ثقافة » تربية وتعليم

المواطنة ومناهج التربية!

في 2016/02/27

فهد المضحكي- الايام البحرينية-

كتبت الباحثة فاطمة البغدادي ليس بالعلوم والمعارف فقط تبنى الأمم ولكن ايضاً ببث الوطنية في نفوس الأبناء وترسيخ مبدأ المواطنة في عقولهم منذ نعومة أظفارهم، لقد صار ذلك هدفاً من الأهداف الاستراتيجية في نظم التعليم الحديثة.
هذا الكلام جاء في بحث لها تحت عنوان «المواطنة في المناهج الدراسية – تجارب عالمية».
من أجل تحقيق ذلك لابد من التسليم بما قاله فرانسوا ديبالي – وهو ما أكدت عليه الباحثة – خبيرة التربية في الاتحاد الأوروبي: «لم تعد المدرسة إطاراً لتلقين المعارف والعلوم فحسب، بل ان لها وظيفة أساسية تتمثل في تشكيل المواطن، فهي مؤسسة إدماج اجتماعي، وإطار ملائم لبناء الهويات الفردية والجماعية لتلاميذ اليوم مسؤولي الغد وإكسابهم القدرة الاندماجية في المجتمع، وإن إسناد الشهادات التي تقوم بها المدرسة يجب أن تسير بالتوازي مع وظيفتها القيمية المعيارية».
تكتسب هذه الرؤية أهمية خاصة في عصرنا الراهن، حيث اعتمدت أغلب دول العالم مبدأ المواطنة كهدف استراتيجي من أهداف التعليم، وبالتالي ومن منظور الباحثة ليس ثمة اتجاه واحد لتطبيق تدريسها في المناهج، حيث تتجه بعض الدول إلى إدراج المواطنة ضمن منهج الدراسات الاجتماعية، بينما دول أخرى تدرج تدريسها ضمن المواد والأنشطة المنهجية المختلفة، وثمة دول تجعلها منهجاً قائماً بذاته تحت أسماء مختلفة، كالقيم الإنسانية في فنلندا وعالم واحد في ألمانيا والتربية الأخلاقية في ماليزيا، وتستعرض البغدادي بعض هذه التجارب على أعمدة رئيسة، من أهمها نظام تعليمي يقدر الفرد، ويسمو بالجماعة، ويضع المواطنة في قمة أولوياته وأهدافه، فهو نظام يدعم بقوة الولاء الوطني، ويرسخ قيم المشاركة، ويغذي الفرد بالاتجاهات التي تُعلي من شأن الانتماء القومي، ويحث على التضحية بالمنفعة الشخصية في مقابل الصالح العام.. وليس في اليابان منهج دراسي مستقل لتدريس المواطنة، وإنما تتنوع موضوعاته على معظم المقررات والمواد الدراسية في جميع مراحل التعليم العام، مع التركيز بشكل خاص على الدراسات الاجتماعية، ومن أبرز الموضوعات التي تدفع باتجاه ترسيخ المواطنة لدى الطلاب التعليم العام في اليابان: الأوضاع الدولية والسياسة اليابانية تجاهها، ثقافات شعوب العالم، مصادر الثقافة اليابانية، التأثير المتبادل بين اليابان والثقافات الأخرى، دور اليابان في عالم اليوم والغد، وغيرها من الموضوعات.
وتستطرد فتقول: وتدعم هذه الموضوعات بالأنشطة المختلفة ذات العلاقة، والتي من شأنها ترسيخ مبدأ المواطنة في نفوس وعقول الطلاب، وتمكنهم من إكتساب الخبرات في التربية الوطنية، إلى جانب ذلك ثمة "أنشطة تطوعية وثقافية داعمة "، لا تقل أهمية عن سابقتها في تنمية الاتجاهات الخاصة وبث روح المسؤولية وتماسك الجماعة، ومن الأمثلة على ذلك تكليف الطلاب بنظافة قاعات الدراسة او تنظيم المدرسة بالاشتراك مع المعلمين والإداريين احياناً، وقيام الطلاب بتحضير الوجبات الغذائية المدرسية ونحو ذلك.
وعلى مستوى المدارس الثانوية يعقد مؤتمر سنوي يتسابق الطلاب لتقديم ما لديهم من أفكار في مجال التربية الوطنية ومن موضوعات التربية الوطنية «احترام الذات والآخرين والإنسانية كافة، فهم الشعوب والثقافات المختلفة، تنمية استعداد الطلاب على تحمل المسؤولية تجاه أنفسهم ومجتمعهم، زيادة الوعي بالمشكلات والقضايا المحلية والعالمية، تكوين الاتجاهات الخاصة بعملية السلام والتفاهم الدولي» في حين من أبرز سمات التجربة الدنماركية في تدريس المواطنة:
-    الاهتمام بالبعدين المحلي والعالمي، في إعداد موضوعات التربية الوطنية، بما يسمح للطالب بناء ثقافة التعايش بسلام، والبحث عن القاسم الحضاري المشترك.
-    التأكيد على تنمية مهارات التفكير والحياة في إعداد موضوعات التربية الوطنية التي يحتاجها الطالب في التعامل مع مجتمعه، كالحوار والتفاوض وتقبل الآخر والقبول برأي الأغلبية، وذلك من خلال الأنشطة الجماعية، والتشجيع على استخدام التفكير في حل المشكلات والعمل في إطار الفريق.
-    الاهتمام ببناء الذات في المجالات المعرفية والنفسية والاجتماعية بما يتفق مع مبادئ التعليم الحديثة (التعليم يكون، التعليم للعمل، التعليم للتعايش مع الآخرين) فالمواطن المنتج المسؤول والمنفتح على العالم، يجب ان يكون مالكاً لقدر من المعارف والمهارات والاتجاهات الإيجابية التي تمكنه من التعاطي مع قضايا المجتمع والبيئة والسياسة.
وفي التجربة الدنماركية، يعول كثيراً على المعلم في ترسيخ مبدأ المواطنة في عقول تلاميذه، ومن ثم فهو يلتحق بالدورات التدريبية والتي تستهدف بالأساس الارتقاء بأبعاد ثلاثة في شخصية المعلم أولها البعد المعرفي حيث يكون المعلم متمكناً من ترجمة خبراته الإيجابية إلى ممارسات فعلية في مواقف تعليمية مختلفة، ويكون لديه دور في نشر ثقافة السلام والالتزام بمبادئ العدل والتسامح والحوار والاحترام بين الأفراد، وثانياً البعد المهاري، حيث يلعب المعلم دوراً حيوياً في تأكيد مفهوم المواطنة بما يبعث روح الولاء والانتماء للوطن الذي لدى الطلاب، ثالثاً البعد الوجداني، حيث ان من أبرز صفات المعلم المعززة للانتماء الوطني ان يكون قادراً على تنمية حب الوطن في نفوس طلابه، وجعلهم أكثر عزةً وكرامةً وتضحيةً من أجله، كما ينمي فيهم الإحساس بالمشكلات وكيفية المساهمة في حلها. ونعتقد أن الشيء الآخر والمهم هو أن موضوعات التربية الوطنية بالإضافة إلى تنمية الوعي بالحقوق والواجبات واحترام الآخر وحقوق المواطنة والوحدة الوطنية والمساواة تنمية الوعي النقدي والتحليلي لدى الطلاب وهذا ما تحتاجه التربية والتعليم في أغلب الدول العربية.