمريكية الكبرى، عن اجتماع في وزارة الدفاع برئاسة ريتشارد بيرل، رئيس المجلس الدفاعي بالبنتاغون وطرح في الاجتماع ما سمي بمشروع الاستراتيجية العالمية للشرق الأوسط. وقيل على لسان المشاركين فيه، إننا يجب أن نبدأ بالتركيز على العراق، كمحور تكتيكي، وبعدها السعودية كمحور استراتيجي، ثم التركيز على مصر باعتبارها الجائزة الكبرى.
والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، له دور واضح، باعتباره قوة ضاغطة على صانع القرار في الولايات المتحدة، وكان الهدف من إنشائه من البداية، خلق حالة من الاقتناع لدى الرأي العام، بأن الأمن القومي لكل من «إسرائيل»، والولايات المتحدة، هما شيء واحد، ولا انفصال بينهما، وعملوا على استخدام العناصر البشرية المتعاطفة معهم في مختلف القطاعات الأمريكية، لنشر هذا الفكر.
ومن أبرز مؤسسيه ديك تشيني الذي كان نائباً للرئيس بوش، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع وقتئذ، وجان بولتون سفيرهم في الأمم المتحدة، وجيمس وولسي المدير الأسبق للمخابرات المركزية.
هؤلاء يوصفون في قواميس المصطلحات السياسية الأمريكية، بأنهم صهاينة فكراً وتوجهاً، حتى ولو لم يكونوا كلهم من اليهود. وكان لهم مبدأ أساسي يقول أن السبيل الوحيد لضمان سلامة ورخاء الولايات المتحدة و«إسرائيل»، هو الهيمنة في الشرق الأوسط، عن طريق القوة، والعمل السري، واستخدام عملاء محليين، من الجماعات المناهضة للأنظمة القائمة.
ربما تكون هناك اختلافات في الرؤية السياسية للرؤساء في الولايات المتحدة، وقد تختلف الخطوط العريضة للسياسة الخارجية، من رئيس لآخر، وبالتالي تختلف وسائل الوصول للهدف. لكن ذلك لا يعني خلافاً حول الهدف نفسه، فمثلاً - لاحظنا وجود خلافات بين رئيس يدعو للهيمنة والسيادة المطلقة، وفرض الإرادة الأمريكية ولو بالقوة. وهو ما كانت تعبر عنه استراتيجية السياسة الخارجية لبوش الابن، والمعلنة عام 2002، بينما هناك رؤساء مثل بوش الأب وكلينتون، يرفضان فرض هذه الأهداف بالقوة. لكنهما مقتنعان بالهيمنة، والسيادة النسبية، من خلال وسائل أخرى، تتم بالتفاهم مع دول المنطقة، وبإغراءات العلاقة المتبادلة والمصالح المشتركة.
يبقى في النهاية في صميم الفكر السياسي الأمريكي، واستراتيجية السياسة الخارجية، فكرة الهيمنة التي ازداد التركيز في عهد أوباما، على وسائل فرضها عن طريق العنف، من خلال استخدام العملاء والوكلاء المحليين. وقد وجدت إدارة أوباما ضالتها في جماعات التطرف والإرهاب، على اختلاف مسمياتها، وآخرها «داعش»، المخترقة جميعها من مخابرات قوى خارجية، ولهذا كان هذا التطابق الكلي بين أهداف الاثنين.