الطليعة – الخليج الجديد-
في الوقت الذي اختتم فيه معرض الكويت الدولي للكتاب دورته الأربعين، تتوارد أسئلة مكررة متجددة: إلى متى يستمر نهج منع الكتب ونتاج العقول ومَن المسؤول عن جعل الرقابة تحكم قبضتها غير المبررة واللامنطقية في عصر الفضاءات المفتوحة؟ وكيف تسمح أجهزة الدولة ووزاراتها المختصة بتحكم ثلة من أعضاء الرقابة في آلاف الكتب الفكرية والإبداعية والثقافية واتخاذ قرار بمنعها من دخول البلاد؟.
أسئلة كثيرة تفرض نفسها في ختام معرض الكتاب، الذي ينتظره بلهفة محبو الفكرة وعشاق الأدب والثقافة والعلوم، وهواة القراءة.. وفي الوقت الذي كان يفترض فيه التخطيط لتحويل هذه الفعالية السنوية المهمة إلى عرس ثقافي وفكري، ازداد الوضع سوءا، بتفريغ معرض الكتاب من محتواه، حيث منعت مئات العناوين الفكرية والثقافية المهمة، كما أقيمت أنشطة وفعاليات روتينية، ولم تحظَ بحضور سوى جمهور محدود.
واشتكى مثقفون ومبدعون من ظاهرة حجب الكتب، التي كانوا يأملون بالعثور عليها في معرض الكتاب، لكنهم فوجئوا بأنها ممنوعة بجرة قلم من الرقيب.
الشاعر «عبدالله صبري»، قال: «يفترض أن يكون التعاطي مع القضايا الثقافية بطريقة أفضل مما يحدث، فالكويت كانت منارة للفكر والإشعاع الثقافي، ولا تستحق هذه الرقابة العمياء على الفكر ونتاج العقول»، مشيرا إلى أنه من مرتادي معرض الكتاب كل عام، وينتظره بشوق، لكن للأسف كل دورة تسوء عن سابقتها.
وانتقد «صبري» منع الكثير من الكتب التراثية والحديثة، رغم أنها موجودة في مكتبات دول مجاورة، كالسعودية والإمارات، مشددا على أن الوقت حان للخروج من قبضة الرقابة، وتنقية مناخ الكويت الثقافي من سياسة القمع والمصادرة.
أما الناشر «هيثم البدوي»، فأكد أنه يعرض كتبه في الكويت منذ سنوات، لكن الدورة الأربعين لمعرض الكتاب هي الأسوأ، على حد قوله، فقد رفضت الرقابة دخول 30 عنوانا مهما صدرت عن دار نشره ودور أخرى متعاقد معها.
وأردف: «لم أجد مبررا للرقابة، ولا سببا منطقياً لمنع كتاب أدبي أو فكري سوى ضيق الأفق، والقيام بدور حراسة الفضيلة، مشيراً إلى منع دواوين شعرية وروايات، بسبب تصيُّد عبارة من هنا أو كلمة من هناك، اعتبرها الرقيب مسيئة للأخلاق والقيم، متناسيا أن النصوص الإبداعية يجب أن تُقيّم بمعزل عن هذه الرؤية الضيقة، فالإبداع ينطوي على الخيال، وهو حمّال أوجه».
ندوات باهتة
والتقط أطراف الحديث «عبدالله الشمري»، منتقدا الندوات والفعاليات الروتينية التي تقام بلا تخطيط، ولا يحضرها سوى عدد قليل من الجمهور، وكأن القائمين على مثل تلك الأنشطة يريدونها «سد خانة»، أو حبرا على الورق.. وإلا، فلماذا الإصرار على إقامة ندوات هزيلة بأسماء تكاد تكون مكررة، ولماذا لا يتم التخطيط لإقامة أمسيات فكرية يُدعى إليها رموز التنوير من الكويت والخارج؟.
وأضاف: «كانت معظم فعاليات معرض هذا العام باهتة وغير مؤثرة ولم يتفاعل معها الجمهور»، مشيرا إلى أن منظمي الندوات والأمسيات المصاحبة للمعرض يتجاهلون شعراء مهمين يقيمون في الكويت من الدول العربية، فضلا عن الشعراء الكويتيين، الذين لهم بصمة بارزة في ساحة الإبداع.
حراك ثقافي
من جانبها، قالت الباحثة في جامعة الكويت الدكتورة «أبرار العازمي»: «من الخطأ تفريغ معرض الكتاب من محتواه.. وبدل استغلاله في صنع حراك ثقافي تحوَّل هذا العام إلى مجرَّد سوق للكتب، ومع الأسف الشديد، مُنعت الكتب الفكرية والإبداعية المهمة، وعرضت بكثرة وزخم كتب الطبخ والجن والعفاريت وعذاب القبر والثعبان الأقرع، وغيرها من الإصدارات الركيكة التي تساهم في تزييف الوعي»، على حد قولها.
وأشارت «العازمي» إلى أن قضايا الشباب غائبة في مثل هذه الفعاليات الثقافية، منتقدة عدم دعوة شباب المبدعين الكويتيين والعرب للممشاركة، مضيفة أن تجاهل مبدعي الوطن البارزين، سواء من الشعراء والروائيين وكُتاب القصة، يدل على سوء تخطيط وإهمال للطاقات الإبداعية.
من جانبه، اعتبر القاص «دخيل العبدالله»، أن بعض الجهات المختصة تسيء للكويت، بتحويلها إلى دولة منغلقة على نفسها تعادي الحريات والانفتاح، مشيراً إلى أن منع الكتب ومصادرة نتاج العقول وراءه سياسة مسيئة للبلاد التي كانت منذ عهد قريب مضى منارة الخليج في بث الفكر والتنوير والإشعاع المعرفي والثقافي.